منتدى الفكر الاستراتيجي

ماذا سيفعل الأوروبيون في مواجهة ترامب؟

عاد الأوروبيون من قمة الدول الصناعية السبع في كندا وهم يشعرون بالمذلة والارتباك بسبب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، المصمم على المضي قدماً دون أن يعيرهم أي اكتراث. وبين محاولات الاسترضاء والمواجهة والالتفاف، ما هي الخيارات الاستراتيجية لدى قادة القارة العجوز؟

العزف على وتر الصداقة؟ طريق مسدود

استخدم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، هذه البطاقة حتى النهاية، لكن دون جدوى. لم ينفع ذلك بالنسبة لاتفاق باريس بشأن المناخ، ولا الاتفاق الدولي حول برنامج إيران النووي، ولا التجارة الحرة… لم تنجح بطاقة الصداقة التي أظهرها الرئيس الفرنسي لنظيره الأميركي، محاولاً الدخول على خط ترمب من الحيز الشخصي.

وتفيد تقارير صحفية بأن حواراتهما الشخصية كانت أحياناً صاخبة. ففي بداية يونيو/حزيران 2018، وصفت محطة “سي إن إن” محادثة هاتفية بين الرجلين بأنها كانت “رهيبة”، والإثنين 11 يونيو/حزيران 2018، قال موقع “أكسيوس” الأميركي إن ترمب قال لماكرون في نهاية نيسان/أبريل 2018، بواشنطن، إن الاتحاد الأوروبي “أسوأ من الصين” في المجال التجاري.

وقال مصدر أوروبي، رافق ترمب خلال زيارته لبروكسل في مايو/أيار 2017، لوكالة الأنباء الفرنسية، إن ترمب “تتعذَّر السيطرة عليه”، و”لا يصغي لأحد”. وقال الخبير السياسي الفرنسي دومينيك مويزي، لصحيفة لو باريزيان: “من الواضح أن ماكرون لم يألُ جهداً تجاه ترمب، لكن دون جدوى”.

وقال ماكرون في كندا: “مع الرئيس ترمب، حرصت دائماً على بناء علاقة تتسم بأقصى درجات الود وسأواصل على هذا المنوال، هذه العلاقة ما زالت كما هي منذ البداية. لم تحُل هذه العلاقة بتاتاً دون الإعراب عن الاختلافات في وجهات النظر من هذا الجانب أو ذاك”.

الرد: له حدود

يمكن أن ينجح الأمر من الناحية التجارية، ولكنه أكثر صعوبة في قضايا مثل مكافحة التغير المناخي أو البرنامج النووي الإيراني.

وقالت ستيفاني فايس، من معهد برتلسمان ستفتونغ الألماني، إنه “بالنسبة إلى التجارة والحواجز الجمركية، يحظى الاتحاد الأوروبي بموقع جيد، وهناك فرصة” للفوز.

وقالت باسكال جوانين، من مؤسسة روبرت شومان، إنه “في مجال التجارة، لدى أوروبا القدرة على مواجهة الولايات المتحدة، وكذلك بمجال المنافسة، لقد رأينا ذلك من خلال الغرامات المفروضة على جوجل على سبيل المثال”.

فيما يتعلق ببدء إجراءات لدى منظمة التجارة العالمية، واتخاذ تدابير انتقامية ضد بعض السلع الأميركية، لدى الاتحاد الأوروبي الذي تمثل دوله قوة اقتصادية كبيرة، الوسائل لمحاربة الولايات المتحدة.

لكن عليهم أن يظلوا موحَّدين سياسياً، وهذا يمثل تحدياً بالنسبة للاتحاد، الذي مزقت دوله بعضها بعضاً مراراً في الماضي؛ دفاعاً عن المصالح الوطنية.

قالت المستشارة أنجيلا ميركل: “سيكون علينا أن نفكر فيما يتعين علينا القيام به (…)، آمل أن نعمل معاً كما فعلنا حتى الآن”. ويضع ترمب صناعة السيارات الألمانية في مرماه؛ لأنه يرى أن الولايات المتحدة تستورد السيارات الألمانية بأعداد تزيد على المقبول.

وتقول فايس: “إذا لم يتمكنوا من التوصل إلى تسوية داخل الاتحاد الأوروبي، فلا يمكنهم أن يكونوا لاعبين عالميين”.

تجاوز ترمب؟ مسألة حساسة جداً

إن الولايات المتحدة هي القوة الاقتصادية والعسكرية والمالية الأولى في العالم. وعندما تنسحب من الاتفاقية العالمية للمناخ، فإن وجود الاتفاقية في حد ذاته يصبح عرضة للخطر، ولكن في الوقت الحالي لا تزال الدول الأخرى الموقعة عليها ملتزمة بها، متكئةً بشكل خاص على صمود الصين وحكام بعض الولايات الأميركية.

وفيما يتعلق بإيران، يُخشى من عواقب وخيمة للانسحاب الأميركي. فنظراً إلى قوة بلاده المالية وهيمنة الدولار، يهدد ترمب بمعاقبة الشركات العالمية التي تجرؤ على الاستمرار في التعامل التجاري مع طهران. ورغم محاولة الاتحاد الأوروبي الرد وحماية مصالحه، حققت العقوبات هدفها؛ إذ أعلنت العديد من الشركات بالفعل أنها ستنسحب من إيران.

اغتنام الفرصة من أجل مزيد من التكامل؟

قالت جوانين: “نحن أمام لحظة حاسمة”. سياسياً، سيتعين على القادة الأوروبيين أن يحددوا خياراتهم.

ففي مجال الدفاع، يقول ترمب بوضوح، إن الولايات المتحدة لن تكون بعد الآن الدرع التي ستحمي أوروبا بمواجهة موسكو.

أضافت جوانين أنه “يجب أن تتولى أوروبا زمام أمورها في عدد من القضايا، من ضمنها الدفاع”.

ولكن بدفع من الانسحاب الأميركي، يمكن للأوروبيين أن ينتهزوا الفرصة وأن يتحركوا نحو تحقيق مزيد من التكامل.

إلا أن العديد من الحكومات المشككة في البناء الأوروبي وصلت إلى السلطة بأصوات الأوروبيين الذين ضاقوا ذرعاً بالسياسات المتبعة حتى الآن، وخصوصاً إدارة أزمة الهجرة.

وتابعت جوانين أنه “إلى جانب إيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل، لدينا دول أكثر تردداً مثل بولندا والمجر وإيطاليا والنمسا وهولندا”.

الانتظار..؟ تصرُّف اعتباطي

ستجري الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في عام 2020. فهل يمكن للأوروبيين أن يقاطعوا الرئيس الأميركي فيما يراهنون على تحوُّل مفترض في البيت الأبيض؟ قالت فايس إن هذا “سيكون نهجاً غير مسؤول على الإطلاق. ستجدون أنفسكم مرتهنين بشكل كامل للآخرين. وهذا يعني وضع المصير الأوروبي في أيدي الناخبين الأميركيين”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى