منتدى الفكر الاستراتيجي

إيران أول المتضررين من إغلاق مضيق هرمز

مرة أخرى لوّحت إيران بإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط، رداً على إعلان واشنطن نيتها تقليص صادرات النفط الإيراني إلى صفر، وسط شكوك حول قدرة واستعداد طهران لإدخال تهديدها حيز التنفيذ.

وعبْر مضيق هرمز يمر أكثر من ثلث صادرات العالم من النفط التي تنقل عبر البحار يومياً، ويربط المضيق الدول المنتجة للخام في الشرق الأوسط بالأسواق الرئيسية في مناطق آسيا والمحيط الهادي وأوروبا وأميركا الشمالية وغيرها.

وفي الرابع من يوليو هدد «إسماعيل كوثري»، القيادي بالحرس الثوري الإيراني، بمنع مرور شحنات النفط عبر مضيق هرمز إذا حظرت واشنطن صادرات بلاده منه.

النفط الإيراني شريان الحياة لهم

ويعتبر النفط من أهم موارد إيران المالية، وتنتج نحو 3.8 ملايين برميل من النفط الخام يومياً، وتصل صادراتها منه إلى 2.3 ملايين برميل يومياً.

تهديدات «كوثري» سبقتها تهديدات مشابهة أطلقها الرئيس الإيراني حسن روحاني، وحظيت بإشادة قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري.

وقال روحاني، خلال لقائه بجالية بلاده في سويسرا مؤخراً، إن «منع إيران من تصدير النفط يعني أن كافة دول المنطقة ستكف عن بيع النفط»، حيث تم تفسير ذلك بأن إيران ستغلق مضيق هرمز أمام مرور النفط الإقليمي.

وعبّر قاسم سليماني عن دعمه لروحاني قائلاً: «إننا في خدمتك»، مشيراً إلى أن قواته مستعدة لتطبيق سياسة تعرقل الصادرات الإقليمية، حسب ما أفادت وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا».

وفي 8 مايو الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي، الموقع عام 2015 بين طهران ومجموعة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، وإعادة العمل بالعقوبات الاقتصادية على طهران، والشركات والكيانات التي تتعامل معها.

وعقب الخطوة أعلنت السعودية أنها مستعدة لسد النقص المتوقع في إمدادات النفط العالمية، جراء العقوبات المرتقب أن تفرضها واشنطن على طهران، ثالث أكبر منتجي النفط في «أوبك».

وفي الخامس من الشهر الجاري، وغداة التلويح الإيراني الجديد بورقة «هرمز»، تعهد الجيش الأميركي بالحفاظ على حرية الملاحة لناقلات النفط في الخليج العربي.

وقال بيل أوربان، المتحدث باسم القيادة الوسطى في الجيش، إنّ «القوات البحرية الأميركية والحلفاء الإقليميين جاهزون لضمان حرية الملاحة والتدفق الحر للبضائع حيثما يتيح القانون الدولي (في الخليج العربي)»، حسب قناة «الحرة» الأميركية (رسمية).

ورقة قديمة – جديدة

الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني كان أول من هدد بإغلاق بلاده مضيق هرمز، عندما كان رئيساً للبرلمان عام 1983، خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988).

وقال رفسنجاني حينها: «لا داعي لإغلاقنا مضيق هرمز بواسطة السفن، إذ يكفي يومياً أن نستهدف منتصف المضيق مرتين يومياً بواسطة مدافعنا التي يبلغ مداها 48 كم، فمن سيكون قادراً على العبور من المضيق وقتها؟ ويمكننا حتى بواسطة بنادق الكلاشينكوف إغلاق المضيق».

وفي عام 2011، أعلن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد عزم بلاده إغلاق مضيق هرمز، رداً على إعلان الولايات المتحدة عزمها فرض عقوبات على بيع النفط الإيراني.

وصرّح نائب الرئيس الإيراني وقتها محمد رضا رحيمي قائلاً: «إذا ما تم فرض عقوبات على النفط الإيراني فإننا سنغلق مضيق هرمز، ولن نسمح بمرور حتى ولو قطرة واحدة من النفط عبر المضيق».

وقتها خرج رئيس القوات البحرية الإيراني اللواء حبيب الله سياري قائلاً: «إن إغلاق مضيق هرمز بالنسبة لنا سهل بمقدار شرب الماء».

وعقب ذلك، أطلقت إيران تدريبات عسكرية في المضيق، تحت شعار «تدريبات إغلاق مضيق هرمز»، حسبما أعلن، حينها، نائب رئيس الحرس الثوري علي أشرف نوري.

وكما الليلة كانت البارحة، إذ صرح آنذاك وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا، عام 2012، قائلاً: «لن نسمح لإيران بإغلاق مضيق هرمز أمام مرور النفط، ويعتبر هذا الأمر خطاً أحمر بالنسبة للولايات المتحدة».

تصريحات مماثلة أدلى بها مسؤولو الأسطول الأميركي الخامس في البحرين بتلك الفترة، إذ حذروا أن مضيق هرمز يحتل مكانة مصيرية بالنسبة لنقل النفط والاقتصاد العالمي، وقالوا إنهم لن يسمحوا لأية جهة بتقويض حرية حركة نقل النفط في مضيق دولي.

أهمية مضيق هرمز

يشير الخبراء إلى أن استمرار الجانب الإيراني في التدريبات والمناوشات مع عناصر البحرية الأميركية، منذ سنوات طويلة، عقب كل توتر في العلاقات بين طهران وواشنطن، ما هو إلا محاولة من إيران لإثبات سيطرتها على مضيق هرمز.

ويعتبر مضيق هرمز واحداً من الشرايين الرئيسية حول العالم في نقل النفط، حيث يمر عبره نحو 80% من النفط السعودي، والعراقي، والإماراتي، والكويتي، في طريق التصدير إلى دول معروفة باعتمادها العالي على مصادر الطاقة مثل الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، وسنغافورة.

وحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية  (EIA)، فإن مضيق هرمز يعد المضيق الأول حول العالم من حيث كمية النفط التي تمر عبره، حيث بلغ معدل مرور النفط اليومي منه عام 2016، حوالي 18.5 مليون برميل، ما يشكل نحو 40%من تجارة النفط عبر البحار.

يحيط بالمضيق من سواحله الشمالية إيران، ومن الجنوب سلطنة عمان، بينما يقع في أضيق منطقة بين خليجي البصرة وعمان، بعرض يبلغ حوالي 50 كم، في حين يبلغ عرض الممر الخاص بعبور سفن الشحن الثقيلة نحو 10 كم.

ويعد المضيق من جهة أخرى، النقطة الوحيدة التي تنفتح منها صادرات دول الخليج العربي وإيران من النفط إلى المحيط.

واكتسب المضيق أهمية إضافية عقب فشل تشغيل خط أنابيب النفط السعودي، الذي أُنشأ كبديل لنقل النفط عام 1974، بالدرجة المرجوة.

صعوبات إغلاق المضيق

في مقال نشره عام 2009 تحت عنوان «تكلفة وصعوبات إغلاق مضيق هرمز»، أكد الباحث ويليم د. أونيل أن «إغلاق إيران للمضيق سيولد نتائج من شأنها تخفيض عائدات النفط الإيراني، وتضرر البنى التحتية الحساسة، وإضعاف القوات المسلحة الإيرانية».

وأشار إلى أنه يتعين على إيران من أجل إغلاق المضيق أن تكلف غواصتين بالعمل المكثف لمدة أسبوع لزرع حوالي ألف لغم بعرض المضيق، لافتاً إلى أن الأمر غير ممكن بواسطة الغواصات لعدم عمق المياه بالشكل الكافي.

وأضاف في ذات الشأن أن زرع الألغام بواسطة السفن غير ممكن أيضاً لسهولة اكتشافها خلال قيامها بالمهمة.

ويؤكد محللون أن إيران لا تمتلك اليوم المقومات التي تؤهلها لاستخدام القوى الجيوسياسية بالمنطقة، خاصة في وقت تحولت فيه العقوبات الاقتصادية إلى أزمة داخلية، ما يجعل طهران غير قادرة على الوقوف في وجه الولايات المتحدة، قياساً إلى التوترات السابقة بين الجانبين.

وبالرغم من تهديد طهران بإغلاق مضيق هرمز خلال زيادة وتيرة التوترات مع الجانب الأميركي في فترات سابقة، فإنها لم تتخذ أية خطوات من شأنها توليد نتائج ثقيلة ضدها، سواء بموجب القوانين الدولية، أو موازين القوى العالمية.

ومع أن احتمال إغلاق إيران للمضيق يبدو ضعيفاً، إلا أنه قد يكون السبب في إحداث مشاكل هائلة لنظامها قد تعجل بنهايته، مع انتشار مشاكل اجتماعية واقتصادية داخلية عديدة في أنحاء إيران، من قبيل ارتفاع الأسعار، والتضخم، والبطالة، والفساد، والجفاف، ونقص المياه.

وفي الوقت الذي قد يفضي فيه إغلاق إيران للمضيق إلى ارتفاع أسعار النفط لصالح السعودية، والإمارات، وروسيا، والولايات المتحدة، ستؤدي هذه الخطوة لإلحاق الضرر بالصين والدول الأوروبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى