منوعات

سيارات طائرة فشلت في الأرض والسماء

في عام 1940، قال هنري فورد: “تذكروا قولي هذا جيداً: إن توليفة طائرة مع سيارة متحركة لآتية على الطريق”. ويبدو أنه كان على حق مع اقتراب ظهور سيارات الأجرة الطائرة على ما يبدو، ولكن يا له من انتظار! فبعد مرور 8 عقود على جملته تلك، ما زلنا نقول: “يا رجل، أين سيارتي الطائرة؟”، كناية عن أي اختراع وعدونا “هم” به ولم نحصل عليه بعد.

لطالما أردنا أن نطير؛ ولذا ما إن ظهرت السيارات في مشهد حياتنا حتى أردنا أن تطير هي الأخرى؛ لدرجة أن أولى المسودات لشبكة الطرق الأميركية السريعة الواصلة بين الولايات كانت ترسم مدارج طيران موازية لتلك الطرق؛ لتكون جاهزة للسيارات الطائرة، بيد أن هذه الأخيرة لم تأتِ قط  حتى يومنا هذا. الآن صار مفهوم “السيارة الطائرة” بالياً أو ساذجاً، كأنه حلم عتيق من حقبة القرن العشرين تغذى على عقود من أفلام الخيال العلمي ومسلسل Jetsons الكرتوني.

لقد علمنا التاريخ أن المركبات متعددة الاستعمالات موضة بالية، فالتصميم المثالي للطائرة لا يناسب تصميم السيارة، والعكس صحيح. ومحاولة دمج الاثنين معاً –كما يقول مستشار التصميم البريطاني بيتر ستيفنس– “توفيق يضعف من طبيعة الاثنين”، وهو درس قاسٍ تعلمناه عن طريق تجاربنا.

لماذا لا تسير المركبات على سطح البحر

على سبيل المثال، النموذج المتهور الذي أُنتج عام 1947 باسم The Convair Model 118 والذي ليس سوى سيارة بجناحي طائرة مركَّبين عليها من فوق. عانى ذلك النموذج كثيراً ليقلع بصعوبة في الجو بعد تعثر وشد وجذب مضنٍ، في مرتين تسببتا في بنتائج وخيمة. إن في ذلك النموذج الفاشل الفرانكنشتايني لمثالاً صارخاً يبين لماذا حافلات النقل ليست برمائية ولماذا الغواصات المائية لا تطير.

مع ذلك، قلائل هم من لا يريدون مركبة سيارة طائرة مريحة وعملية وتمنحك الحرية. المروحيات لا تفي بالغرض، ولا الطائرات المسموح لها بالقيادة على الطرق، فهذه الفكرة ظلت تراود الأذهان منذ موديل AeroCar الجميل، لكن المتعب والمتطلِب من زمن الخمسينيات.

يتفق الجميع عموماً على أن البيئة المدنية لا يمكنها أن تضم مدارج طيران؛ لذا ينبغي لسياراتنا أن تتحلى بميزة إقلاع وهبوط هادئ ثابت وعمودي  VTOL، وهي ميزة ثبت أنها ليست سهلة على الإطلاق حسبما وجد المخضرم بول مولر صاحب اختراع SkyCar، الذي قال: “لا شيء يهبط أسرع من مركبة VTOL ذات الإقلاع والهبوط العمودي”.

حالياً يتطلب هذا النموذج مراوح من نوع معين، لكن مركبة شخصية ديكارد في فيلم Blade Runner لم تبدُ قط عملاقة الحجم. كذلك أي شيء مزودٌ بمحركات نفاثة على الجناحين سوف يبدو كطائرة، وإلى جانب هذا فلا أحد يريد سماع إزعاج هدير المحركات الصاخبة تقلع وتهبط عند الجيران. أضف إلى ذلك أن مركبات VTOL  تستهلك الوقود بشراهة؛ لغياب وسيلة جديدة لرفع المركبة باتجاه الأعلى، فنحن ما زلنا نعتمد على دفع الكثير من الهواء باتجاه الأسفل.

حوادث في الجو

لو وضعنا المسائل التقنية جانباً، نجد أن الجميع من دون استثناء، سيريدون اقتناء سيارة طائرة في أي مستقبل عاجل أم آجل. لكننا نعيش رعب الحوادث الطرقية واصطدام عدة مركبات بعضها ببعض ونحن نقود على الطرق المسطحة، ونحن في غنى عن زيادة الرعب ضعفين بإضافة بُعد ثالث للطرقات. من أجل ذلك، قد لا يعطى الإذن سوى لمركبات الشرطة وغيرها من مركبات الإسعاف والطوارئ، مثلما هو الحال في فيلم Blade Runner.

إذاً لن تكون طياراً؛ بل ستكون راكباً في مركبة متصلة بنظام  GPS معقد، مركبة فائقة الذكاء الاصطناعي تقود نفسها بنفسها، في مفهوم جديد كلياً لقيادة الطرق الجوية.

كل هذا صعب المنال، بيد أنه ليس مستحيلاً.

“أوبر” تسعى للانطلاق جواً

 شركة أوبر تتفاوض لتوها على البنية التحتية للتقنية والسلامة في أبحاثها الجارية على مشروع  Elevate الذي يعتبر جيلاً جديداً من سيارات أجرة جوية كهربائية مستقلة بتقنية VTOL بلا طيار، من المزمع إطلاقها عام 2020 في دبي وغيرها من المدن من بعدها. يرسم المشروع وجه موانئ جوية عمودية في وسط المدن، تديرها مراكز ملاحة جوية محسنة. يتبارى مشروع Elevate  مع تاكسي Kitty Hawk الجوي الذي طوره لاري بيج، ومع مشروع Ehang الصيني، ومشروع Volocopter  من شركة e-volo  الألمانية ومشروع Vahana  من إنتاج “إيرباص”.

قد تضم الطرق الملاحية التي ستتحكم فيها هذه المشاريع بعض النماذج التي سنأتي الآن على ذكرها، والتي يشبه بعضها السيارة، فيما البعض الآخر لا يمت إليها بِصلة.

 jetsons يتحول إلى حقيقة

Terrefugia’s Transition هي نموذج هنري فورد الذي يدمج الطائرة بالسيارة المتحركة. تقول الشركة الأميركية التي مقرها ولاية ماساتشوستس، إنها “السيارة الطائرة العملية الأولى في العالم… التي تجعل من حلم فيلم Jetsons الكرتوني حقيقة”. وعلى سبيل المثال، نموذج Transition الذي  يبدو كطيارة ويقلع من على مدرج طيران، ويشعرك بأنك ما زلت بحاجة لتكون طياراً ولمطارٍ لكي تتمكن من الإقلاع.

باختصار، إن هذه طائرة فعلية، إلا أنها تحمل الإذن بالسير على الطرقات؛ لأن جناحيها قابلان للطي مثل عصا معدنية. كذلك وبسعر هذا النموذج البالغ 230 ألف جنيه إسترليني (أكثر من 300 ألف دولار أميركي) تستطيع شراء طائرة وسيارة جميلة. وسوف يُطرح هذا النموذج للبيع عام 2019.

نموذج Pal V-One هو أشبه بدراجة Sinclair C5، لكنها محسنة أكثر طرقياً، بيد أنها تحتاج لتفرد عصي مروحيات ثقيلة وغليظة كالهليكوبتر، كما ستحتاج لمدرج طيران كي تقلع. يعني باختصار الجواب هو لا.

نموذج AeroMobil السلوفاكي لسيارة طائرة جذابة يبدو صاحب أفضل الحظوظ، فهو خفيف الوزن وذو أجنحة ذات أنسجة كربونية قابلة للطي. بيد أنه هو الآخر بحاجة لمدرج طيران كي يستخدم إما كسيارة وإما كطائرة. إنه نموذج جميل إن كنت تعيش في الخلاء والفلا، أما إن لم تكن كذلك فالأجدر بك شراء مركبتين: سيارة وطائرة.

تعمل شركة تويوتا على تطوير سيارة طائرة يتم التحكم بها بالحاسوب بتقنية VTOL كهربائية كلياً. يبدو هذا النموذج حالياً مثل مجففات شعر مثبتة على لوح، ولكن لا تراهن ضد استعراض تويوتا لاختراع مذهل في أولمبياد طوكيو عام 2020.

الدبابة الطائرة خطة ليست بعيدة

شركة Urban Aeronautics الإسرائيلية تستخدم نظاماً مروحياً مغلقاً أكثر جمالاً وأناقة على عربتها Fancraft اللاجناحية وذات التحكم بالحاسوب، التي هي “الرؤية الكلاسيكية للسيارة الطائرة” (أو بالأحرى الطائرة الحوامة). وقد أخذ الجيش الإسرائيلي هذه التقنية ليصنع منها عربة أكثر شراً هي دبابة طائرة يطلق عليها اسم AirMule، تُستخدم لعمليات البحث والإنقاذ التي لا تناسبها طائرات الهليكوبتر. سهلٌ تخيُّلُ الشرطة تطاردنا جواً بواحدة من هذه في غضون عقد من الزمن.

أما جائزة المرتبة الأولى، فيظفر بها نموذجان هما Terrefugia TF-X الكهربائية كلياً ذات ميزة VTOL والذكاء الاصطناعي، التي تبدو كالسيارة التي في مخيلتك، بيد أنها للأسف تفصلها عنا 10 سنوات؛ والنموذج الآخر هو Lilium Jet الانسيابية الجذابة، التي هي أول نفاثة كهربائية VTOL  في العالم حسبما تزعم الشركة التقنية الألمانية، التي تضيف أنها أسرع من هيليكوبتر وأهدأ من Harrier jump jet العسكرية النفاثة، حتى إنها تشبه السيارة قليلاً.

أخيراً، ينبغي ألا يمر موضوع السيارات الطائرة دون أن نمنح جائزة شرف بطولية لبول مولر وعربته Volantor الأنيقة التي هي سيارة تشبه الطائرة بتقنية VTOL، أبصرت النور عام 1965 مثل صحن طائر قابل للقيادة، والآن بعد 50 عاماً ما زال المشروع ينتظر الاستثمار.

قد يتوقف الأمر على الوقت الذي سوف يصبح فيه التنقل الطرقي ذكرى قديمة من الماضي، وهو أمر يبدو وشيكاً مثلما يظهر لنا من تقنيات Uber وأن تقنيته ستصبح قريبة جداً.

لو وضعنا العوائق القانونية التنظيمية جانباً فلعلنا نرى طائرات VTOL تحلّق فوق مدننا قريباً جداً… ولكن، هل سيسمحون لك بقيادة إحداها؟ هذا أمر مختلف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى