منتدى الفكر الاستراتيجي

ما المعايير التي تعتمدها إسرائيل في رسم حدودها مع الفلسطينيين؟

كتاب الدكتور شاؤول اريئيلي الذي لخص بحثاً كبيراً، يفحص -استناداً إلى معطيات وشهادات كثيرة- النقاش بشأن حدود إسرائيل في عملية متطورة طوال الوقت، على ضوء “الحاجة والتأثير المتبادل بين التغيرات الجغرافية التي تحدث في النظام الدولي والإقليمي، وبالأساس المحلي، وبين التغيرات في الفضاء الديمغرافي في اليشوف”. (صفحة 285).

الكتاب فيه ثلاثة فصول أساسية مرتبطة: الأول يناقش تعريف مفهوم الحدود وتطبيقه فعلياً والعبرة التاريخية المرتبطة به، والثاني يستعرض ويحلل خططاً تم على أساسها ترسيم الحدود بين إسرائيل والدول العربية، وأيضاً مسألة النزاع الجغرافي بين إسرائيل والفلسطينيين، مع التركيز على جولات المحادثات بين الطرفين وعلى خطوات أحادية الجانب اتخذتها إسرائيل في هذا السياق؛ أما الفصل الثالث فكرس لتحليل الخلافات الجغرافية بين إسرائيل والفلسطينيين في الوقت الحالي، وهو يلخصه بالتأكيد على… “هناك حاجة إلى الانفصال عن الفلسطينيين بخطوات أحادية الجانب أو متفق عليها من أجل الحفاظ على دولة إسرائيل كدولة ديمقراطية تضم أغلبية يهودية”. (صفحة 286).

الاستنتاج السياسي – الجغرافي القاطع لاريئيلي هو أن الانفصال عن الفلسطينيين هو الطريق لإنشاء حدود لإسرائيل، ويفضل أن يكون ذلك في إطار اتفاق لترسيخها. في الحقيقة، ومن أجل تبني المبادئ المطلوبة لإجراء مفاوضات جغرافية، ثمة احتمالية سياسية ضعيفة، سواء في إسرائيل أو في أوساط الفلسطينيين. (صفحة 248 – 253). ولكن ما زال من الواجب الاعتراف بأن تقسيم الأرض مدار الخلاف التي تقع بين البحر والنهر، مع الاهتمام بالمصالح الأمنية والديمغرافية والاقتصادية، هو الذي سيمكن دولة إسرائيل من تحقيق الروح والرواية التي توجد في أساس وجودها. عملياً، اريئيلي ينتقد الرؤيا التي تقول إنه بعد أكثر من 100 سنة على النزاع المليء بموجات العنف والضحايا الكثيرة، فإن توسعاً كبيراً للمستوطنات في مناطق الضفة الغربية وتآكل الثقة التي لم تكن من البداية كبيرة بين الطرفين، والفشل المتكرر في التوصل إلى خطة للانفصال أو تطبيقه، ورغم عقد تقريباً من الجمود السياسي… فقد تم استنفاد جميع الأفكار التي كان يمكن أن تخطر بالبال ووضعها على جدول الأعمال وعلى طاولة المفاوضات من أجل إحداث انعطافة في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين والدفع قدماً بانفصال مادي.

بعد أن تبين المفهوم المبدئي “التقسيم”، وفي عدد من الحالات التي اتفق عليها فعلياً، فإن الحدود بين إسرائيل ومصر والأردن، وعملياً بين إسرائيل وسوريا ولبنان أيضاً، بقيت مسألة تقسيم فلسطين – أرض إسرائيل الانتدابية، مفتوحة؛ أي ترسيم الحدود بين إسرائيل والضفة الغربية. مفهوم مرافق يشرح سبب عدم رسم حدود بين إسرائيل والفلسطينيين حتى الآن (باستثناء الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة)، هو الخلافات التي بقيت على حالها رغم أن تغييرات مهمة حدثت على مر السنين في مواقف إسرائيل والفلسطينيين حول مخطط الحدود المأمول.

في خطة أنابوليس “2008”، التي تتضمن شكاً في الصيغة التي طرحتها إسرائيل كما يرى الجهاز السياسي في 2020، برزت الموافقة على المكون الجغرافي – حدود 1967، كأساس لترسيم الحدود مع تبادل للأراضي؛ أي: “على قاعدة خطوط 1967”. وليس عبثاً أقيم العائق – جدار الفصل – على هذا الأساس، والذي يشمل اعتبارات سياسية (قرار الأمم المتحدة رقم 242) وديمغرافية (خاصة مستوطنات إسرائيلية على خط التماس وشرقه) وأمنية (الحاجة إلى الدفاع عن هذه المستوطنات، مثلما هو الدفاع عن أرض إسرائيل كلها، من تنفيذ العمليات). الفلسطينيون من ناحيتهم، خاصة “التيار الرئيسي” في م.ت.ف/ السلطة الفلسطينية، الشريك في المفاوضات المستقبلية/ المتجددة مع إسرائيل، لم يعودوا يتمسكون رسمياً بموقف “كل شيء أو لا شيء”. وهذا الموقف التقليدي استُبدل به طلب إقامة دولة على حدود 1967 حرفياً.

ومن أجل تحليل اقتراحات التقسيم والخلافات في السياق الإسرائيلي – الفلسطيني، تم البدء بمناقشة مفهوم الحدود بين الدول والاعتبارات التي واجهت على مر التاريخ تشكيل الحدود حسب دوافع تاريخية وإثنية – ديمغرافية واقتصادية، بالإشارة إلى أمثلة وتأكيدات متغيرة وفقاً للخصائص البارزة في كل حالة. ومثل تحليل الخلاف بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن هذا النقاش مصوغ بمستوى بناء بعيد عن النغمة العاطفية – الأيديولوجية، ويؤكد القيمة متعددة المجالات العملية للفصل بين تجمعات مختلفة ومتعادية. صحيح أن الاستطلاعات النظرية – التاريخية لا تتوسع بخصوص تميز المسألة الإسرائيلية – الفلسطينية في كونها نزاعاً بين دولة و كيان غير دولة على أرض محتلة، ولكن الحديث لا يدور عن فشل، لأن هذا التميز يكرس له بحث اريئيلي جميعه.

إن حجم النقاش في الزاوية الفلسطينية مقلص نسبياً، وكذلك التغيرات التاريخية التي حدثت فيها على المستوى الإعلامي والسياسي، إذا لم يكن على المستوى الاستراتيجي. ولكن الكتاب يصف المواقف الفلسطينية على أنها ردود، بصورة تعكس الفجوة في علاقات القوة بين الطرفين، وبالأساس تركز البحث والاستنتاجات النابعة منه على وجهة النظر والمصالح الإسرائيلية. لا يدور الحديث هنا عن نقص، بل عن تعبير عن خيار واع ومبرر ومنهجي للكاتب.

مع ذلك، رغم حقيقة أن النص جاء شاملاً، سيضطر القراء إلى البحث عن توضيحات أو التوجه إلى مصادر أخرى لمعرفة عدد من المواضيع بشكل أكبر.

في إطار النقاش حول الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، يتم ذكر مفهوم “أراضي دولة”، بالتحديد إزاء الخلاف بين إسرائيل والفلسطينيين ودون فرض القانون الإسرائيلي والضم السياسي والقانوني لقطعة أرض أو أجزاء منها يسأل السؤال: أي دولة؟

إضافة إلى ذلك، في الحقيقة يوجد بين إسرائيل وقطاع غزة حدود، لكن الربط السياسي – المؤسساتي بين القطاع والضفة الغربية مر في السنوات الأخيرة بتغيرات كبيرة. الحديث يدور عن تطبيق “ممر آمن” (تم وصفه بالتفصيل في سياق الاقتراح الإسرائيلي في محادثات أنابوليس)، وعن القدرة على تسوية العلاقات بين المعسكرات المتخاصمة في الساحة السياسية، فتح وحماس، في السنوات الأخيرة يبدو أن الفاصل الجغرافي بين القطاع والضفة، وبكلمات أخرى، كون إسرائيل في الوسط، هو الذي يمنع المواجهات الدموية بينهما. هذا العداء وسياسة الفصل الإسرائيلية والجمود السياسي المتواصل، يمكن أن تكون قد أنشأت واقعاً لن يكون من السهل إعادته إلى الوراء لتطبيق انفصال متفق عليه بين إسرائيل والفلسطينيين وتطبيق حل الدولتين.

مواضيع فلسطينية رئيسية أخرى، التي ليس بالإمكان إقامة تسوية إسرائيلية دون الاتفاق حولها، مثل: مستقبل القدس ومسألة اللاجئين الفلسطينيين. في هذا السياق يشار إلى أن جميع الكتاب يشكل رداً على مسألة ما الذي يسبق.. الترتيبات الأمنية قبل ترسيم الحدود أم ترسيم الحدود من خلال الاهتمام بالاعتبارات والاحتياجات الأمنية.

إن رفض فكرة الفصل بين إسرائيل نفسها والمناطق أو المناطق التي تم احتلالها في 1967، يأتي بذريعة حق الآباء في البلاد، أو لأسباب ضمان عمق استراتيجي – أمني لإسرائيل. التمييز بين تمسك إسرائيل بأراضي الضفة الغربية من جهة كأمر محتم ومرحلة متقدمة في عملية تاريخية، ومن جهة أخرى كرد على الاحتياجات الأمنية، تم توضيحها جيداً في الفصل الأول في الكتاب، قبل أن يتوجه اريئيلي إلى استعراض مخططات رسم الحدود الإسرائيلية، كما اقترحت على مر السنين. علاوة على ذلك، فإن الدمج بين وجهات النظر المختلفة هو الذي أعطاه مكانة رئيسية في أوساط الجمهور اليهودي في البلاد، إلى جانب تفضيلاته السياسية – العملية. ورغم ذلك، هذا التطور الذي يفسر بشكل كبير إسهام إسرائيل في الجمود السياسي المتواصل لا يلغي المنطق الموجود في ادعاءات اريئيلي التي ينهي بها كتابه، المدعومة بأفكار مترابطة في فصوله. حسب هذا الادعاء، فإنه برسم حدود شرقية لإسرائيل تكمن إمكانية واضحة لإمكانية تشكيل واقع وطني وأمني وسياسي واقتصادي مزدهر لها، والاعتراف بذلك يمكن أن يحدث تغييراً في المواقف الذي قد يشكل شرطاً لاتخاذ مواقف من جهة إسرائيل قبل عملية الانفصال.

مخطط الحدود هو موضوع واحد فقط – وإن كان حاسماً، بين المسائل التي سيكون على إسرائيل والفلسطينيين التوصل إلى تفاهمات حولها، إذا أرادوا الدفع قدماً بتسوية متفق عليها. ولكن في إطار البحث عن خطة لتقسيم الفضاء مدار الخلاف سيكون بالإمكان الاستعانة كثيراً بالمخطط الموصوف والمقترح من قبل اريئيلي. أفضليته تكمن في اهتمامه بالتطورات الديمغرافية التي حدثت على الأرض نفسها، والتي سجلت في الساحة الجيوسياسية ذات الصلة خلال عشرات السنين الأخيرة، وبأنها موجهة على أيدي جهود تقليص الإضرار بنسيج الحياة وازدهار السكان في جانبي الحدود على المدى القريب والمدى البعيد.

تقدير إستراتيجي – معهد بحوث الأمن القومي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى