منتدى الفكر الاستراتيجي

كيف يجتاز جانتس العثرات التي تقف أمام حكومة الأقلية؟

لا شك أن جانتس يقف هذه الأيام أمام تحد غير بسيط في محاولته لتشكيل حكومة. ومع ذلك، من المهم أن نجري ترتيباً لكل التحديات التي يقف أمامها، من حيث أنواع الحكومة المختلفة التي يمكن تشكيلها. أحد الأقوال الذي يستهدف دَبّ الرعب، هو أن جانتس سيشكل حكومة أقلية.

كما هو تعريفها، فإن حكومة الأقلية هي خلاف يتشكل من حزبين على الأقل ولهما معاً أغلبية برلمانية. هناك دول في العالم لا يكون مطلوباً فيها، عند طلب الثقة للحكومة، تصويت أغلبية أعضاء البرلمان، مقابل دول مطلوب فيها أغلبية كهذه. وحكومة الأقلية تتكون بفضل تأييد أحزاب أو نواب مستقلين لا يكونون جزءاً من الائتلاف.

إن حكومات الأقلية تقوم بتواتر عال في ديمقراطيات مثل إيرلندا، وهولندا، والنرويج، والدانمارك، وبلجيكيا، وإسبانيا، وإيطاليا، وبتواتر متدن في إنجلترا وفرنسا. حاول الباحثون فهم كيف تبقى حكومات الأقلية على قيد الحياة وتؤدي مهامها.

أولاً، الأحزاب التي ليست في الائتلاف تؤيد حكومة الأقلية مقابل قدرتها على التأثير على السياسة في موضوع قريب من قلبها. ثانياً، نواب مستقلون لا يرتبطون بحزب ما، يميلون لتأييد حكومة الأقلية مقابل تشريع يخدم المنطقة التي يمثلونها. ثالثاً، أحزاب تفضل أن تكون خارج الائتلاف كي لا تعاقب في الانتخابات التالية من الناخبين فينخفض التأييد لها. في الوقت ذاته، يمكنها أن تدفع إلى الأمام بسياسة انتخبت من أجلها في البرلمان.

لم تتشكل بعد حكومة أقلية في إسرائيل فور الانتخابات، ولكن في أعقاب أزمات سياسية في أثناء تولي الحكومات المختلفة مهامها على مدى السنين، نشأت حكومات أقلية مع انسحاب أحزاب من عضوية الائتلاف. هكذا حصل مثلاً في حكومة رابين الأولى والثانية، وفي حكومة باراك وحكومة شارون الثانية.

إن إقامة حكومة أقلية بعد الانتخابات يخلق تحديات هامة، كتمرير قانون الميزانية وتصويتات حجب الثقة، ولكن مثل هذه الحكومة لا تعد كلمة فظة، فهذه إمكانية عملية ومشروعة.

نقطة أخرى يجب التشديد عليها وتشكل تحدياً لغانتس، هي عملية الشيطنة التي أجريت لجماعات في المجتمع الإسرائيلي، العرب والأصوليين. فمعنى التقليل من شأن هذه الجماعات هو إضعاف الحجر الأساس للديمقراطية. لقد نشأ خطاب عليل، وكلما ذكر أكثر اعتبر مشروعاً. فجملة “لا أتفق مع أي كلمة من كلامك، ولكني مستعد لأن أموت في سبيل حقك في أن تقولها”، المنسوبة خطأ لفولتير، هي حجر أساس في كل نظام ديمقراطي. وإن تحدي غانتس في هذه المسألة هو الإعلان عن أنه وفقاً لحكم الناخب فإن الجميع شرعيون، والرد بحدة على كل تعبير يخلق نزع شرعية عن قطاعات كاملة في دولة إسرائيل.

إن النقاط التي بحثت حتى الآن لا تتعلق بعد بالمضامين والأيديولوجيات التي ترغب تلك الحكومة المنتخبة في العمل عليها. في هذه النقطة مطلوب إبداع وجاهزية لتحطيم المسلمات وأنماط الماضي. مثلاً، يمكن بناء ائتلاف نحيف فيه توافق على عدد قليل من الخطوط الأساس. فالرغبة في خلق قاسم مشترك واسع يؤدي إلى وضع “أمسكت كثيراً فلم تمسك شيئاً”، كون المحاولة لإرضاء أكبر عدد ممكن من الشركاء في أكبر عدد ممكن من المواضيع تجعل اتخاذ القرارات صعباً. وخلق التوافقات اللحظية في المواضيع التي فيها إجماع بين الأحزاب التي تكون في الائتلاف وأحزاب تمنح كتلة مانعة من المعارضة، مثل القائمة المشتركة، هو مثال على تحطيم مسلمات الماضي. مثال آخر هو إقامة حكومة بدون أحزاب كانت لسنوات في الائتلاف، تمتعت بنعم الحكم وحرصت أساساً على قطاعاتها. لهذه الأحزاب أن تحيا في صحراء المعارضة وتفعل الخير فقط، وستمثل بالنسبة لها معنى الآنية في منصب منتخب الجمهور. إن التحدي الذي يقف أمامه غانتس ليس بسيطاً ولكنه ممكن. ولكن عليه أن يطير عالياً كي يرى بعيداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى