حوارات

كاتب سوري: التسوية السياسية لم تحن بعد.. وقيصر يستهدف روسيا وإيران

 

سورية في عشريتها السوداء تدخل في دوامة جديدة متمثلة في قانون قيصر، والذي لا يعرف أحد السيناريوهات القادمة والمتوقعة من تطبيقه، فهو إما أن يكون طوق نجاة لسوريا والسوريين ويخرج بسوريا إلى بر الأمان وينهي الصراع الذي طال أمده، خاصة بعد فشل كل المبادرات وحلول التسوية السياسية، أو يعمق الأزمة ويزيد الشعب السوري معاناة على معاناتهم، فعلى مدار السنوات السابقة تعيش سوريا مأساة لم تتوقف، فاتنهاكات جسيمة ارتكبت بحق الشعب السوري من قتل وتعذيب وتشريد الآلاف تهجيراً أو نزوحاً، والعشرات من المدن والقرى قد تم تدميرها مع بنيتها التحتية، إضافة إلى الاقتصاد المتهالك، علما أن سوريا صنفت بالدولة الأفقر في العالم وتحتل المرتبة الأولى عالميا بمعدل البطالة حيث يعيش 80% من الشعب السوري تحت الفقر.

لماذا التسمية ب “قانون قيصر”؟

وسمي القانون المثير للجدل بقانون قيصر نسبة إلى مسؤول سابق بقوى الأمن السورية، قام بالتقاط اكثر من 55 ألف صورة توثق جرائم نظام الاسد في المعتقلات في الفترة بين 2011 و2013، والتي تم عرضها في مجلس الشيوخ الأمريكي وترتب عليها فيما بعد صدور قانون قيصر.

وتعتبر عقوبات قانون قيصر هي الأشد والأقسى من أي عقوبات فرضت على هذا النظام، كونها تشمل كل من يتعامل معه من أشخاص أو دول أو مؤسسات، وهو ما سيؤدي إلى زيادة عزلته الدولية ويساهم في تعطيل أي نوع من التطبيع معه أو محاولات إعادة تعويمه.

وبدخول قانون قيصر حيز التنفيد وتطبيق الحزمة الأولى من العقوبات والتى طالت 100شخصية وكيانا على صلة بالسلطات السورية في مرحلتها الأولى، بما في ذلك بشار الأسد وزوجته، أسماء الأسد تطرح العديد من التساؤلات؛ ماهي تداعيات قانون قيصر على نظام الاسد والسوريين؟ وهل من الممكن أن تدفع هذه العقوبات نظام الأسد للسير في العملية السياسية؟ وماموقف داعمي الاسد من القانون؟

ويجيب الكاتب السوري أحمد شيخو على هذه التساؤلات في تصريحات خاصة، معتبراً أن “عقوبات قانون قيصر تستهدف بالدرجة الأولى روسيا وإيران كونهما الداعمين الرئسيين للنظام، فكلاهما ومنذ بداية الأزمة سعى لإعطاء النظام شرعية إقليمة ودولية، حيث ستمنع العقوبات هذه الشرعية إضافة إلى أنها سوف تستهدف روسيا بشل قدرتها على إعادة إعمار سوريا، كون العقوبات تستهدف القطاعات الاستراتيجية التى يمكن أن تستفيد منها في المستقبل، وبعبارة أخرى هي تستهدف محور الاستانة الذي كان مشروع روسيا وإيران وتركيا في مواجهة مقررات اجتماعات جنيف والقرار الخاص بسوريا 2254”.

الشعب المتضرر الأكبر من العقوبات

وأضاف شيخو، أن العقوبات تستهدف النظام والشعب معا، علما أن كل الأنظمة التي تفرض عليها العقوبات يكون المتضرر الأكبر بالنهاية هو الشعب، بعكس رجال الأنظمة الذين لهم وسائل وطرق للحفاظ على تمويلهم الشخصي أو الذاتي الذي يخدم عوائلهم ويخدم الاشخاص الموجوين بالمناصب العليا، مشيراً إلى أن المرحلة الأولي من العقوبات استهدفت أشخاصًا مقربين من النظام، وكان منهم زوجته وعددًا من القيادات العسكرية والأمنية والاقتصادية.

النظام السوري يواجه أزمة اقتصادية حادة

وأوضح أن ما تم تداوله في الشهر الاخير حول المشاكل المالية بين رامي مخلوف والمؤسسة السورية للاتصالات، والقرارت الصادرة من الجهات السورية الرسمية، بوضع اليد على الشركات التابعة لمخلوف ومنعه من السفر، يعكس الأزمة الحادة الذي يعاني منها النظام خاصة في المجالات الاقتصادية.

 

العقوبات غير كافية للوصول لتسوية سياسية

وأشار شيخو إلى أنه لم يحن بعد وقت التسوية السياسة، فهذه العقوبات ستضعف النظام وقدرات داعميه وتضع عراقيل أمام محور استانة، لكنها غير كافية للوصول للتسوية السياسية، إذ تعتبر هذه العقوبات تمهيدًا للوصول إلى الجزيئات الأخرى للاستراتيجات الكلية والكاملة للقوى العظمى في المنطقة، فالقوى العالمية تنظر إلى موضوع سوريا وعقوباتها كجزء من استراتجية كاملة في المنطقة، بمعنى أن حل أمور المنطقة من أحداث متعددة في دول مثل العراق وليبيا واليمن كلها مترابطة مع بعضها ببعض، فلا يمكن حل الأزمة السورية لوحدها وجيرانها في مشاكل وأزمات لم تحل بعد.

ولفت إلى أن تمدد تركيا في ليبيا وجلبها للمرتزقة السوريين من مدينة إدلب ومن المناطق التى تحتلها مثل عفرين وتل أبيض ورأس العين إلى ليبيا أمام مرأى من العالم، أمور يستنتج منها أنه لم يحن الوقت لحل الأزمة السورية بعد، وأن الأزمة السورية هي جزء من قضايا إقليمية وشرق اوسطية وعالمية، فالقوى العالمية تأخذها بهذا المنظار.

ويرى شيخو أن روسيا دخلت سوريا خلف ستار حماية السوريين وسوريا الحفاظ على وحدة أراضيها، لكن مجرى الأحداث أثبت العكس، خاصة ما رأيناه من تسليم الشمال السوري وبعض المناطق السورية لتركيا، وعقد اتفاقات دون الرجوع إلى الشعب السوري، مثلما حدث في عفرين ويحدث حاليًا في إدلب، فالدول الكبرى تراعي مصالحها ولا تراعى مصالح الشعب السوري، كما أن التحالف الدولي له مشاريع في المنطقة واستراتيجيات مثل محاربة إيران واستمرار هيمنتها، فالقوى العالمية لم تصل إلى مرحلة التسوية بعد وفرض عقوبات قيصر إنما هي من المراحل الطويلة والشاقة لكن ليس الآن.

وأضاف، أن التسوية السياسية ممكنة  والقوى العظمى والإقليمية تطلب مراعاة مصالح هذه الأطراف جمعيًا، وهنا فإن مصلحة الشعب السوري يجب أن تكون هي الأهم. ومن هنا فما يبدو هو السعي للوصول إلى توافق روسي أمريكي حتى الوصول لتسوية سياسية ترضي الجميع، مشيرًا إلى أن العقوبات المفروضة على إيران أضعفت قدرتها في المنطقة بشكل كبير، ولكنها مازالت تحاول جاهدة للإبقاء على نفوذها في المنطقة، رغم الضربات التى تلقتها في سوريا والعراق.

الدول العربية تستشعر الخطر القادم من تركيا

ويكمل الكاتب السوري أنه وبحسب الأوضاع في الشرق الاوسط وبالنظر إلى ما يحدث في اليمن أو العراق وفي بعض الأقطار العربية نرى بوضوح بروز التمددات التركية والإيرانية السافرة، كما نرى أنه لم يحن الوقت بعد للوصول إلى الحلول الكاملة، لكن الخوف من تكرار تجربة سوريا والعراق والدخول في التناحر والتقاتل الذي بدأت ملامحه تظهر في شمال إفريقيا سيدفع الدول العربية والجامعة العربية للانتباه والحذر.

وأضاف أنه تبعا لما صدر من المواقف الأخيرة الصادرة من الدول العربية مثل (مصر والسعودية والامارات ) ودول الجوار الليبي، يؤكد الحرص والاستشعار بالخطر القادم من تركيا باتجاه شمال إفريقيا، وهذه المواقف كلها وخاصة الموقف المصري التي عبر عنه الرئيس السيسي بضرورة الحفاظ على وحدة ليبيا وسلامة أراضيها وحل المرتزقة والمليشيات وخروج تركيا، كل هذا يحتاج إلى تضافر الجهود العربية والإقليمية والدولية للوصول لتسويات سياسية كاملة وعندها ستكون التسوية السياسية ستكون موجودة أيضا في سوريا.

 

وينبه شيخو إلى بعض الأمور بعد فرض قانون قيصر، منها ما حصل في مناطق الاحتلال التركي حيث تم فرض الليرة التركية، لافتًا إلى أن هذا إجراء من ضمن إجراءت كثيرة اتخذتها تركيا لتتريك هذه المناطق، فاستبدال الليرة التركية بالليرة السورية (العملة الوطنية) هو خرق للسيادة السورية، ويضاف للإجراءت التى تقوم بها تركيا من تغير ديموغرافي، فمن قبل تم فرض اللغة التركية والعلم التركي وافتتاح مراكز للمؤسسات التركية، وتم ربط عفرين بوادي هتاي /إسكندرون، وربط مدينة رأس العين وتل أبيض بوادي (أورفا) وربط المناطق السورية بالمناطق التركية، بغرض استفادة تركيا من قانون قيصر، ومحاولة تثبيت الأقدام في الشمال السوري وتتريكه وتقوية نفوذ التركمان المتوافقين مع تركيا أيدلوجيًا في هذا المناطق، تمهيدًا لضمها في السنوات القادمة في حال تغيرت الأوضاع وأصبحت مواقف القوى الدولية في صالحها لمواجهة الروس.

وعود أمريكية باستثناء مناطق الإدارة الذاتية من عقوبات قيصر

ويرى شيخو أنه رغم وعود قوى التحالف الدولي باستثناء مناطق قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية من عقوبات قيصر، فواقعيًا وعمليًا ستتاثر هذه المناطق بالعقوبات أيضا نتيجة للتبادل التجارى المتواصل بين مناطق قوات النظام والإدارة الذاتية، إضافة إلى رفض الإدارة الذاتية التعامل بغير الليرة السورية رغم المخاطر والتداعيات الاقتصادية، وهذا يعني أن عقوبات قيصر ستؤثر على كامل الجغرافيا السورية ولن يستثنى أحد منها، رغم محاولة الإدارة الذاتية اتخاذ العديد من الإجراءات بالتعاون مع التحالف الدولي لتقليل من تاثيرات هذه العقوبات عليها.

وفي ختام حديثه يقول شيخو إنه ورغم ماحدث وما يحدث من توازنات واختلافات دولية، إلا أن الحل في النهاية هو حل سوري، وعلى جميع السوريين التعاون والحوار، ويجب المحافظة على الإرادة السورية بعيدًا عن المناكفات والتدخلات الخارحية، فلابد من حدوث توافق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرض السورية والوطن السوري والشعب السوري وبناء سوريا الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى