منتدى الفكر الاستراتيجي

لماذا تتفاقم أزمة إيران المالية جراء العقوبات بينما يزداد ثراء حرسها الثوري؟

فيما تهدد العقوبات الأمريكية إيران بأزمة اقتصادية عميقة فإن الحرس الثوري يجد مصادر تمويل جديدة ويزيد من قدراته المالية والعسكرية ويوسع دعمه للجماعات المسلحة التابعة له والحليفة معه في الشرق الأوسط بشكل يقلق الأمريكيين ويفرع عقوباتهم من هدفها.

تحدى الحرس الثوري الإيراني الجهود الأمريكية للحد من أنشطته في الخارج مع تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران في أعقاب الهجمات الجديدة في خليج عمان، حسب ما ورد  في تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.

الحرس الثوري يجد مصادر تمويل جديدة تحت أعين الأمريكيين

صحيحٌ أنَّ الحكومة الإيرانية تجد صعوبةً في دعم اقتصادها تحت ضغط العقوبات الأمريكية، لكنَّ قوات الحرس الثوري التي تعد من نخبة قواتها الدفاعية وجدت مصادر جديدة للدخل، من بينها عقودٌ لتطوير البنية التحتية الموقعة في سوريا والعراق أبرِمَت حديثاً بالإضافة إلى شبكات التهريب الموسعة، وفقاً لما ذكره بعض مستشاري الحرس الثوري وحكومة الولايات المتحدة.

ويبدو أنَّ قوة الحرس الثوري الإسلامي -التي تأسست لحماية أمن الأمة الإيرانية لكنَّها توسعت لتشارك في أنشطة البناء والعمل المصرفي والتهريب- تزداد نمواً في إيران بينما تساعد على دعم الاقتصاد وتباغت خصومها الأقوى.

فقوته قد بنيت في الأصل تحت وطأة العقوبات

ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال اللواء حسين سلامي قائد قوات الحرس الثوري الذي كان عميداً آنذاك: «كل شيء تراه يُسهم حالياً في القوة الدفاعية لجمهورية إيران الإسلامية قد تحقَّق في ظل العقوبات»، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء Mehr الإيرانية.

هذا وأصبح خطر نشوب صراع أكبر ملحوظاً للغاية، في ظل إصرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على اتهام الحرس الثوري بتنفيذ الهجومين اللذين استهدفا ناقلتي النفط اليابانية والنرويجية يوم الخميس الماضي 13 يونيو/حزيران.

وسعى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في مطلع الأسبوع إلى كسب دعمٍ دولي لادعاء واشنطن، قائلاً: «ما حدث واضحٌ تماماً»، مضيفاً أنَّ المزيد من الأدلة ستظهر قريباً.

سفينة إيرانية تطفئ النيران في إحدي الناقلتين بخليج عمان

إذ قال بومبيو لبرنامج Fox News Sunday: «لجنة الاستخبارات لديها الكثير من البيانات والكثير من الأدلة. وسيرى العالم الكثير منها».

ومن جانبها نفت طهران تورطها في هذه الهجمات والهجمات السابقة على السفن الأربع في الخليج في الشهر الماضي مايو/أيار. واتهم المسؤولون الإيرانيون الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة بمحاولة خلق حجةٍ زائفة لجر إيران إلى الحرب.

وها هي تزدهر من جديد مع إطلاق ترامب لعقوباته

يُذكَر أنَّ الولايات المتحدة فرضت مجموعة غير مسبوقة من العقوبات، وأدرجت قوات الحرس الثوري ضِمن التنظيمات الإرهابية لمنع الشركات الأجنبية من التعامل معها، وجعلت استيراد النفط الإيراني الخام أمراً غير قانوني.

وفي مارس/آذار الماضي، حظرت وزارة الخزانة الأمريكية التعامل مع بنك أنصار المملوك لقوات الحرس الثوري، قائلة إنَّه هو الوسيلة الرئيسية لدفع رواتب أفراد فيلق القدس التابع لقوات الحرس الثوري -الذي يوجه عمليات طهران في الشرق الأوسط- والمرتزقة الباكستانيين والأفغانيين في سوريا.

وأضافت أنَّ بنك أنصار منح شركة واجهة تابعة لفيلق القدس قرضاً قيمته ملايين الدولارات.

لكنَّ بعض السجلات تظهر أنَّ الودائع النقدية لدى البنك زادت بنسبة 4% في الشهرين الماضيين بينما احتفظ بعوائد أعلى على حسابات التوفير. ويُقدِّم البنك إقرارات شاملة عن حالته المالية بطلبٍ من البنك المركزي الإيراني وبورصة طهران.

ورفض البنك التعليق على العقوبات الأمريكية. لكنَّه ذكر في بيان نُشر على موقعه الإلكتروني أنَّ «العقوبات المتعجرفة.. لن تشكل تهديداً» لأنشطته.

وشركاته تعمل في المناطق التي فرض فيها النفوذ الإيراني مثل سوريا والعراق

كما أنَّ قوات الحرس الثوري تولِّد أموالاً من أعمال البناء عن طريق شركة خاتم الأنبياء التي تُعد ذراعها الهندسية.

ففي العام الماضي 2018، وقعت الشركة عقوداً لتوريد معدات البناء والطاقة إلى سوريا، وفقاً لما ذكره أحد مستشاري الحرس الثوري.

وأقامت الشركة أيضاً خطوط أنابيب للنفط والغاز في العراق بين بغداد وميناء البصرة النفطي، بالإضافة إلى محطةٍ لمعالجة المياه في البلاد.

ولا يتوانى الحرس الثوري عن تهريب السجائر والوقود

كما يجني الحرس الثوري الأموال في العراق بتهريب الوقود إليها من إيران، وإدخال الأجهزة الاستهلاكية والسجائر إلى الجمهورية الإسلامية.

وقد اكتسب الحرس الثوري نفوذاً في غرب العراق لدى عشيرة سنية قوية وجماعة شيعية محلية، حسب ما ذكر شخصٌ مطلع على الاستخبارات الأمريكية في المنطقة.

وأضاف ذلك الشخص أنَّ قوات الحرس الثوري ساعدت في شراء منازل مهجورة لمساعدة العشيرة السنية والجماعة الشيعية في الشهرين الماضيين. وفي المقابل، تحالفت الجماعتان سياسياً وعسكرياً مع الحرس الثوري.

ويستخدم الميلشيات العراقية التي تدفع حكومة بغداد أجورها

يُذكَر أنَّ الحكومة العراقية هي التي تتكفل بدفع أجور الميليشيات العراقية، التي يُدرِّب فيلق القدس بعضها، لذا لا تتأثر هذه الميليشيات بالعقوبات المفروضة على الحرس الثوري.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ تبنِّي العراقيين للميليشيات المعادية للولايات المتحدة يُمثِّل مصدر توتر بين واشنطن وبغداد.

الأزمة بين إيران وأمريكا العراق إيران أمريكا
الرئيس الإيراني حسن روحاني ونظيره العراقي برهم صالح/ رويترز

وفي يوم الأربعاء الماضي 12 يونيو/حزيران، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية في قائمتها السوداء شركةً عراقية قالت إنها هرَّبت أسلحة قيمتها مئات الملايين من الدولارات لمصلحة فيلق القدس.

وقالت حنين غدار، وهي زميلة زائرة في معهد واشنطن تدرس قوات الحرس الثوري، إنَّ قوات الحرس الثوري تواصل إرسال أموالٍ بالطائرات إلى وكيلها حزب الله اللبناني في سوريا. لكنَّ حزب الله لم يعلق على ذلك الأمر.

وحلفاؤه الحوثيون يمولون أنفسهم من الغذاء وأصبحوا قادرين على إسقاط الطائرات الأمريكية

أما المتمردون الحوثيون المتحالفون مع إيران في اليمن -والذين يكسبون عائداتهم عن طريق فرض الضرائب على المواد الغذائية والوقود والتبغ- صعَّدوا هجماتهم التي يشنونها بطائراتٍ بلا طيار وصواريخ على منشآت الطاقة والمطارات العسكرية في المملكة العربية السعودية.

إذ قال متحدثٌ باسم القيادة المركزية الأمريكية يوم السبت الماضي 15 يونيو/حزيران إنَّ طائرة مسلحة بدون طيار من طراز MQ9 Reaper أسقِطَت في 6 يونيو/حزيران بصاروخٍ أطلقه الحوثيون، وفقاً لتقييم الجيش الأمريكي. وقال المتحدث إنَّ الارتفاع الذي أصاب الصاروخ الطائرة عنده يشير إلى أنَّ قدرات الحوثيين تتحسن، بمساعدةٍ إيرانية.

ونشر الجناح الإعلامي للحوثيين مقطع فيديو وعدة صور توضح بقايا المركبة الجوية الأمريكية بدون طيار من طراز MQ-9 ، والتي من المحتمل أنها تشغلها القوات الجوية الأمريكية أو حتى وكالة الاستخبارات المركزية (CIA).

وأعلن الحوثيون يوم الأربعاء الماضي مسؤوليتهم عن هجومٍ صاروخي على مطار دولي في مدينة أبها السعودية بالقرب من الحدود اليمنية قال التحالف العسكري المدعوم من السعودية إنَّه أسفر عن إصابة 26 مدنياً.

فعندما حاربت إيران العراق كانت وحدها، ولكنها الآن لديها شبكة واسعة من الحلفاء

وفي السياق نفسه، أشار قادة عسكريون إيرانيون إلى أنَّ شبكة حلفاء إيران في المنطقة تمنح الجمهورية الإسلامية ميزة جديدة.

إذ ذكر غلام علي رشيد القائد البارز في قوات الحرس الثوري أمام البرلمان في الشهر الماضي أنَّ إيران حين حاربت العراق في الثمانينيات من القرن الماضي كانت وحدها.

وأضاف: «أمَّا الآن، فلديها حلفاء في جميع أنحاء المنطقة. لذا فالعدو سيدفع ثمناً باهظاً» إذا تعرضت إيران لهجوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى