آراءثقافة وفنون

نسرين البخشونجي تكتب: أنا الموؤدة كبنات قريش

 

المشهد الأول

ثلاثة صور قديمة لبطاقات هوية لنساء مصريات جميلات عشن فى الستينات. شعرهن متناسق وملابسهن راقية. مكتوب كتعليق على الصور إن النساء فى هذا الزمن حين كن حرائر, لم تعرفن التحرش أو الاغتصاب.

فى التعليقات لم ألتفت لمن كتبوا فى مديح ذلك الزمن الجميل؛ لكن بعض التعليقات كانت صادمة. إذ أن الصور لنساء راقيات من منطقة مصر الجديدة وأكد بعض المعلقين بأن أولئك النساء وحفيداتهن بالتأكيد لم ترتدين الحجاب بل إنهن “زمانهم لابسين حملات أو قالعين ملط”.

المشهد الثاني

قررت ذات صباح أن أذهب لمنطقة وسط القاهرة لأول مرة منذ سنوات ركبت “ميكروباص”. رغبت فى أن أسمع الناس، أن أرى وجوها تتجدد تلقائياً كلما توقفت السيارة لينزل منها شخص ويصعد آخر.

جلست على كرسى فردي بجوار الشباك وبدلا من النظر للشارع، صرت أنظر لانعكاس الصورة الداخلية، شعرت من خلالها أن ثمة يد تتحسس جسدى خلسة.

نظرت بطرف عينى للخلف، لأكتشف أن الإهتزاز، الذى أشعر به ليس تحرشاً بجسدي ولكني جالسة فوق عجلات الميكروباص.

المشهد الثالث

“يا بنات يا بنات يا بنات..اللى مخلفش بنات مشبعش من الحنية ومادقش الحلويات” وقعت فى غرام هذه الأغنية منذ شاهدت الكليب الرقيق لنانسى وحولها طفلات جميلات، حين علمت أنى أحمل طفلة داخلى قررت أن أغنيها لها، قبل ميلادها «مريم» كنت اسمعها كثيراً جداً، وأخجل من يوسف فأغنيها له نفس اللحن مع تغيير في الكلمات.

ثلاثة مشاهد شعرت من خلالهم أنى ناقصة حرية وأمان. متى تحوّل الجمال إلى قبح؟ سؤال يلح علي كلما تذكرت: المشهد الأول، المجتمع الذى كان راقيا يقدس الأنثى ويحترم حريتها، ترتدى فستانها وتسدل شعرها دون أن تخشى النظرات النارية، الكلمات الخادشة، أو حتى اللمسة المؤذيه. حتى المعاكسات كانت حينئذ لطيفة “بُنسوار يا هانم”.

يااه..نحن الآن نسمع كلمات بذيئة وشتائم وكأننا نعيش فى سلة مهملات.

فى المشهد الثانى أدركت حجم الخوف النفسي من انتهاك جسدي وآمنت أنني لم أعد أخرج كثيراً ولم أعد أستخدم وسائل مواصلات عامة لهذا السبب «الخوف من الآخر».

لا أعرف على وجه التحديد هل مخاوفي وعدم شعوري بالحرية المطلقة خارج البيت هي سبب اكتمال المشهد الثالث فى رأسي. حين أدركت أننى خلال السنوات التى مرت بعد ميلاد مريم لم أغن لها أغنية نانسى عجرم، لم نسمعها سويا، ولم نرقص بخفة عليها. وأصبحت كلمات أغنية حنان ماضى “البنت السهرانة” تتردد داخلي خشية أن تعاني ابنتي.

أخاف على مريم من غدٍ قد لا يشبه الماضي الجميل ولا يشبه حاضري على سوءه، لأنه سيكون أسوأ كثيراً مما أظن. أنا ابنة مجتمع يحملني كل مشاكله لأننى أنثى، أحيا على أرض عرفت ملكات حكيمات وقويات.

أنا الحرة المكبلة بالخوف والشك، ذات الوجهين وجه علني أقابل به المجتمع ووجه يظهر فقط مع صديقاتي القديمات. أنا نصف مجتمع يرانى فتنة، عورة، وناقصة عقل.. أنا الموؤدة كبنات قريش.

*روائية وقاصة مصرية 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى