مصرمن التاريخ

تعرف علي قبائل توطنت مصر اشهرها الأمازيغ

من بين ما يقرب من 75 قبيلة ذات أصول عربية متنوعة لا يزال أبناؤها يسكنون في نواحي مصر حتى الآن، وتناهز أعدادهم بضعة ملايين، هناك حضور لافت للقبائل الأمازيغية.

وينقسم هؤلاء بشكل عام إلى أمازيغ ناطقين، وأمازيغ غير ناطقين، والمقصود هنا وجود أمازيغ لا يزالون يستخدمون الأمازيغية كلغة بينهم.

يعيش حوالي 35 ألف أمازيغي تمتد جذورهم إلى منطقة شمال إفريقيا، ويعتبرون هم الأقل شهرة بين القبائل العربية الأخرى التي تقيم في مصر.

لكن إذا أخذنا ما اتفقت عليه  أقوال المؤرخين الكبار أمثال ابن خلدون، من كون قبيلة هوارة أمازيغية، فإن الرقم يمكن أن يصل لأكثر من ذلك بكثير.

لماذا لم نسمع بوجود الأمازيغ؟

فكرة وجود أمازيغ يعيشون في مصر غير معروفة على نطاق واسع، لثلاثة أسباب رئيسية، الأول هي العادات والتقاليد الخاصة بالأمازيغ واعتزازهم بثقافتهم ولغتهم التي تصعب اندماجهم في نسيج المجتمعات العربية، خصوصاً المجتمع المصري الذي اشتهر تاريخياً بإذابة أي ثقافة وافدة في نسيجه، وهو ما ينطبق على الأمازيغ الناطقين.

السبب الثاني هو قلة عدد الأمازيغ الناطقين الموجودين في مصر حالياً وتمركزهم في نطاق محدود جداً في المناطق الحدودية مع ليبيا، ربما من أجل الحفاظ على هويتهم من الذوبان في المجتمع المصري.

والسبب الثالث هو اندماج قطاع كبير منهم، وتحديداً قبائل هوارة، في النسيج المصري وتحولهم إلى أمازيغ غير ناطقين.

ولم يعلم المصريون، باستثناء بعض المثقفين، شيئاً عن وجود أمازيغ (خصوصاً الأمازيغ الناطقين) بينهم كأقلية عرقية حتى اندلاع ثورة 25 يناير 2011، لتبدأ حقبة جديدة في حياتهم بدأت بالظهور الإعلامي لبعض رموزهم، وتعالت أصواتهم ومطالبهم بما لم يكن ممكنا قبل يناير 2011 ثم يونيو 2013.

وتركزت تلك المطالب في التمكين الثقافي والاعتراف بوجودهم، وقد حرصوا على وجود نص دستوري بذلك وهو ما تم بالفعل بإقرار المادة 50 في الدستور والتي جاء في نصها “تولي الدولة اهتماماً خاصاً بالحفاظ على مكوّنات التعدّدية الثقافيّة في مصر”.

لكن تظل علامات الاستفهام تدور حول تطلعاتهم وربما أجندات بعضهم، بل ان بعض الباحثين السياسيين قالوا إنهم يرفضون الحديث عن أمازيغ مصر باعتبارهم أقلية عرقية مختلفة في اللغة والثقافة عن باقي المصريين، وحذر من أنه ليس من المصلحة السير في ذلك الاتجاه الذي يقود في النهاية لمخططات الانفصال.

من هم الأمازيغ؟

لكن أماني الوشاحي لم تلق بالاً لمن اتهمها بأنها تعلي من النعرات العرقية لتحقيق أجندات خارجية، مؤكدة أن الحكومة تعترف بها كممثلة للأمازيغ، كما أنها نائبة الكونجرس العالمي للأمازيغ وهي منظمة دولية معترف بها من قبل الأمم المتحدة، وأسست في يوليو 2010 “الشبكة المصرية من أجل الأمازيغ”، والتي تعد أول كيان في مصر يعمل من أجل الأمازيغية.

وفي يونيو 2013 أسست “مركز ميزران للثقافات المحلية”، وهو أول مركز من نوعه في مصر والشرق الأوسط، والأخير يعمل من أجل الحفاظ على الثقافات المحلية باعتبارها جزءاً من الثقافة المصرية مثل (الأمازيغية والنوبية والقبطية والكردية والأرمنية البجاوية).

وتشير الوشاحي إلى أن المعنى الحرفي لكلمة أمازيغ تعني “الرجل الحر النبيل” وهي تنسب إلى أمازيغ بن كنعان بن حام الجد الأكبر للأمازيغ والذي سكن شمال إفريقيا بعد الطوفان، كما تقول الأساطير والتاريخ.

وتقول إن الأمازيغ هم السكان الأصليون لشمال إفريقيا قبل الفتح الإسلامي، ويصل عدد الأمازيغ حالياً إلى ما يزيد عن 50 مليون نسمة في العالم وينقسمون إلى 13 مجموعة قبلية.

ويطلق على الأمازيغ كلمة بربر، وهو مشتق من كلمة (باربادوس) أي الأغراب، وهو اسم أطلقه الرومان على كل من هو غير روماني، وتطور فيما بعد ليشمل الأجانب بصورة عامة. لكنهم يرفضون هذه التسمية، ويرون فيها انتقاصاً منهم وتعالياً عليهم.

محاربون في جيش رمسيس الثالث

هجرة الأمازيغ إلى مصر جاءت على موجات متعددة، أولها وأشهرها منذ 3 آلاف عام، في عهد الملك رمسيس الثالث (الأسرة 20) حين سبق تلك الهجرة حالة جفاف ومجاعة ونقص في الأغذية في شمال إفريقيا، وكان المحاربون الأمازيغ يلجأون للإغارة على منطقة الصحراء الغربية المصرية في موسم الحصاد حتى يسيطروا على المحاصيل.

في المقابل، كان ملوك الفراعنة قبل رمسيس الثالث دائماً ما يطاردون الأمازيغ ويعتبرونهم لصوصاً، لكن رمسيس الثالث (حكم 30 عاماً في الفترة من 1182 ــ 1152 ق.م) نظر لهم نظرة مختلفة لأنهم لا يأتون سوى أيام الحصاد ويغيبون باقي أيام السنة ويسرقون المحصول فقط ولا يسرقون الناس.

وكان الملك رمسيس اعتاد أن يأتي بمرتزقة من ليبيا لاستخدامهم في الحروب التي كان يخوضها، لهذا قرر الاستفادة من الأمازيغ النازحين، وتحديداً قبيلة اسمها “المشوش” أو “الليبو” لتجنيدهم في الجيش المصري، وسمح للباقين بالاستيطان في الأراضي الغربية لمصر شريطة أن يقوموا بزراعتها.

ويشير مصطفى كمال عبدالعليم في كتابه “دراسات في تاريخ ليبيا القديم (صفحة 32 و33) قائلاً: “إن الجيش المصري أصبح ابتداء من عصر الأسرة العشرين مؤلفاً من الليبيين دون سواهم. وقد منحهم ملوك مصر هبات الأرض كأجر لهم وهكذا استطاعوا أن ينشئوا في البلاد جاليات عسكرية وكان يترأس كل حامية رئيس ليبي يحمل لقب الرئيس الكبير”.

وأطلق الأمازيغ على مصر “إمزران”، ومعناها الأحجار العظيمة بسبب ما شاهدوه من مبانٍ عظيمة بناها المصريون من الحجارة.

أمازيغي على عرش مصر

كثيرة هي الدراسات التي تحدثت عن القائد “شيشنق” الذي يعود نسبه إلى قبائل “المشواش” أو “المشوش” في مدينة “إهناسيا” الليبية، غير أن هذه الرواية في حد ذاتها نالت القسط الأكبر من الاختلاف بين الباحثين والمؤرخين، بين من يعتبره قائداً أمازيغياً، ومن يعتبره ملكاً فرعونياً.

بعد وفاة رمسيس الثالث توالى على العرش ملوك ضعفاء وكان أغلبية الجيش المصري في ذلك الوقت من الأمازيغ.

يقول سليم حسن في موسوعة مصر القديمة الجزء التاسع صفحة 121، إن شيشنق كان الرئيس الأعلى الحربي في شمال البلاد ولم يعتل عرش البلاد إلا بعد موت الملك بسوسنس الثاني آخر ملوك الأسرة 21.

ويرجع نسب شيشنق حسب لوحة حور باسن المحفوظة الآن بمتحف اللوفر   (Louvre No. 278) إلى المشوش، وهم قبائل من الليبو (اسم قديم لإحدى القبائل الليبية القديمة) التي سكنت شمال إفريقيا.

لوح حور باسن / ويكيبيديا
لوح حور باسن / ويكيبيديا

واختلف المؤرخون حول كيفية وصول شيشنق إلى عرش مصر، فمنهم يميل إلى القول إنه تسلم سدة الحكم بطريقة سلمية، حيث يقول سليم حسن إنه لا يوجد دليل على أنه اغتصب الملك قسراً أو ما يشير إلى قيام ثورة للاستيلاء على العرش، بل على العكس مجد آثار السابقين وعمل أن تكون توليته بصفة شرعية وزوج ابنه أوسركون الأول من ابنة الملك بسوسنس آخر ملوك الأسرة 21، وبذلك تصاهر الأمازيغ والفراعنة، كما زوج ابنه الآخر من ابنة رئيس الكهنة، وبذلك ضمن السلطات السياسية والعسكرية والدينية لابنيه قبل وفاته، مثلما يشير إلى ذلك كتاب “تاريخ أوكسفورد لمصر القديمة”.

بينما يذهب آخرون إلى أنه استولى على الحكم بطريقة عنيفة ولم يكن سلمياً ومنهم الباحث في علم الآثار Auguste MARIETTE-PAGHA، وهذا ما تؤكده الآثار المصرية في معبد الكرنك.

ويتفق مع ذلك الباحث التونسي أحمد الولهازي في دراسته البحثية موضحاً أن النقوش التاريخية المحفورة على أعمدة معبد الكرنك بمدينة الأقصر تشير إلى المعركة بين جيشي “شيشنق” و”رمسيس الثاني” بمدينة الأقصر المصرية، وتوثق لهذا النصر العسكري، وكانت بداية لحكم شيشنق لمصر وتأسيسه الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين، وأن التقويم الأمازيغي يبدأ من عام 950 قبل الميلاد، تخليداً لذكرى وصولهم لحكم مصر ويحتفل الأمازيغ ومنهم المغاربة كل عام على غرار باقي سكان بلدان شمال إفريقيا خلال أيام 11 و12 و13 يناير/كانون الثاني وفق التقويم الميلادي من كل عام برأس السنة الأمازيغية.

حكم الأمازيغ مصر قرابة 235 عام، كما أسسوا 3 أسر (22 – 23 – 24) خلال الفترة بين عامي 950 – 715 قبل الميلاد، وملوك الأسرة الأمازيغية الأولى الـ 22 في الفترة ما بين عامي 950 – 817 قبل الميلاد هم: شيشنق الأول – أوسركون الأول – تاكلوت الأول – أوسركون الثاني – ششنق الثاني – تاكلوت الثاني – ششنق الثالث – باماي – ششنق الرابع.

أما ملوك الأسرة الأمازيغية الثانية وهي الأسرة الـ23 وحكمت ما بين عامي 817 – 730 قبل الميلاد فهم: بادي باست – ششنق الخامس – أوسركون الثالث – تاكلوت الثالث – أمنرود – أوسركون الرابع.

وملوك الأسرة الأمازيغية الثالثة ما بين عامي 730 – 715 قبل الميلاد هم تافت نخت – باك آن رن نف، وبعدها سقط حكم الأمازيغ في مصر على يد النوبيين بزعامة الملك “بعنخي” إلا أنهم ظلوا موجودين في صحراء مصر الغربية، لكن تقلص وجودهم مع مرور الوقت وانحصروا في منطقة سيوة.

قبيلة كتامة تقود جيش المعز

الموجة الثانية الشهيرة من هجرة الأمازيغ لمصر، جاءت مع جيش المعز لدين الله الفاطمي، رابع خلفاء الدولة الفاطمية (العُبيدية)، ولم يكن أمازيغياً بَل عَربي يعود نسبه إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق أي أنه كان شيعيا إسماعيلياً.

حينما قرر المعز لدين الله فتح مصر أرسل جيشاً بقيادة جوهر الصقلي (من جزيرة صقلية) عام 969 ميلادياً، وكان أغلب قوام الجيش الذي ضم  100 ألف جندي من الجنود الأمازيغ وتحديداً من قبيلة “كتامة”.

وكانت تلك القبيلة، بحسب ما تقول أماني الوشاحي، شديدة الإخلاص للمعز لدين الله، كما كانوا يعتنقون نفس مذهبه، وهم من أسسوا القاهرة الفاطمية وأطلقوا عليها هذا الاسم نسبة إلى كوكب المريخ الذين كانوا يطلقون عليه بالعربية “القاهر”، رمز الحرب، ووقتها كان الأمازيغ يتبعون مذهب الشيعة الإسماعيلية.

وبعد انهيار الدولة الفاطمية عاد بعض الأمازيغ إلى موطنهم في شمال إفريقيا، وبعضهم استقر في مصر، واندمجوا مع المصريين وتزوجوا منهم.

وأنشأ الأمازيغ بعد استقرارهم في القاهرة منازل بإحدى حاراتها أطلقوا عليها اسم حارة كتامة، تقع في قلب القاهرة الفاطمية حيث الجامع الأزهر ومسجد الحسين.

ثم جاءت قبائل أمازيغية أخرى مثل قبيلة زويلة التي أطلق اسمها على إحدى بوابات القاهرة الفاطمية، وهي “باب زويلة”، ثم جاءت قبيلة “شعرية” التي أطلق اسمها على بوابة أخرى للقاهرة وهي “باب الشعرية”.

وهناك قائد أمازيغي اسمه سعادة وكان ضمن قيادات الجيش ومقرباً من المعز لدين الله، وتم إطلاق اسمه على منطقة بالجمالية هي “درب سعادة”، وكل تلك الحارات والمناطق تقع في منطقة القاهرة الفاطمية بوسط العاصمة المصرية.

أمازيغ ناطقون وآخرون غير ناطقين

وتقول أماني الوشاحي إن أمازيغ مصر ينقسمون لقسمين، الأول يتركز في سيوة ويطلق عليهم الأمازيغ الناطقون.

والثاني هم الأمازيغ غير الناطقين ويتركزون في جنوب مصر وتحديداً قنا، ولا يوجد حصر محدد بأعدادهم لأنهم ذابوا واندمجوا وسط قبائل عربية كونت تحالفاً لصد غزوات وهجمات المماليك في الصعيد وأطلق عليه تجمع “قبائل هوارة”.

طارق جهلان، المؤرخ والباحث فى أنساب قبائل الأمازيغ، يقول إن هناك 12 مليون شخص ذوي أصول أمازيغية ينتشرون في كل بقاع مصر، نتيجة التزاوج والمصاهرة مع غيرهم من غير الأمازيغ، فى حين لا يزيد عدد الناطقين بالأمازيغية على 35 ألفاً هم الموجودون فى واحة سيوة.

الأمازيغ الناطقون

احتفظ أمازيغ سيوة بلهجتهم وكذلك بالكثير من عادات وتقاليد الأمازيغ، ويتركزون في واحة سيوة أو “شالي” كما يحبون أن يطلقوا عليها، وهي قريبة من مرسى مطروح (غرب مصر) آخر محافظات مصر قبل الحدود مع ليبيا.

ولا يزيد عدد الباقين منهم حتى الآن على 35 ألف شخص، موزعين على 10 قبائل أمازيغ هي قبائل الظناين، الحدادين، اللحمودات، الشرامطة، الجواسيس، أولاد موسى، السراحنة، الشحايم، أغورمي وقرية أم صغير، ويتوزع أبناؤها على قرى الواحة الخمس، وهي بهى الدين وأغورمي ومشندات وأم الصغير وأبو شروق.

يتحدث أبناء تلك القبائل العشرة اللغة الأمازيغية التي ترجع إلى حام بن نوح والتي يعرفها كل طفل بحكم الميلاد والنشأة، لكن لا يدركون كيف تقرأ أو تكتب، وكل قبيلة لها شيخ باستثناء قبيلة الظناين التي تحتكم إلى شيخين وتعتبر أكبر قبيلة في سيوة ويليها الحدادين ثم أولاد موسى.

الشيخ فتحي الكيلاني عمران، شيخ قبيلة الظناين (الزناين) يشير إلى أن أصلهم أمازيغي من شمال إفريقيا، ويقول إن قبيلته أكبر قبيلة في سيوة، وبها شيخان هما الشيخ عبدالرحمن الدميري، والشيخ فتحي الكيلاني، وتعدادها يزيد على 7 آلاف نسمة.

المدينة القديمة في سيوة
المدينة القديمة في سيوة

ويتم تعيين شيخ القبيلة بالانتخاب بين أبناء القبيلة ثم ترسل النتيجة إلى قسم الشرطة لاعتمادها والتعامل معه بشكل رسمي من قِبل وزارة الداخلية، حتى يكون عنوان الأمن للقبيلة وسيوة، ويتوجب على الشيخ أن يتدخل لحل أي مشكلة.

ويشير الكيلاني إلى أن الأمازيغ نزلوا إلى سيوة منذ زمن بعيد جداً، لكن في عصر قريب كان جبل “شالي” هو الموطن الأساسي الذي يضم جميع القبائل، وكان محاطاً بسور ضخم لرد أي هجوم من العرب أو الرحالة في الصحراء.

ويصل عدد القبائل حينها ـــ في عصر “شالي” ـــ إلى حوالي 7 قبائل هي “الظناين” و”اللحمودات” و”الحدادين” و”أولاد موسى” و”الشحايم” و”أغورمي” و”الشرامطة” ثم انضمت لهم ثلاث قبائل أخري في الفترة الأخيرة.

وكان السبب الرئيسي للإقامة في جبل شالي وتأمينه، هو رد أي هجوم قادم ومنع وصول الأعداء إليهم، ولكن مع مرور الوقت وانتهاء الغارات على المدينة وتزايد عدد السكان، بدأوا بالنزول إلى البلد والعيش فيها.

ويستكمل: “كانت سيوة بأكملها أراضي زراعية حتى منطقة السوق الموجودة في وسط المدينة كانت منطقة زراعات، ولم يكن في سيوة كلها إلا جبل “شالي” الذي تسكنه القبائل، “لكننا الآن أصبحنا نعيش حياة غير التي كنا عليها في الماضي من الانفتاح والاختلاط بالآخرين”.

تحوي قبيلة الظناين 35 بيتاً، وكل بيت يمثله ممثل كعاقل في الجلسات الطارئة والأحداث المهمة والعواقل هم “مستشارون” مثل الرئيس ومستشاريه ويتم استخدامهم واللجوء لهم في وقت الجلسات العرفية.

واستشهد شيخ قبيلة الظناين بتأثير قبيلته في التصويت بالانتخابات البرلمانية، فكل قبيلة تجمع الأفراد بها، وتحديد وجه القبيلة نحو انتخاب شخص معين، حتى يكون الاختيار في المقام الأول للمصلحة العامة.

نزول الهوارة لمصر

تقول العديد من المصادر والدراسات التي استندت إليها صفحة التحالف الوطني لقبائل هوارة إن الهوارة قبائل أمازيغية الأصل وتتواجد قبائلها بمختلف بلاد المغرب الإسلامي وجاؤوا إلى مصر بعد نزاع بينهم وبين قبيلة زناتة هناك، واستوطنوا في البداية منطقة البحيرة في الشمال، وكانت لهم الإمرة على سكانها.

وهو الوضع الذي ظل قائماً حتى تمرد زعيم الهوارة “بدر بن سلام ” على حكم المماليك عام 1380، لكن الأمير المملوكي برقوق نجح في إخماد التمرد والقضاء على عدد كبير من جنود الهوارة، مما دفع معظم من تبقوا للهرب إلى الصعيد.

لكن كما تقول الحكمة العربية القديمة إن الخير قد يكمن فيما نكرهه، حيث تمكن الهوارة من بسط نفوذهم في مدن الصعيد، وباتوا يتحكمون فعلياً في تلك المناطق.

ثم تعاظم نفوذهم فى العصر العثمانى الذي بدأ في القرن السادس عشر، وتحديداً بعد أن نجح السلطان سليم الأول في دخول مصر، بعد انتصاره على السلطان المملوكي طومان باي في موقعة الريدانية عام 1517، خاصة مع نظام الالتزام، المالي الزراعي، الذي يعطي (الملتزم) سلطات واسعة على الفلاحين، ليس فقط في مجال جمع الضرائب وإنما في السلطة والنفوذ السياسي.

الهوارة أمازيغ غير ناطقين

الثابت تاريخياً أن الهوارة بلغ بهم القدم في مصر درجة الارتباك في نسبهم، حيث يقول بعض الباحثين المتخصصين من أبناء القبائل العربية إن أصل الهوارة يمتد إلى آل البيت، وبالتالي يعتبرون أنفسهم من “الأشراف” الذين ينتمون لسلالة الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث يستند هؤلاء فيما وصلوا إليه إلى أن الهوارة يمتد نسبهم إلى دحيه الكلبي من بني كلب من قبيلة قضاعة التي كانت تسكن في شبه الجزيرة العربية.

فيما عدا ذلك القول غير الموثق تاريخياً، فقد اختلف المؤرخون فيما بينهم حول الأصل العرقي للهوارة، فيرجع البعض أصلهم إلى بلاد اليمن التي اشتهرت منذ قديم الزمن بهجرة قبائلها سواء إلى المشرق العربي أو إلى المغرب العربي، وسميت القبائل بهذا الاسم لانتسابهم إلى “هوار بن المثنى” من حمير باليمن.

وإذا ما أخذنا ما اتفقت عليه أقوال المؤرخين الثقاة أمثال المقريزي وابن خلدون وهو أمازيغي الأصل واليعقوبي والحمداني والقلقشندي، فإن هوارة قبيلة أمازيغية جدها الأكبر هو هوار بن أوريغ بن جنون بن المثنى بن المسور.

يقول ابن خلدون في كتابه “تاريخ ابن خلدون” أن هوار نزل على بني زحيك بن مادغيس الأبتر، وهم من قبائل البربر في شمال إفريقيا، وكانوا أربعة إخوة هم لوا وضرا واداس ونفوس، وبعد أن توطدت المعرفة بينهم زوجوه أختهم بصكي العرجاء بنت زحيك فولدت منه المثنى أبا هوارة، ومنه عرفت قبائل هوارة، قالوا إنما سميت هوارة لأن المسور لما جال البلاد ووقع في المغرب قال لقد تهورنا هكذا عند بعض نسابة البربر.

وفي مقال للطيب أييت حمودة عن كيف تحول الأمازيغ إلى عرب  يشير إلى أن قبيلة هوارة أمازيغية وذاع صيتها في حركة الانتقال والهجرة، ذكرها ابن حزم الذي عاش في القرن الخامس الهجري، وابن خلدون في عبره، كما ذكرها أبوالعباس القلقشندي الذي عاش في القرن التاسع الهجري، في كتابه الثمين (نهاية الإرب، في معرفة قبائل العرب)، حيث ذكر أن بالصَّعيد (مصر) أربعة وثلاثين (34) بطناً من هذه القبيلة الأمازيغية وهاجرت إلى مصر بعد صدامها مع زناتة ووسعت من رقعة إقامتها لكن مع مرور الزمن تناسوا نسبهم الأصلي الهواري الأمازيغي، ولم يعد من منهم يفخر بنسبه الأصلي، فمنهم من نسب نفسه إلى (الأنصار)، ومنهم من اعتقد أنه من الأشراف، ومنهم من ظن أنه من (جُهينة)، وآخرون إلى أعراب الحجاز.

الصراع بين المماليك والهوارة
الصراع بين المماليك والهوارة

وراج زيف الانتساب لغير (هوارة) لتحقيق حلم وطموح اللحاق بنسب أي قبيلة عربية مهما كانت، وهي محاولات خاضها الأمازيغ هروباً من جحيم التمييز، أو تهرباً من صفات (الموالي) القدحية، أو حباً في الانتساب للعرب تقربا من الإسلام، ومن بيت النبوة.

وهذا غير مستغرب، فقد أشار ابن خلدون في عبره محاولات نسابة البربر الحثيثة منذ القدم للتعلق بنسب عربي، حتى صارت لكل قبيلة منهم نسب جديد مختلق عن أبناء عمومتهم.

ونفى ابن خلدون الآراء التي تقول إن البربر ينتمون إلى أصول عربية تمتد إلى اليمن أو القائلة إنهم من عرب اليمن، خصوصاً قبائل بربرية مثل “هوارة وصنهاجة وكتامة” أكثر القبائل الأمازيغية ادعاء للعروبة.

ويقول في المجلد السادس بكتاب “العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر”  “أما نسابة البربر فيزعمون في بعض شعوبهم أنهم من العرب، مثل لواتة يزعمون أنهم من حمير، ومثل هوارة يزعمون أنهم من كندة من السكاسك، ومثل زناتة تزعم نسابتهم أنهم من العمالقة فروا أمام بني إسرائيل. وربما يزعمون فيهم أنهم من بقايا التبابعة ومثل غمارة أيضاً وزواوة ومكلاتة يزعم في هؤلاء كلهم نسابتهم أنهم من حمير حسبما نذكره عند تفصيل شعوبهم في كل فرقة منهم، وهذه كلهما مزاعم. والحق الذي شهد به المواطن والعجمة أنهم بمعزل عن العرب”.

بشكل عام يجري في عروق أبناء الهوارة دماء كلدانية عربية ورثوها عن أبيهم إبراهيم، عليه السلام، وأيضاً دماء مصرية فرعونية ملكية ورثوها عن أمهم هاجر.

وبذلك تبطل مزاعم من يحاول نسبها للأشراف أو بنى سليم، لأنهم سابقون في النشأة للعدنانيين بحوالي 7 قرون وللأشراف بحوالي 25 قرناً، كما لا يجوز نسبهم لليمن أو القحطانيين، لأنهم أحفاد النبي إبراهيم، عليه السلام، وهو معروف أنه ينتمي للكلدانيين من أبناء سام وهم ليسوا قحطانيين، وهم من عرفوا باسم العرب وبذلك يكون كل أحفاد سيدنا إبراهيم كلدان وساميون عرب نسبة له، ويشمل ذلك الأمازيغ والعدنانيين وأيضاً بني إسحاق ويشمل ذلك (بني إسرائيل وبني العيص) أيضاً، وهو ما لا يعرفه الأغلب الأعم من الناس.

كما يستند الباحثون المرجحون لربط الهوارة بالأمازيغ أن الطرفين جمع بينهما على مدى التاريخ شدة بأسهم في الحروب.

فقد جاء الأمازيغ إلى مصر كجنود مرتزقة، وذاع صيتهم في العسكرية كذلك اشتهر الهوارة بشجاعتهم في القتال، وبلغ من شجاعتهم أن البعض أرجع كلمة الهواري إلى الشخص الذي يتقدم الجيش في الحروب، وتأتي لغوياً من كلمة التهور.

أين هم الآن؟

قبيلة الهوارة تنقسم إلى ثلاث درجات من حيث العراقة والأصل وهم أولاً “الهمامية” وهم أصحاب المرتبة الرفيعة ويتفرع منها قبائل وعائلات كثيرة وأشهرهم “شيخ العرب همام”، وثانياً “أولاد يحيى” وهم ينتمون لمنطقة سميت على اسم جدهم، يسكنها أبناء يحيى، وثالثاً  “البلابيش”.

تتركز الهمامية بالأساس فى سوهاج وقنا ونجع حمادي، بينما تنتشر عشائر هوارة المستجدة أو الحديثه في كل محافظات الصعيد (أسوان – الأقصر – قنا – أسيوط – سوهاج – المنيا – الفيوم – الجيزة)، وتتواجد بكثافة ملحوظة في محافظتي قنا وسوهاج، حيث تشكل القبيلة أغلبية سكانية في كلتا المحافظتين.

ومن العشائر الشهيرة بتلك المحافظات بحسب ما ذكر القلقشندي هي البلابيش والحميدات والسماعنة والقليعات وأولاد نجم وأولاد يحيى والعسيرات وكذلك الوشيشات والهمامية وفروعها شاهين والريانية.

كما ينتشر بمدن قنا عائلات البهايجة والهداورة والعزازمة – وكذلك تنتشر عشائر أولاد يحيى والبلابيش أيضاً في محافظة سوهاج وكان فرسان قبيلة البلابيش يشكلون القوة الأساسية لجيش الأمير عمر بن عبدالعزيز الهواري، لذا استحق البلابيش لقب عسكر هوارة ويوجد لديهم لواء هوارة يحتفظون به حتى اليوم.

 

كما توجد عائلات هوارة بمحافظة أسيوط تنتشر بساحل سليم والغنايم أشهرها عائلة الهلالي وعائلة خشبة التي ينتمي لها لاعب الأهلي السابق هادي خشبة، كما تتفرع عن كل تلك العشائر والعائلات الأساسية عائلات أخرى مستحدثة يصعب حصرها هنا، ومن بين الأمثلة على تفرع العائلات عائلة وزيري التي تنتشر بمركزي فرشوط وأبوتشت ومنها الدكتور مصطفى وزيرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار والكثير من الشخصيات الهامة فى مجالات مختلفة.

ويقول الباحث حسام يوسف يحيى الهوارى إن من أشهر البطون (العشائر) التاريخية التي لا تزال تحتفظ بنفس الاسم، عشيرة “بنو محمد” من قبائل هوارة البربرية في صعيد مصر، وتسكن هذه القبيلة بمركز البلينا بمحافظة سوهاج وتمثل ثلث سكان المركز تقريباً.

وهناك عشيرة بندار أو بندارة وهي أيضاً من قبائل هوارة البربرية في وادي الطميلات بالشرقية وصعيد مصر، وهناك ثلاث قرى باسم بندارة الهوارية البربرية تقع كلها بمحافظة سوهاج: وهي بندار الرملية بمركز جرجا (قاعدة هوارة التاريخية) وبندار الشرقية بمركز المنشأة وبندار الكرمانية بمركز سوهاج.

أما الصوامع فهم عشيرة من قبائل هوارة البربرية في صعيد مصر، وأكثر فروعها بمحافظتي سوهاج وقنا بالوقت الحاضر.

أول رئيس مصري..

ذكر القلقشندي أن هناك 34 بطناً من هوارة التاريخية أغلبها لا يزال موجوداً حتى الآن، يعيشون في قرى كاملة يحمل كل منها اسم البطن الهواري، ويبلغ عدد المنتسبين لهذه البطون مئات الآلاف منتشرين في مختلف محافظات مصر ويعملون في مختلف مجالات العمل من الإعلام للقضاء والنيابة والهندسة والمحاماة، بجانب التعليم والطب والمقاولات.

وفي التاريخ الحديث قدمت قبائل الهوارة الذين يقارب منتسبوها المليوني فرد العديد من الشخصيات التي شغلت مناصب مهمة في الحياة العامة، منهم الراحل عبدالرحمن عزام مؤسس الجامعة العربية وهو من العزازمة أحد بطون الهوارة، لكن ربما يعد أشهر أبناء هوارة اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر بعد ثورة يوليو/تموز 1952، وهناك أيضاً محافظ المنيا السابق اللواء قاسم حسين، ويقال إن نقيب الأشراف الحالي محمود الشريف من الهوارة، ومنهم فهمي عمر واحد من صفوة الإذاعيين المصريين الكبار الذين أقاموا صرح الإذاعة المصرية واشتهر بلقب المذيع الصعيدي بسبب لهجته المحببه للقلوب، وغيرهم كثيرون.

وقدم الأمازيغ شخصيات تركت أثراً كبيراً في تاريخ مصر الحديث، وأكدت أماني الوشاحي في حوار معها، أن أبرز هذه الشخصيات على الإطلاق الزعيم مصطفى كامل وهو من أمازيغ كتامة، حيث تزعم الحركة الوطنية في مصر المطالبة بالاستقلال عن الاستعمار البريطاني في العقد الأول من القرن العشرين، والسيدة هدى شعراوي رائدة العمل النسائي في العقد الثالث من نفس القرن وهي من أمازيغ هوارة، وأن اللواء “عمر سليمان” من أمازيغ هوارة، وهناك شخصيات أخرى من أصول أمازيغية، أهمهم “محمد حيدر باشا” وزير الحربية في عهد الملكية، والدكتور “ماهر مهران” وزير الصحة والسكان الأسبق، وهما أيضاً من أمازيغ هوارة، وأيضاً الفنانة الراحلة سهير الباروني.

عمر سليمان
عمر سليمان

يؤكد طارق جهلان، المؤرخ والباحث في أنساب قبائل الأمازيغ، ومؤسس جمعية أبناء هوارة في الإسكندرية وقام بدراسة إثنية تحت عنوان “Egyptian People” عن الشعوب المصرية ومنهم “البربر”، أن الغرض من إنشاء جمعية هوارة إحياء الثقافة الأمازيغية ليس بغرض البحث عن انفصال، بل كل ما نبحث عنه هو احترام الخصوصية الثقافية.

ويشير إلى أن سلالات الأمازيغ في مصر تتمثل في مجموعة الغريان في المنوفية والإسكندرية ومن أشهر من ينتسبون إليها هشام طلعت مصطفى.

وهناك مجموعة مصراتة ومن أحفادهم أولاد علي في مطروح وأولاد عمومتهم في نجع حمادي “إغريفين” وهناك “الكركيون” الذين منحهم السلطان سليمان القانونى شياخة عربان هوارة على الشق الأمازيغي بالصعيد.

وفي سوهاج سلالة “ونينا” واسمهم القديم “وين فين” ومنهم أولاد مأمن “أولاد مؤمن”. وفي أسيوط سلالة “أسيل” ومنهم عائلة رئيس الوزراء محمد محمود باشا. ومجموعة الصعيد هي المجموعة العربية التي أتت إلى الصعيد من المشرق واندمجت مع الأمازيغ وتبادلت معهم الثقافات والعادات، ومنهم شيخ العرب همام الذي يمت إليه جهلان شخصياً بصلة قرابة.

ويشرح الباحث أن جزءاً من هوارة الصعيد ينتمي بجذوره إلى العاركية وأسيل وأولاد علي، وجزء آخر ينتمي إلى الشاوية ومنهم عائلات المامية وأولاد إسماعيل والسماعنة والقليعات والوشيشات والموازن وآل غريب الذين ينحدر منهم حيدر باشا صاحب صفقة الأسلحة الفاسدة إبان حرب 1948، وهناك بنى محمد في أسيوط ومنهم هدى شعراوي وبني هلال الذين ينحدر منهم أحمد نجيب الهلالي رئيس آخر وزارة مصرية في عهد الملكية وأحد رجال السياسة والقضاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى