ثقافة وفنونكتب ودراسات

وزارة الثقافة.. أدوات الفعل والواقع الفعلي (4-4)

الحياة ـ أياً كان نوعها ـ قابلة للحل، طالما أننا نُخضعها للقياس العقلي، ونضعها في حجمها الحقيقي، فليس خير من المنطق سبيلاً لتحديد المشكلات وطريقاً لاحتوائها، باعتباره الوسيلة التي تعصم الذهن من الخطأ في التفكير، ويؤهلنا الاعتراف بوجود أزمة ثقافة أن نبدأ أولي خطواتنا باتجاه الحل المناسب والصحيح لها، وطالما أننا وضعنا أيادينا علي أسباها ومظاهرها، يبقي أن نتعرف الآن علي أهم المعوقات التي نراها تقف في وجه الحركة نحو ايجاد مخرج سليم وحاسم منها، وهي كالآتي:

1ـ المركزية..
رغم أن وزارة الثقافة ليست كياناً واحداً، بل تتوزع اختصاصاتها علي الهيئات العشر التي أوردنا أسماءها وأهدافها ووظيفتها في المجتمع، إلا أنها تعاني من مركزية مفرطة، فباستثناء هيئة قصور الثقافة والهيئة العامة للكتاب وقطاع الفنون التشكيلية، تظل الهيئات السبع الأخرى كياناً واحداً لا يبرح أرض العاصمة، سواء علي مستوي تقديم الخدمات الثقافية، أو قدرته علي جذب المبدعين من الأطراف، وحتى الهيئات الثلاث التي تتفرع إلي مواقع تغطي جمهورية مصر العربية كلها تقريباً، تعاني هي الأخرى من ذات المركزية، فالهيكل الإداري لها مكون من مجموعة من الإدارات المركزية، ثم مجموعة من الأقاليم، ثم الفروع ثم المواقع، مما يجعل المواقع الثقافة، التي تمثل الأداة الفعلية لتقديم الخدمات الثقافية، والتعامل مع الجمهور، تابعاً منفذاً لا حول له ولا قوة ولا رؤية، وغالباً لا علاقة له بالمكان الموجود فيه.
2ـ تداخل الاختصاصات بين الهيئات..
وهي مشكلة تدل علي عدم وجود رؤية شاملة تعمل الوزارة من خلالها لتأدية رسالتها، فهيئة قصور الثقافة مثلاً تقوم علي ممارسة كافة أنشطة الوزارة كلها، من نشر كتب وفن تشكيلي ومسرح وندوات ومحاضرات وغيرها، وهي أعمال تختص بها الهيئات الأخرى، مثل الهيئة العامة للكتاب التي تختص بنشر الكتب والمجلات الثقافية، وقطاع الفنون التشكيلية الذي يكاد يكون متخصصاً لنشر هذا الفن، وأكاديمية الفنون التي تختص بالمسرح والسينما، وغيرها الكثير.
وإذا اعتبرنا أن هيئة قصور الثقافة هي الذراع الطويلة للثقافة، التي تمتد إلي الأماكن التي لا تطولها الهيئات الأخرى، فإننا لن نجد أي شكل من أشكال التنسيق بينها وبين الهيئات التي تختص بالأنشطة كهم وواجب أساسي لها.
3ـ الروتين وترهل الجهاز الإداري..
وهي مشكلة ملازمة للمركزية، ونتيجة طبيعية لها، فلا أحد يستطيع العمل دون الرجوع إلي رئاسته، وعندما تتعدد الجهات الرئاسية فحدث ولا حرج، فعلي سبيل المثال من الممكن أن يصل إعلان ما عن مسابقة أدبية أو فنية إلي الموقع الثقافي بعد انتهاء موعد التقدم له، بسبب مروره علي الكثير من الإدارات الأعلى وظيفياً.
4ـ عدم توافر الكوادر المتخصصة..
فرغم أن هيئات الوزارة تعج بآلاف العاملين، إلا أن الكوادر المتخصصة منهم تشكل النسبة الأقل عدداً، والأكثر تهميشاً، بسبب كثرة أعداد الإداريين وسيطرتهم علي المناصب الإدارية، إضافة إلي عدم قدرة الكوادر المتخصصة علي الخضوع إلي الروتين الوظيفي، أو الطاعة العمياء التي تسم الموظفين بشكل عام، مما يجعلهم دوماً، يحلقون خارج السرب بلا أدني تأثير، وهي مشكلة تتعلق بآليات وسياقات التوظيف التي تم العمل بها في السنوات السابقة.
5ـ سوء توزيع المخصصات المالية..
ففي الوقت الذي يبدو طبيعياً جداً أن تتجه كافة المقدرات المالية لوزارة الثقافة إلي تفعيل الأنشطة الثقافية، نجد أن المال الذي يتم انفاقه علي بناء المواقع أو ترميمها وتأسيسها، والمرتبات والمكافآت والحوافز الخاصة بالعاملين تلتهم جل الميزانية.
نحو رؤية
باتجاه سياق سليم.
احتواء الأزمة الثقافية الطاحنة التي تعاني منها المؤسسة الثقافية، والتي قاربت أن تلتهم الأخضر واليابس من تاريخنا ومكانتنا، مطلب طالما نادينا به، لأننا نري أنه كفيل بأن يُعيد المؤسسة إلي مسؤوليتها الأساسية، ليس لنشر الثقافة فقط، بل والتأكد من وصولها وتأثيرها، بحيث يصبح من الممكن أن نرسم خارطة للثقافة المصرية ونحن نشير باطمئنان بأن هذا الإنسان مصري، لكن هذا الاحتواء الذي يهبنا القدرة علي التغيير لن يكتمل إذا ظلت إدارة العمل الثقافي علي ذات الروتين الوظيفي الذي يعتمد علي تنفيذ الأوامر وتسوية الأوراق، وظل اختيار القيادات وفقاً للأقدمية الوظيفية والمحسوبية وخفة الدم أو القبول الشخصي المعجونين بجحيم التبعية وسعير الولاء، إن التغيير يتطلب إعادة هيكلة الوظائف القيادية، والتأكد من أن مَنْ يتولى أمرها كفؤ ثقافياً، وأن توضع الضوابط اللازمة والحقيقية لمراقبة أدائه وانجازه وانجاز المؤسسة كلها، كما يجب أن تتخفف المؤسسة الثقافية من العمالة الوظيفية غير المؤهلة، ولا المؤمنة، بالعمل الثقافي، لأنها في أرض الواقع من أهم المعوقات التي تفسد طبيعة أي عمل ثقافي، وتمنع وصوله بشكل حقيقي، وأن يتم استبدالها بمن شاء من المبدعين والمؤهلين ثقافياً في الأماكن الحكومية الأخرى، وأن يتم التعيين الوظيفي في وزارة الثقافة، وفقا للمعايير الثقافية أولاً.
لقد بات من الضروري خلق آليات أخرى بديلة للعمل الثقافي غير المتبعة، تؤمن بحرية الإبداع والفكر، وتمتلك القدرة علي الخلق والابتكار، وتعتمد علي واقع حقيقي، آليات تمكن المؤسسة من نشر ثقافة حقيقية بين الناس، أري أن من أهمها ما يلي:
1ـ تنقية وتأهيل الكوادر الوظيفية في المؤسسة الثقافية.
2ـ أن يكون للكوادر الثقافية تواجداً رسمياً وقانونياً وملزماً في المدارس والجامعات ومراكز الشباب، وغيرها من الأماكن التي تحتمل تقديم ونشر الثقافة بين فئات المجتمع.
3ـ التوسع في أوجه التعاون مع المؤسسات الأهلية التي تعمل في المجال الثقافي.
4ـ إعادة هيكلة آليات العمل الثقافي بما يتناسب وثقافة العصر، ويراعي خصوصية الأماكن، ويمكن العمل هنا علي فكرة القصور المتخصصة بحسب طبيعة المكان والفئات العمرية به.
5ـ تفكيك المركزية.
وتبقي الخطوة الأخيرة، والأكثر أهمية من وجهة نظري، وهي أن تتحول المؤسسة الثقافية إلي كيان منتج للثقافة أيضاً، وثمة مناحي كثيرة تمكنها من ذلك، أبسطها ذلك الكم الهائل من المسارح ودور السينما التي تجعلها قادرة علي إنتاج وتقديم الأفلام السينمائية بكافة أشكالها، وكذا المسرحيات والعروض الفنية للفرق المتنوعة، فهل من الممكن أن تعي الإدارة الثقافة ذلك، أم أنها ستتبع ذات السياقات السابقة لتزجية الوقت، وإحداث الصخب الزاعق الذي يكتفي ببل أقدامه علي الشاطئ، متغافلاً أنه يحرم نفسه تجربة العوم الحقيقية.
هل تعي أنها إن لم تتخذ الخطوات اللازمة للسير إلي الأمام، فإنها لن تظل مكانها أبداً، بل سترجع إلي الوراء، وتُرجع معها المجتمع كله، بحيث نغرق جميعاً في بحر من التخلف لا سبيل إلي النجاة من مياهه اللزجة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش.
1ـ ( الوضع الثقافي في مصر أصبح ” كارثي ” ) حوار مع د. جابر عصفور، المصري اليوم، الخميس 28/10/2010م.
2ـ المعجم الوسيط.
3ـ ” الثقافة الشعبية والثقافة الرسمية.. الفجوة والاتصال ” عبد الغني داود، كتاب أبحاث الدورة 28، المؤتمر العام لأدباء مصر ” الثقافة المصرية بين الوحدة والتنوع ” صـ 45.
4ـ المصدر السابق صـ 45.
5ـ محمد صالح البحر، مقدمة كتاب ” الأدب الجنوبي المعاصر.. سؤال الخصوصية “، كتاب أبحاث مؤتمر قنا الأدبي 2009م صـ 6.
6ـ ” الثقافة الشعبية والثقافة الرسمية.. الفجوة والاتصال ” عبد الغني داود، كتاب أبحاث الدورة 28، المؤتمر العام لأدباء مصر ” الثقافة المصرية بين الوحدة والتنوع ” صـ 46.
7ـ الموقع الرسمي لوزارة الثقافة المصرية علي شبكة الانترنت.
8ـ لمزيد من المعلومات عن أنشطة الوزارة، وأهدافها وسياستها الثقافية والانجازات والاصدارات، انظر الموقع الرسمي لها علي شبكة الانترنت http://www.moc.gov.eg

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى