حوارات

حميدتي لـ”نيويورك تايمز”: بدوني لانتهى السودان.. وسمعتي السيئة دعاية من المعارضة

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقابلة مع الرجل الثاني في المجلس العسكري الانتقالي السوداني، محمد حمدان دقلو (حميدتي) وقائد قوات الدعم السريع، المتهم بقتل المعتصمين في الأسبوع الماضي. ولم يخفِ دقلو الذي كان أداة الزعيم السوداني السابق عمر البشير لتنفيذ القمع، طموحاته بتولي السلطة.

وتحت عنوان “الديكتاتور السوداني القاسي، خليفته هو أداته” للقمع، أشار مدير ديكلان وولش في البداية إلى أن حميدتي “كان مرة تاجر جمال قاد ميليشيا متهمة بتنفيذ إبادة في دارفور ولكن الجنرال حميدتي يجلس الآن على قمة السلطة في السودان ينظر للشوارع المحروقة من مكتبه المطعم والعالي في مقرات الجيش التي تلوح بالأفق”.

فمن مكتبه في العاصمة الخرطوم، يستطيع حميدتي مشاهدة المكان الذي قامت وحداته “قوات الدعم السريع” بملاحقة آلاف المعتصمين المطالبين بالديمقراطية في عاصفة من العنف بدأت يوم الثالث من يونيو 2019. وقامت القوات المدججة بالسلاح بحرق الخيام واغتصبت النساء وقتل العشرات وتم رمي بعضهم في نهر النيل حسبما ذكرت عدة تقارير وشهود عيان.

ويشير وولش، إلى أن حمام الدم وطّد من الصعود المدوخ للجنرال حميدتي والذي يعد حسب معظم التقديرات الحاكم الفعلي للسودان. وبالنسبة للكثير من السودانيين فهو إثبات لواقع يدعو للحزن: صحيح أن المتظاهرين أطاحوا بزعيم قمعي لكنه خلف وراءه نظاما شرسا مصمما على التمسك بالسلطة.

وقالت آلاء صلاح التي انتشرت صورتها بالثوب الأبيض وهي تخاطب الجماهير من على ظهر سيارة “توقعنا حدوث هذا” فـ”لسنوات قتل حميدتي وحرق دارفور، والآن جاءت دارفور إلى الخرطوم” .
ففي دارفور ظل حميدتي أداة التنفيذ لعمر البشير، الديكتاتور الشرس الذي حكم السودان لعقود ثلاثة، وتحرك جيشه ضده عندما احتشد الآلاف أمام مقر قيادته في  أبريل وأزاحه عن السلطة.

ويزعم حميدتي أنه دعم الثورة وتخلى عن راعيه، البشير. ولكنه حرك قوات الردع السريع عندما رفض المحتجون العودة لبيوتهم وظلوا يطالبون بتسليم السلطة للمدنيين، وقمع الثوار الذين قال إنه دعمهم. وقالت نقابة الأطباء السودانيين، إن ضحايا العملية وصل إلى 118 شخصا. ويعلق وولش أن حميدتي ونتيجة الضغط الدولي على السودان راغب بتقديم نفسه “كمنقذ” للسودان لا “مدمره”.

وقال: “لو لم أصل إلى هذا الموقع لانتهى السودان”. وهذه أول مقابلة يجريها حميدتي مع صحافي غربي، ولكنه رفض الإجابة مباشرة على اتهامات قواته بارتكاب جرائم، مشيرا إلى التحقيقات الجارية والتي ستنشر نتائجها في الأيام المقبلة. وقال: “لا أتهرب من السؤال” و”لكنني أنتظر التحقيق”.
وفي وقت إجراء المقابلة وصل المبعوث الأمريكي الجديد إلى الخرطوم للضغط على المجلس العسكري للتوقف عن قتل المدنيين. وفي وقت سابق شجب مجلس الأمن الدولي العنف، ودعا دونالد بوث، السفير الأمريكي السابق إلى تحقيق مستقل في أحداث الثالث من  يونيو، وانسحاب الجيش من الخرطوم وإعادة الإنترنت التي تم حجبها منذ أحداث القتل.

بدوره يقول حميدتي إن قواته اندفعت للعملية بسبب “الاستفزازات غير المقبولة” و”المحتجون هم الذين دفعوا لهذا” و”رفعوه في وجه جنودنا وتم تخريب عرباتنا أمامنا وصوروها وكانت هناك عدة استفزازات”.

ويقول الكاتب إن حميدتي النحيف الذي لم يدرس إلا للمرحلة الابتدائية والمتزوج من أربع نسوة يستمتع على ما يبدو بزخارف موقعه الجديد. وفي مكتبه داخل القيادة العامة للجيش، دخل عليه حاشيته ومستشاروه والخدم، فيما علقت السيوف الذهبية والميداليات التي منحت للقادة العسكريين في خزانة خارج مكتبه، فيما جلس مقاتلوه بـ”الخاكي” أمام بوابات القيادة شاهرين أسلحتهم التي تؤكد قوته، فيما قام البعض بجمع الحجارة من الشوارع الترابية في الخارج لطمس آثار الاحتجاج الضخم الذي عاشته البلاد قبل ذلك بأسابيع.

وفي الوقت الذي يدير المجلس العسكري الجنرال عبد الفتاح البرهان، إلا أن قلة في الخرطوم تعرف أين تكمن السلطة الحقيقية، أي حميدتي. وأصبح سكان الخرطوم الغاضبين يطلقون على قوات الجنرال “الجنجويد” وهي الميليشيات التي قادت عمليات الحرق والقتل في دارفور قبل عقدين تقريبا.

وينقل الكاتب عن حميدتي انزعاجه من اللقب، رغم أنه وصل للقيادة عبر ميليشيا كهذه “الجنجويد تعني العصابة التي تقطع الطريق” و”هذه دعاية من المعارضة”. صحيح أن المقاتلين تحولوا إلى قوات نظامية وليس مجرد ملوحين بالبنادق ومهددين ولديه حوالي 50.000 مقاتلا منتشرين في أنحاء السودان وكمرتزقة في الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن. وجعلت الحرب حميدتي ثريا وباهتمامات تجارية في التنقيب عن الذهب والإنشاءات بل وشركة تأجير سيارات ليموزين، ومن رعاته الجدد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي.
ويعلق وولش أن المخاوف من قواته التي رعاها ونظمها البشير كقوات حرس جمهوري له تحققت. ويقول جروم توبيانا الذي غطى الحرب في تشاد والسودان لأكثر من 20 عاما: “حذر قادة الجيش والقادة العرب في دارفور من أن الميليشيا هي قنبلته الموقوتة”.

وفي الوقت الحالي تراقب قوات الدعم السريع مثل الصقور الخرطوم، عربات “بيك أب” وحواجز ونقاط مراقبة على تقاطعات الطرق والجسور. ويعمل الآخرون من مكاتب في فيلا بالحي الراقي بالمنشية يجلس في مكاتبها المكيفة ضباط أمام أجهزة كمبيوتر. وفي كل طابق من طوابقها يفتح المصعد على صورة للجنرال حميدتي وهو يعانق الفقراء، يفتتح المدارس أو يقابل قادة القبائل. ومن السقف انتشرت كاميرات المراقبة.

ويحاول الضباط تقديم رواية عن أحداث الثالث من حزيران، ومواجهة الشجب الدولي وتصويرها بالحملة الأخلاقية ضد متظاهرين منحرفين ومتظاهرين مسلحين.

ويشير الكاتب إلى نور الدين أحمد، الدبلوماسي السابق الذي يترأس وحدة حقوق الإنسان وجدول محاضرات للجنود عن حقوق الإنسان. وهناك وحدة لحماية الطفل، حيث رفض أحمد الاتهامات بتجنيد الدعم السريع الأطفال وإرسالهم للقتال في اليمن واصفا إياها بـ”الاخبار المزيفة”.

ولتأكيد روايتهم عن انحراف المتظاهرين، قدم الضباط كومة من المواد تشمل على مسدس وبندقية قديمة وبعض الواقيات الجنسية وقناني للخمر السوداني وحشيش. وأحضر خمسة أشخاص حفاة وبملابس وسخة قال إنهم بعض من 300 شخصا اعتقلوا ولم يسمح بتوجيه أسئلة.

وتقوم القنوات التلفزيونية الخاضعة لسيطرة الجيش بضخ دعايات كهذه بشكل يومي. ويقول المحتجون إن لديهم الأدلة والأشرطة المصورة التي تظهر قمع الجيش لكنهم لا يستطيعون بثها بسبب حظر الإنترنت.

وتقول الدكتورة سليمة شريف، من مركز الأحفاد لمعالجة الصدمات، إن طاقمها عالج عددا من النساء اللاتي تعرضن للضرب والانتهاك على يد قوات الدعم السريع. وقالت إن هناك على الاقل 15 امرأة تعرضن للاغتصاب، مع أن الرقم قد يكون أعلى نظرا للحساسية الإجتماعية والثقافية لأمور كهذه.

ومثل بقية الرجال الأقوياء، يقول حميدتي إن السمعة السيئة وقوته مبالغ فيها: “يقول الناس، حميدتي قوي جدا وشرير” و”لكن هذا تخويف، وقوتي نابعة من الشعب السوداني”. لكن هذا لم يمنع من حالة سخط داخل ضباط الجيش الذي يرون في تسيده تهديدا ويصفونه بالصفيق والمغرور.

وظهر التوتر داخل الحكام الجدد يوم الخميس، عندما قال المتحدث باسم المجلس العسكري، إنه إحباط محاولة لسيطرة الجيش على الحكم. ولكن التخلص من حميدتي سيكون صعبا ويتطلب حربا أهلية يخوض فيها الجيش حرب شوارع مع قوات الدعم السريع حسب قول مسؤول غربي. وهذا السيناريو ليس واردا في الوقت الحالي. ولدى الكثير من قادة الجيش ما يخسرونه لو شنوا حربا، فجنرالاته تحولوا في ظل البشير إلى رجال أعمال وأثرياء.

وبحسب سليمان بالدو، مشروع كفي: “ليس هذا عن السلطة بل عن المال”، مشيرا إلى أن قادة الجيش وحميدتي غارقون بالفساد إلى رقابهم ولهذا يخشون الحكم المدني ولا يتسامحون معه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى