كتب ودراسات

دراسة حديثة تكشف أنَّ بعض مواد لُب الأرض تتسرب منه

يحمي المجال المغناطيسي للأرض كوكبَنا، ويجعله صالحاً للسكن بإيقاف الجسيمات الضارة عالية الطاقة الآتية من الفضاء، بما في ذلك الجسيمات الآتية من الشمس. ومصدر هذا المجال المغناطيسي هو اللُّب الذي يقع في مركز كوكبنا.

لكنَّ دراسة اللب صعبةٌ للغاية، ويرجع أحد أسباب ذلك إلى أنَّ بدايته تقع على عمق حوالي 2900 كيلومتر داخل باطن الأرض، مما يُصعِّب أخذ العينات وإجراء فحصٍ مباشر.

ومع ذلك، كان موقع Science Alert الأمريكي ضِمن فريقٍ بحثي توصَّل إلى طريقة للحصول على معلومات حول لُب الأرض، وقد نُشِرت تفاصيل هذه المعلومات مؤخراً في دورية Geochemical Perspective Letters العلمية؛ بحسب موقع Science Alert الأمريكي.

اللب ساخنٌ للغاية

يُعد اللب أسخن أجزاء كوكبنا، حيث يصل اللب الخارجي إلى درجات حرارة تزيد على 5 آلاف درجة مئوية. وهذا يؤثر حتماً في طبقة الوشاح التي تغطيه، وتبلغ نسبة الحرارة البركانية الصادرة من اللب حوالي 50% من إجمالي الحرارة البركانية لكوكب الأرض، وفقاً لبعض التقديرات.

ويُمثِّل النشاط البركاني آلية التبريد الرئيسية لكوكب الأرض. وربما يكون بعض النشاط البركاني، مثل ذلك الذي ما زال يُشكِّل جُزُراً بركانية في هاواي وأيسلندا، متصلاً بلُبِّ الأرض عبر بعض أعمدة الوشاح، التي تنقل الحرارة من اللُّب إلى سطح الأرض.

ومع ذلك، ما زالت مسألة وجود تبادلٍ للمواد المادية بين اللُّب والوشاح محل نقاش منذ عقود.

وتشير النتائج التي توصل إليها الفريق البحثي إلى أنَّ بعض مواد اللب تنتقل إلى قاعدة أعمدة الوشاح هذه، وأنَّ هذه المواد تتسرب من اللُّب منذ 2.5 مليار عام.

وقد اكتشف الفريق ذلك عن طريق دراسة اختلافاتٍ صغيرة للغاية في نسبة نظائر عنصر التنغستن (النظائر هي في الأساس نُسَخٌ من نفس العنصر تحتوي على أعدادٍ مختلفة من النيوترونات).

ولدراسة لب الأرض، نحتاج إلى البحث عن مُتتبِّعات آثارٍ كيميائية لمواد اللُبِّ في الصخور البركانية المشتقة من الوشاح العميق.

ونعلم أن اللب لديه تركيب كيميائي مميز للغاية، معظمه مكون من الحديد والنيكل إلى جانب بعض العناصر، مثل التنغستن والبلاتين والذهب، التي تذوب في سبائك الحديد والنيكل. لذا تعد العناصر المحبة للسبائك المعدنية خياراً جيداً لاقتفاء آثار مواد اللب.

البحث عن نظائر التنغستن

يحتوي عنصر التنغستن الأساسي (ورمزه الكيميائي W) على 74 بروتوناً. لكنَّ التنغستن لديه العديد من النظائر، بما في ذلك 182W (الذي يحتوي على 108 نيوترونات) و184W (الذي يحتوي على 110 نيوترونات).

وقد يكون هذان النظيران أشمل متتبعات آثار مواد اللب، لأنَّه من المتوقع أن تكون نسب 182W/184W في الوشاح أكبر بكثير منها في اللب.

يعزى هذا إلى عنصر آخر، وهو الهافنيوم (Hf)، الذي لا يذوب في سبائك الحديد والنيكل، ويوجد بنسبٍ كبيرة في الوشاح، وكان لديه نظيرٌ (وهو 182Hf) صار منقرضاً الآن، وتحلَّل إلى 182W. وهذا ما يجعل الوشاح يحتوي على كميةٍ أكبر من النظير 182W مُقارنةً بالتنغستن الموجود في اللب.

لكنَّ التحليل المطلوب لاكتشاف الاختلافات في نظائر التنغستن يمثل تحدياً لا يصدق، إذ إننا ندرس اختلافاتٍ تُقدَّر بأجزاء في المليون في نسبة 182W/184W، وتركيز التنغستن في الصخور منخفض جداً لدرجة أنَّه يصل إلى عشرات الأجزاء في المليار. وتجدر الإشارة إلى أنَّ هناك أقل من خمسة مختبرات في العالم يمكنها إجراء هذا النوع من التحليل.

الدليل على التسرب

تُظهِر الدراسة الحديثة تغييراً كبيراً في نسبة 182W/184W في الوشاح على مرِّ عمر الأرض. فأقدم صخور الأرض لديها نسبة 182W/184W أعلى بكثير من معظم صخور الأرض الحديثة.

ويشير التغير في نسبة 182W/184W في الوشاح إلى أنَّ التنغستن يتسرَّب من اللب إلى الوشاح منذ فترةٍ طويلة.

من المثير للاهتمام أنَّه لا يوجد تغيير كبير في نظائر التنغستن في الوشاح في أقدم الصخور البركانية للأرض، على مرِّ مدة زمنية تبلغ 1.8 مليار سنة. ويشير هذا إلى أنه منذ 4.3 مليارات سنة إلى 2.7 مليار سنة مضت، نُقِلت مواد قليلة من اللب إلى الوشاح العلوي، أو لم تُنقَل أي مواد على الإطلاق.

ولكن على مدى الـ2.5 مليار سنة التالية، تغيَّر تكوين نظير التنغستن في الوشاح تغيراً كبيراً. إذ نستنتج أن هناك تغيُّراً في تكتونية الصفائح، بالقرب من نهاية الدهر السحيق منذ حوالي 2.6 مليار سنة، أدى إلى تيارات حمل حراري كبيرة في الوشاح بدرجةٍ كافية لتغيير نظائر التنغستن في جميع الصخور الحديثة.

ما سبب التسرب؟

إذا كانت أعمدة الوشاح تصعد من الحدود بين الوشاح واللب إلى السطح، فذلك يعني أنَّ المواد الموجودة في سطح الأرض كذلك لا بد أنَّ تنحدر إلى الوشاح العميق.

وجديرٌ بالذكر أنَّ عملية الاندساس -أي نزول صخورٍ من سطح الأرض إلى الوشاح- تأخذ مواد غنية بالأكسجين من السطح إلى الوشاح العميق، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من تكتونية الصفائح.

وتشير بعض التجارب إلى أنَّ زيادة تركيز الأكسجين عند الحدود بين الوشاح واللب قد تتسبب في انفصال التنغستن عن اللب وتسربه إلى الوشاح.

ومن ناحيةٍ أخرى، تسبَّب تصلُّب اللب الداخلي كذلك في زيادة تركيز الأكسجين في اللب الخارجي. وفي هذه الحالة، يمكن أن تخبرنا نتائج الدراسة الجديدة بمعلومةٍ عن تطور اللب، بما في ذلك أصل المجال المغناطيسي للأرض.

إذ كان لب الأرض في البداية معدناً سائلاً تماماً، ثم تعرَّض للتبريد والتصلُّب الجزئي بمرور الوقت. ويجري توليد المجال المغناطيسي عن طريق دوران اللب الصلب الداخلي. ويعد وقت تبلور اللب الداخلي أحد أصعب الأسئلة التي ما زالت بلا إجابة في علوم الأرض والكواكب.

لكنَّ الدراسة الجديدة تُقدِّم خيط تتبُّعٍ يمكن استخدامه لدراسة التفاعل بين الوشاح واللب، والتغير في الديناميات الداخلية لكوكبنا، وهو ما يمكن أن يعزز فهمنا لكيفية بداية عمل المجال المغناطيسي ووقته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى