منتدى الفكر الاستراتيجي

انتكاسة مؤقتة أم بداية النهاية؟ رموز «الترامبية» في موقف لا يُحسدون عليه

قبل نحو ستة أسابيع كان زعيم «الترامبية» في العالم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في موقف قوي، وكذلك بدا موقف اثنين من أصدقائه في لندن وتل أبيب، لكن الأمور تغيرت بصورة دراماتيكية، فهل التغير للأسوأ مجرد انتكاسة مؤقتة، أم أنها مؤشرات على بداية النهاية للظاهرة التي دفعت العالم نحو حافة الهاوية ولا تزال؟

ترامب في موقف صعب

لو بدأنا من واشنطن، نجد أن ترامب كان في نهاية يوليو الماضي في موقف قوي، حيث كان رئيساً يتفاخر بقوة الاقتصاد، ومن الناحية السياسية كان قد حقق انتصاراً كبيراً بعد أن انتهت عاصفة المحقق الخاص روبرت مولر دون تغيير يذكر في موقف الرأي العام، وأسدل الستار على التحقيق وما علق بالأذهان سوى عبارة ترامب نفسه «لا تواطؤ ولا عرقلة».

ذلك الموقف القوي كان منعكساً بقوة في استطلاعات الرأي التي أظهرت ترامب متفوقاً بفارق يتراوح بين 10 و15 نقطة على منافسيه المحتملين في الانتخابات الرئاسية العام القادم.

أما اليوم ومع انتهاء عطلة الكونغرس، تبدو الصورة مختلفة تماماً بالنسبة لترامب، حيث كان شهر أغسطس/آب مزعجاً للغاية للرئيس، بحسب تقرير لموقع ذا هيل الأمريكي.

من ناحية الاقتصاد، تبدلت الصورة تماماً وأصبح الحديث عن توجه الاقتصاد الأمريكي والعالمي نحو أزمة جديدة ربما تدخله في حالة من الركود أكثر قسوة من الأزمة المالية عام 2008، وهي ضربة قد تكون قاتلة لترامب الذي يتفاخر دائماً بأن الاقتصاد الأمريكي في عهده أقوى من وضعه في ظل أي رئيس آخر في التاريخ، وتعتبر هذه الورقة هي أقوى أوراقه الانتخابية كي يضمن البقاء في البيت الأبيض لفترة ثانية.

من الناحية السياسية، تظهر استطلاعات الرأي تأخر ترامب بصورة لافتة، وهو هنا لا يحتل المركز الثاني ولا حتى الثالث، بل يأتي رابعاً بعد جو بايدن نائب الرئيس السابق باراك أوباما، والسيناتور إليزابيث وارين وكلاهما من الحزب الديمقراطي وبيرني ساندرز المستقل.

بيدي لا بيد عمرو

اللافت هنا أن الضرر الذي حاق بترامب لم يأته من خصومه في الكونغرس، حيث كان البرلمان في إجازة خلال أغسطس/آب، بل إن ترامب نفسه طبق المثل العربي «بيدي لا بيد عمرو»، وألحق الضرر بنفسه.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – رويترز

خلال أغسطس، اتهم ترامب الناخبين اليهود الذين يصوتون لصالح الحزب الديمقراطي بأنهم «غير مخلصين بل وقد يكونوا خونة»، ما تسبب في ثورة عارمة من اللوبي اليهودي القوي داخل واشنطن (القصة كاملة يمكن الاطلاع عليها من خلال هذا الرابط).

ترامب ألغى زيارة رسمية له كانت مقررة للدنمارك بعد أن تسبب في حرب كلامية بين الجانبين لرغبته في شراء جزيرة غرينلاند وإصراره على الأمر، ما أثار حفيظة السياسيين والمسؤولين والإعلام هناك وسخروا منه بشدة (القصة كاملة يمكن قراءة تفاصيلها من خلال هذا الرابط).

الحادثة الثالثة التي وضعت ترامب في حرج وعرضته لسهام السخرية اللاذعة جاءت في تغريدة له بشأن إعصار دوريان المدمر وعرضه لخريطة «معدلة بصورة واضحة» تم فيها تغيير متعمد لمسار الإعصار المتوقع كي يضعه أقرب لولاية ألاباما، بعد أن كان ترامب قد ذكر أن الولاية معرضة لخطر كبير رغم عدم وقوعها في نطاق الإعصار من الأساس وعدم صدور مثل هذا التحذير من جانب الهيئة الوطنية للأعاصير.

إصرار ترامب على موقفه وضعه في مرمى نيران السخرية والانتقاد، خصوصاً أن ذلك جاء بعد تقارير عن اقتراحه بضرب الأعاصير بالقنابل النووية، رغم نفيه لتلك التقارير ولكن من الواضح أن أحداً لم يصدقه.

القادم ربما يبدو أسوأ

 

ومع عودة الكونجرس من العطلة الصيفية، سيجد ترامب نفسه في مرمى نيران ألد خصومه الذين يعدون العدة لاستجوابات بالجملة تتعلق باستغلاله لمنصبه لتحقيق أرباح لشركاته الخاصة، وذلك من خلال إقامة نائبه مايك بنس في فندق يحمل اسم ترامب أثناء زيارة الأول للدنمارك، وأيضاً اقتراح ترامب نفسه باستضافة قمة السبع الكبار العام المقبل في منتجعه بلوس أنجلوس.

ومن ناحية الملف الاقتصادي، فمع استمرار الحرب التجارية مع الصين وتوقعات تباطؤ النمو الاقتصادي فعلى الأرجح ستزداد معاناة ترامب في عام الانتخابات أكثر وأكثر.

أما سياسياً، فالأمور لا تبدو أفضل، حيث المواجهة مع إيران تزداد حدة وتتسبب في جبهات كثيرة في الشرق الأوسط، لذلك يبدو أن ترامب حسم موقفه في أن أفضل ما يمكن أن يقدمه لناخبيه هو لقاء مع نظيره الإيراني حسن روحاني هذا الشهر في نيويورك أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المقررة يوم 17.

صفقة القرن التي وعد ترامب بأنها ستكون الحل الجذري للصراع في الشرق الأوسط أثبتت فشلها الذريع، وشريكه فيها من الجانب الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (ترامب تل أبيب) يواجه موقفاً عصيباً قبل الانتخابات المقررة هذا الشهر أيضاً.

ترامب لندن وهزائم متكررة

ونترك الزعيم لنعبر الأطلسي إلى بريطانيا حيث رئيس الوزراء بوريس جونسون الملقب بترامب لندن، نجده اليوم الاثنين 9 سبتمبر/أيلول في موقف لا يحسد عليه مع انهيار خططه ووعوده لمغادرة الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر المقبل تحت أي ظرف، بعد أن كال له البرلمان هزائم متتالية على مدى الأسبوع الماضي.

أقر مجلس العموم مشروع قانون يمنع جونسون من تنفيذ بريكست دون اتفاق يوافق عليه البرلمان، والجمعة تمت الموافقة على مشروع القانون في مجلس اللوردات ومنتظر اليوم أن توقع الملكة على المشروع ليصبح قانوناً، كما فشلت حتى الآن خطة جونسون البديلة وهي إجراء انتخابات عامة مبكرة منتصف الشهر المقبل وقبل يومين فقط من قمة الاتحاد الأوروبي الحاسمة بشأن بريكست.

الاستقالات التي شهدها حزب المحافظين الذي يرأسه جونسون وأبرزها شقيقه جو جونسون الذي كان يشغل منصب وزير دولة، وكذلك أمبر رود وزيرة العمل والقيادية بالحزب، تزيد من صعوبة موقف جونسون وتجعله أقرب لأن «يموت في حفرة» على أن ينفذ وعوده ويخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بنهاية أكتوبر ولو دون اتفاق.

ترامب تل أبيب يفقد تركيزه

قبل نحو أسبوع من الانتخابات التشريعية في إسرائيل، يجد نتنياهو نفسه مرة أخرى في موقف صعب للغاية، فإما الفوز والبقاء في المنصب وبالتالي تمرير قانون الحصانة، وإما المصير المجهول الذي ربما يفضي به إلى السجن بتهم الفساد واستغلال النفوذ التي تلاحقه.

نتنياهو أخطأ وأشار لجونسون على أنه «يلتسين» 

في لقطة معبرة أخطأ نتنياهو في اسم بوريس جونسون وأشار إليه باسم «بوريس يلتسين» في بداية اجتماع الحكومة أمس الأحد 8 سبتمبر/أيلول، وعلى الرغم من أن الموقف يمكن اعتباره زلة لسان لا تعني شيئاً، فإن قيام الموقع الرسمي لمجلس الوزراء على تويتر «بإجراء مونتاج للفيديو» زاد الطين بلة.

نتنياهو بدأ الاجتماع بالقول أنه عاد للتوّ من لندن حيث أجرى محادثات بشأن إيران مع رئيس الوزراء «بوريس يلتسين» –قاصداً جونسون بالطبع– فقام الوزراء بالتصحيح، ليتدارك نتنياهو الموقف بالقول مازحاً أنه أراد التأكد من أن الوزراء يتابعون كلامه. كان بوريس يلتسين رئيساً لروسيا وتوفي عام 2007.

تعليقات الصحف الإسرائيلية حتى صحيفة الجارديان البريطانية على «زلة اللسان» ألقت الضوء على موقف نتنياهو الصعب قبل أسبوع من الانتخابات وهو ما يدفعه لاتخاذ إجراءات تهدد العملية الديمقراطية برمتها ومنها تركيب كاميرات مراقبة في اللجان الانتخابية وهو إجراء من المنتظر تمريره اليوم في الكنيست.

ماذا يعني ذلك للترامبية؟

هذا التحول في أوضاع ترامب وجونسون ونتنياهو السياسية ربما يكون مؤشراً على نهايتهم كسياسيين وبالتالي انحسار موجة اليمين المتطرف والخطاب القومي العنصري الذي يتبنونه، لكنها يمكن أن تكون مجرد عثرة على الطريق.

هل ينجح ترامب في إنقاذ نتنياهو؟

ترامب لا يزال يتمتع بالدعم المطلق من قاعدته الانتخابية في مقابل تفتت أصوات منافسيه في الانتخابات المقبلة، إضافة لعدم وجود مرشح ديمقراطي يحظى بنفس القدر من الدعم والتوحد خلفه، وبالتالي من المرجح أن يستعيد ترامب ما فقده من أرضية في أغسطس/آب الماضي من خلال اشتباكاته المتوقعة مع الكونغرس.

جونسون يرفض الاستسلام تماماً والحديث اليوم في لندن عن لجوئه «للقانون وتفسيراته» كي يتصدى للقانون الصادر عن البرلمان ويواصل خطته بالخروج بنهاية أكتوبر أي أنه سيسعى -كما يحذر منتقدوه- للمراوغة والاختباء وراء التفسيرات القانونية حتى يأتي الموعد النهائي ويصبح مغادرة الاتحاد الأوروبي دون اتفاق أمراً واقعاً، وليحدث ما يحدث بعدها.

نتنياهو هو الآخر يستخدم كل ما هو متاح كأدوات انتخابية سواء الجيش أو الشرطة أو الكنيست نفسه والتحالف مع أي حزب حتى الأحزاب الدينية وممثلي المستوطنين في الضفة الغربية، المهم هو تشكيل تحالف يوافق على منحه قانون الحصانة وبعدها يكون لكل حادث حديث.

في ظل هذه المعطيات، يستحيل عملياً توقع مسار «الترامبية»، وإن كان الأرجح أن الظاهرة نفسها ستظل في منحنى الصعود لفترة ليست بالقصيرة نظراً لقابلية خطابها القومي الجماهيري الذي يجد صدى واسعاً لدى قطاعات عريضة من الجمهور المعتد بعرقه أو قوميته أو حتى دينه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى