حوارات

حكيم بنشماس: الإسلاميون عطلوا مسيرة الإصلاح في المغرب.. ومشروعنا هو التصدي لتوظيف الدين في السياسة

حكيم بنشماس، رئيس مجلس المستشارين في البرلمان المغربي والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة الذي احتل المرتبة الثانية في انتخابات 2016 بعد حزب العدالة والتنمية، وهو سياسي وأستاذ جامعي مغربي ترأس محافظة يعقوب المنصور في الرباط، الأكبر في المغرب، ودخل كبرلماني إلى الغرفة الثانية في البرلمان، بعد انتمائه لحزب الأصالة والمعاصرة، وفي أكتوبر 2015 تم تنصيبه على رئاسة مجلس المستشارين.

من بين 11 الأعضاء المؤسسين لـ «حركة لكل الديمقراطيين» التي شكلها إلياس العمري صحبة فؤاد عالي الهمة مستشار الملك محمد السادس، التي سينبثق منها حزب الأصالة والمعاصرة.

التقاه «عربي بوست» ليسأله عن ظروف انتخابه رئيساً للحزب الذي يصفه المحللون بحزب القصر، وعن علاقته بالأمين العام السابق إلياس العمري وعن رغبتهم في إسقاط حكومة الإسلاميين بقيادة سعد الدين العثماني والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها.

الصراع مع الإسلاميين

  • قلتم بعد انتخابكم أميناً عاماً للأصالة والمعاصرة بأن هدفكم «محاصرة الإسلام السياسي»، وهو قريب من تصريحات سابقة لسلفكم إلياس العمري عندما قال بأنه يريد محاربة الإسلاميين.. هل مهمة حزب الأصالة والمعاصرة فقط مواجهة حزب العدالة والتنمية؟

لا، قطعاً لا. لا يمكن اختزال مهمة الحزب على هذا النحو فقط. للأسف هناك الكثير من محترفي الوقوف عند «ويل للمصلين»؟ لقد قلت أيضاً إن عدونا هو الفقر والتهميش والبطالة واللاعدالة.. وقلت إن يدنا ممدودة للجميع. إن مهمتنا هي إنتاج بدائل للخطاب الشعبوي التيئيسي والتسفيهي وترجمة هذا الخطاب إلى مشاريع وبرامج عملية وأفعال ملموسة وهي بالمناسبة يجدر أن تكون مهمة كل الديمقراطيات والديمقراطيين والمؤمنين بالحداثة والتقدم والإقلاع المجتمعي ببلادنا. ولكي أكون صريحاً معك ومع الرأي العام الوطني والدولي، إحدى الأوراش والأهداف – أقول أحد الأهداف – التي يشتغل عليها الحزب هو التعبئة والتصدي للحركات والقوى التي تسعى إلى إقحام وتوظيف الدين في السياسة. لا أفهم لماذا قياديو حزب العدالة والتنمية منزعجون من تصريحاتي، وهي على كل حال تصريحات تذكر بإحدى ثوابت الخط المذهبي والسياسي للحزب كما تنطق بذلك وثائقه المرجعية التي صادقت عليها مؤتمرات الحزب، أعلى سلطة تقريرية. لماذا هم منزعجون؟ وعليهم والحالة هذه أن يوضحوا بدون لف أو دوران: هل هم حزب وطني يقود حكومة المملكة المغربية أم حزب الإسلام السياسي؟ هل يجب في كل مرة أن نذكر أن دستور البلد وقوانينه تمنع تأسيس الأحزاب على أساس ديني؟ هل يجب أن نذكر أن الدين الإسلامي هو  » المشترك» بيننا جميعاً؟ هل في كل مرة يجب أن نذكر بالمكسب الحضاري الثمين الذي حققه المغاربة على مدى قرون ممتدة والمتمثل في «إمارة المؤمنين» التي من وظائفها حراسة وحماية الأمن الروحي للمغاربة؟

  • هل تتوقعون أن تستمر حكومة سعد الدين العثماني إلى غاية 2021 موعد الاستحقاقات التشريعية؟

أتمنى من صميم قلبي أن تكمل ولايتها، حتى لا يتحول عدم استمرارها كمشجب تعلق عليه فشلها وذريعة لتصدير عجزها المزمن وإلصاقه بجهات خارجية عنها كما عهدتنا بذلك في أكثر من مناسبة.

انتخابات سابقة لأوانها

  • نائب برلماني من حزبكم طالب بحل البرلمان وإسقاط الحكومة، هذا يعني أنكم كحزب يقود المعارضة تفضلون الذهاب لانتخابات سابقة لأوانها؟ مع العلم أن هناك حديثاً حول عزم الحزب تقديم ملتمس الرقابة لإسقاط حكومة العثماني، أين وصلت الأمور؟

إن مناضلات ومناضلي الحزب ليسوا آلات أو أدوات للتحريك، فهم أولاً وقبل كل شيء حاملو أفكار وقناعات ذاتية ومن الطبيعي بل ومن المستحب والمطلوب التفاعل اليومي مع نبض المجتمع وما يعتمل فيه من قضايا وآراء، لأننا لسنا ثكنة عسكرية ولسنا في معادلة ثقافية هرمية قوامها «الشيخ والمريد».

غير أنه من الضروري التنبيه إلى أن القرار الحزبي له مساطره وأمكنته، والمقصود هنا المؤسسات الحزبية المخول لها اتخاذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة. فالتعاقد الحالي بين كافة مكونات الحزب هو الممارسة السياسية من موقع المعارضة. وحيث أنه لم تتداول بعد الأجهزة التقريرية والتنفيذية في هكذا إجراءات فإن الأمر سابق للأوان ولا يمكنني الانفراد باتخاذ موقف شخصي في قضية مصيرية تهم الوطن والمواطنين كافة بغض النظر عن انتماءاتهم أو اختياراتهم. ومع ذلك فإنني أشجع برلمانيينا ومختلف أجهزة الحزب على مناقشة وطرح الأسئلة والقضايا الحقيقية دون مركب نقص، كما أشجعهم على استثمار كل ما يتيحه الدستور للمعارضة من أدوات وإمكانات بالروح والمسؤولية الوطنية العالية.

  • في حال سقطت الحكومة وتم حل البرلمان، هل تعتقدون أن المغرب جاهز لتحمل تبعات ذلك؟ سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية؟

عطفاً على ما سبقت الإشارة إليه، لم يستقر رأي الحزب بعد على موقف خاص بهذا الشأن. الموضوع لا يزال قيد المناقشة وأتمنى أن يكون موضوع تنسيق وتشاور مع كل من يعنيهم أمر تحرير البلد من الكوابح التي تعطل وتفرمل مسيرة تقدمه الى الأمام. ولكن يمكنني أن أجزم بأن المغاربة لم تعد خافية عليهم حالة الشرود السياسي الذي تعيشه الحكومة الحالية وما ترتب عنها من هدر للزمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومن تعطيل لحركية ودينامية التقدم والإصلاح، بل – وذا هو الأخطر- من كبح ورهن لإمكانات التطور الوطني. ومن حقهم تجريب الإمكانات الدستورية المتاحة لتجاوز حالة الوهن هاته ومن تم الاستعداد لتحمل تكلفة الإصلاح وتسديد فاتورة الإجراءات المرافقة لتجاوز الأعطاب ومكبلات الإقلاع المجتمعي الشامل المنشود. لقد طرحت في وثيقة منشورة قبل أيام تحت عنوان » نقطة نظام ثانية» عدداً من الأسئلة والفرضيات حول الموضوع الذي أشرت إليه، وللأسف عوض مناقشتها بأسلوب الحوار الديمقراطي وبمقارعة الأفكار والحجج التي تطرحها بأسلوب الحوار المتحضر رأينا عدداً من قياديي الحزب الذي يقود الحكومة يخرجون، مرة أخرى، الأسلحة المعلومة من قاع اللغة المعلومة.

استغلال حملة المقاطعة

  • هناك من يتهمكم بمحاولة استغلال «حملة المقاطعة» الشعبية لبعض المنتوجات من أجل تصفية حساباتكم مع خصومكم السياسيين، العدالة والتنمية من جهة وحزب التجمع الوطني للأحرار من جهة أخرى؟

كما يقال: ما بني على باطل فهو باطل، حبذا لو ساق من يتهمنا حسب قولكم بعضاً من تجليات هذا الاستغلال بغرض تصفية الحسابات. نحن حزب مسؤول نمارس المعارضة البناءة بشكل مسؤول وغير محتاجين إلى القيام بذلك وراء الأقنعة. لدينا ما يكفي من الجرأة الأخلاقية والسياسية لتقديم نقد ذاتي علني وحتى اعتذار علني في حالة ثبت ما تقول. اعطونا دليلاً واحداً. أيضاً أؤكد لك أن لدينا ما يكفي من الجرأة للمواجهة المكشوفة لكل الطروحات والممارسات التي من شأنها تقويض مكتسبات الشعب المغربي أو التراجع عن اختياراته، فضلاً على أنه لسنا من هواة التوظيف الحزبي الضيق ولا الركوب على المطالب المشروعة لفئات عريضة وواسعة من مجتمعنا لتحقيق مآرب سياسية بئيسة.

  • انتخبتم مؤخراً أميناً عاماً لحزب الأصالة والمعاصرة، في ظرفية يمر بها المغرب، ممكن أن نقول عنها أنها صعبة، هل أنتم مستعدون لرفع التحدي؟

نعم. من الجائز أن نسميها ظرفية صعبة بالمعنى الذي يفيد أنها تطرح على الأجندة الوطنية للفاعلين المؤسساتيين أسئلة وتحديات يتعين أن يبلوروا بشأن أجوبة تمكن البلد من التقدم إلى الأمام. أنا من الذين يؤمنون أن وراء كل تحد تواجهه، ثمة فرص يتعين استثمارها والاشتغال عليها، ومن هذا المنطلق، يبدو لي من الناحية المبدئية أن تحمل المسؤولية تقتضي الكثير من الحزم والجدية في قيادة أي مشروع يروم التغيير، فكيفما كانت الظرفية وطبيعة سياقات تحمل المسؤولية، فالأمر يتعلق بالدرجة الأولى بإذكاء الوعي الجماعي وتحفيز الإرادات الجماعية للتعاطي مع الشروط الموضوعية والذاتية المحيطة والتي تصبغ على ظرفية من الظروف بصفة الصعبة أو السهلة، وفي كل الحالات، لي اليقين بأن حزبنا يتوفر على ما يكفي من الكفاءات والطاقات التي من شأن استثمارها تليين الصعوبات وتذليل العقبات، وهذا ما يجعلني شخصياً متفائلاً بخصوص الاستعداد لرفع التحديات، علماً بأنني لن أنطلق من الصفر ولست الوحيد الذي تؤرقه متطلبات تجاوز الظرفية الحالية واستشراف الآفاق الرحبة للإصلاح.

العلاقة مع إلياس العمري

  • بعض الأخبار تحدثت عن وجود مشاكل وصلت حد القطيعة بينكم وبين الأمين العام السابق إلياس العمري؟ ما صحة ذلك؟ وكيف كان موقع العمري من انتخابكم؟

علاقتي بالأمين العام السابق للحزب ليست وليدة الترشح أو انتخابي أميناً عاماً للحزب، بل هي ممتدة في الزمن، فهي من جهة علاقة صداقة إنسانية ومسار من النضال المشترك من أجل القضايا التي آمنا بها مع أبناء جيلنا في مراحل من تطور حركة التغيير ببلادنا من جهة أخرى.

بطبيعة الحال، فالممارسة السياسية لا تحتمل التماثل والتطابق في وجهات النظر لأن ذلك سيكون من علامات ضعف الرؤيا، إن لم أقل، إقبار اختلاف الآراء ومن ثم الانزياح عن جوهر الديمقراطية بما هي تدبير سلمي للاختلافات.

لقد مرت عملية انتخابي وتقليدي هذه المسؤولية وفق قواعد الديمقراطية المتعارف عليها أي بشكل حر وشفاف وعن طريق الصناديق الزجاجية، وسيشهد الجميع على أن هذه المسطرة قد ارتضاها الجميع وصفق الكل لنتائجها بما فيهم صديقي وأخي إلياس العماري، وما دون ذلك فمجرد أحاديث جانبية ومجانبة للدقة والموضوعية.

  • ما السر وراء عدم إكمال الأمناء العامين لحزب الأصالة والمعاصرة السابقين لولاياتهم على رأس الحزب، على عكس بقية الأحزاب الأخرى، ألا ترون بأن ذلك يؤثر سلباً على استقرار الحزب؟

ربما يجدر طرح التساؤل بشكل معكوس: لماذا يعمر الأمناء العامون وقيادات الأحزاب لما يزيد عن ولايتين في زعامة الحياة الحزبية، لأن تغيير القيادات الحزبية كلما اقتضت الضرورة أو الظرفية السياسية ذلك، فهذا أمر محمود بل يستحسن اعتباره. صحيح أنه هناك دائماً تخوفات من الأثر عن الاستقرار والاستمرارية التنظيمية، ولكن في نظري متى ما تم التعامل مع الحزب كأداة جماعية وكثقافة سياسية وكبرنامج مؤسس على رؤية واضحة ومتقاسمة من قبل كافة مكوناته، فسيصبح بطبيعة الحال التغيير المتواتر للقيادة الحزبية مجرد تحصيل حاصل.

من ناحية أخرى، فإقدام حزبنا على منهج التداول على القيادة حتى وإن لم تكمل المدة القانونية للولاية، لا يعني بالضرورة القطع مع المكتسبات والبدء من الصفر، بل يعني إحداث نوع من التغيير في ظل الاستمرارية والبناء على التراكم.

  • هناك العديد من الرهانات التي تنتظركم، سواء مرتبطة بالجانب التنظيمي للحزب، خاصة على مستوى الجهات، وأيضاً التحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وتجاوز مسببات الإخفاق في الفوز بانتخابات 2016؟

قبل إعادة الحديث عن الرهانات، أرغب في تقديم انطباعي الخاص بشأن انتخابات 2016: هل تبوّء المرتبة الثانية ومن ثم القوة المعارضة الأولى يعد إخفاقاً انتخابياً؟ لا أظن ذلك، بل يمكنني القول بأنه انتصار سياسي -غير مكتمل- لمشروع سياسي مجتمعي على جميع القوى والفعاليات المؤمنة بالديمقراطية والحداثة الالتفاف حوله واستخلاص الدروس قصد تحويلها إلى فعل الرافعة لاستكمال هذا النصر السياسي.

أما بالنسبة للرهانات، فيتعلق الأمر بشكل عام بأولويات على المدى المنظور تتمثل في المساهمة، من جهة، في المجهود الوطني الرامي الى تعزيز قدرة بلدنا على التصدي للمخاطر الجمة وللتحديات المتفاقمة الآتية من بيئة جهوية ودولية شديدة التعقيد والصعوبة، ومن جهة ثانية، المساهمة، إلى جانب قوى المجتمع الأخرى السياسية والمدنية ،في حماية قيم المشروع المجتمعي الديمقراطي الذي ينشد الحداثة كأفق من مخاطر الحركات والقوى النكوصية والماضوية والتوجهات الشعبوية واستكمال ورش التنظيم الحزبي، من أجل أداة حزبية قوية قادرة على الإجابة الفعالة على التحديات الوطنية وفي إعادة بناء النسيج الوطني للوساطة الحزبية والمدنية  فضلاً عن المساهمة في تحريك الأوراش والديناميات الإصلاحية الكبرى التي ما زلنا نراوح فيها المكان بسبب التلكؤ والعجز الحكومي وانتهاء بتطوير الممارسة التشريعية والرقابية من موقع المعارضة البناءة.

أما فيما يتعلق بالرهانات التنظيمية ذات البعد الاستراتيجي، ودون أن تكون مرتهنة للظرفية الانتخابية، فتتمثل في توطيد وترسيخ التحول الحاسم الذي دشنه الحزب بمناسبة انعقاد مجلسه الوطني الأخير والمرتبط بالاحتكام إلى المعايير الديمقراطية وقواعد التنافس النظيف والشفاف في تحمل المسؤوليات بالاحتكام إلى الصناديق الزجاجية في العمليات المقبلة التي ستنصب على إعادة هيكلة الأداة التنظيمية ومعالجة أعطابها ونقط ضعفها؛ وبناء وترسيخ فلسفة جديدة في تدبير شؤون الحزب قائمة على إعادة تعريفمفهوم المسؤولية؛ وصياغة وبلورة وتصريف خطاب سياسي واقعي بعيدا عن الخطاب الشعبوي والتسفيهي، فضلاً عن رهان ممارسة معارضة قوية مسكونة بهواجس البناء وليس الهدم والعرقلة؛ ناهيكم عن تعبئة طاقات وكفاءات وقدرات الحزب للتفرغ لمعالجة الانتظارات والأسئلة التي تفرزها ديناميات المجتمع وإعادة ترتيب أولويات الحزب في اتجاه التركيز على انتظارات ومطالب المجتمع في الصحة والتعليم والشغل، علاوة على أولويات الأجندة الوطنية المتمثلة في الأوراش والديناميات الإصلاحية الكبرى والمهيكلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى