من التاريخ

تعرَّف على حرب الأفيون بين بريطانيا والصين

منذ ما يقرب من 180 عاماً، وتحديداً في عام 1840، دخلت بريطانيا في حرب مدمرة مع الصين. السبب المُعلن كان التجارة والدبلوماسية والكرامة الوطنية، لكن السبب الحقيقي كان تهريب المخدرات وإجبار الصين على استيراد الأفيون البريطاني..

وفي الوقت الذي حاول فيه المسؤولون البريطانيون التقليل من الأصول غير المشروعة للنزاع، كان الأمر واضحاً للجميع، وهو ما جعل المعارضين يعطون هذه الحرب اسم «حرب الأفيون».

نتعرف في هذا التقرير على حرب الأفيون بين بريطانيا والصين.

جذور حرب الأفيون

تكمن جذور حرب الأفيون (أو حرب الصين الأولى) في النزاع التجاري بين بريطانيا وسلالة تشينج الصينية، فقد كانت حرب الأفيون رمزاً لعصر حاولت فيه القوى الغربية الوصول من دون قيود إلى المنتجات والأسواق الصينية للتجارة الأوروبية والأمريكية.

سعى التجار الغربيون، ومن ضمنهم تجار الولايات المتحدة، إلى الحصول على مجموعة متنوعة من المنتجات الصينية، مثل الأثاث والحرير والشاي، لكنهم وجدوا أن هناك قليلاً من المنتجات التي تريدها الصين من الغرب.

كانت الصين مجتمعاً شديد الانغلاق على نفسه ولا يرحب بالدخلاء عليه، إلا في أضيق الأحوال التي تعود على الصينيين بالنفع المادي.

بدأت التجارة الأمريكية مع الصين في وقت مبكر من عام 1784، بالاعتماد على صادرات أمريكا الشمالية مثل الفراء وخشب الصندل، ولكن الاهتمام الأمريكي بالمنتجات الصينية سرعان ما تفوق على شهية الصينيين لهذه الصادرات الأمريكية.

كانت الأزمة ذاتها تواجه بريطانيا أيضاً، فقد كانت تجارة السلع الصينية مثل الشاي والحرير والخزف، مُربحة للغاية للتجار البريطانيين.

زاد إقبال البريطانيين على الشاي الصيني بشكل كبير، حتى إنّ عُشر الضرائب التي كانت تجنيها الحكومة البريطانية من مواطنيها كان ينتج من استهلاك وبيع الشاي الصيني.

لكن الصينيين لم يشتروا المنتجات البريطانية في المقابل، وهو ما جعل التجار البريطانيين يشترون السلع مقابل الفضة ولا يبيعون شيئاً يُذكر، ونتيجة لذلك غادرت كميات كبيرة من الفضة بريطانيا.

من أجل وقف ذلك، اكتشف البريطانيون سوقاً كبيراً في جنوب الصين للأفيون المُهرَّب، فكانوا يقومون برشوة المسؤولين عن مرفأ «كانتون» الصيني، مقابل إدخال مزيد ومزيد من صناديق الأفيون، وسرعان ما تحول التجار الأمريكيون أيضاً إلى الأفيون، لاستكمال صادراتهم إلى الصين.

في هذا الوقت، أمرت شركة الهند الشرقية البريطانية بزراعة الأفيون على نطاق واسع في أنحاء الهند كافة، ومن ثمّ توريده إلى الصين، وبدأت الشركة وغيرها من التجار البريطانيين تهريب الأفيون الهندي إلى الصين بطريقة غير مشروعة، وطالبوا بدفع المُقابل من الفضة، ثم استخدموه لشراء الشاي وغيره من السلع.

كانت تجارة الأفيون المتزايدة مع القوى الغربية تعني أنه و لأول مرة، تستورد الصين بضائع أكثر من صادراتها، وقد أدت تسوية هذه المشكلة المالية في النهاية إلى حرب الأفيون الأولى بين بريطانيا العظمى والصين.

استمرت من عام 1839 إلى عام 1842، وسعى البريطانيون خلالها للحصول على امتيازات في الصين، وإجبار سلالة تشينج الحاكمة، على تقديم تنازلات وقبول التدخل البريطاني في شؤونها الاقتصادية والاجتماعية.

المقاومة الصينية للأفيون قبل الحرب

على الرغم من أن الأفيون تم تقديره كدواء يمكن أن يُخفف الألم ويساعد على النوم ويُقلل من التوتر، فإنه بحلول عام 1840 كان هناك ملايين من المدمنين في الصين، وبدأت مشاكل الإدمان تدمر المجتمع الصيني.

بلغ عدد المدمنين عام 1838 أكثر من 12 مليون مدمن، بالإضافة إلى أن واردات الأفيون غير المشروعة كانت تؤدي إلى تآكل الربح الصيني من التجارة.

من أجل هذا بدأت الصين تتخذ خطوات جديّة لوقف هذه التجارة، فأصدر الإمبراطور الصيني عام 1829 قراراً بحظر أنواع تجارة الأفيون كافة، وأمر بإعدام أي صيني يثبت تورطه في هذه التجارة، لكن هذا لم يكن كافياً لوضع حدّ للأمر.

أرسل الإمبراطور الصيني أحد أقرب رجاله إلى مرفأ كانتون، ليقوم بعملية تطهير واسعة للمرفأ، وطالب مندوبي شركة الهند الشرقية بتسليم الصناديق كافةً التي كانت بحوزتهم، إلا أن طلبه قوبل بالرفض، فاضطر إلى محاصرة المرفأ.

استسلم المندوبون في نهاية الأمر، وسلّموا مخزون الأفيون، فتم حرقه في حفل كبير؛ وقد أدى هذا إلى غضب البريطانيين، وكان الحادثَ الذي أثار الصراع.

تقدُّم البريطانيين في الحرب

شعرت الحكومة البريطانية بالإهانة بشدة بسبب تدمير الأفيون، واعتبرته علامة على العداء. بعث لين، القائد الصيني الذي تولى حرق الأفيون، برسالة إلى الملكة فيكتوريا، لمحاولة حل المسألة، ولإعلام البريطانيين بأنه يمكنهم التوقيع على وثيقة مختلفة تسمح لهم بالتداول بِحرية في مصب Bogue، تحت إشراف شديد من قلعة Chuenpo.

لكن البريطانيين رفضوا العرض وأرسلوا سفناً حربية وجنوداً إلى الصين.

وصلت القوات في يونيو/حزيران من عام 1840، وبدأت تهاجم القرى الساحلية، بقيادة العميد البحري السير جوردون بريمر، الذي بدأ في إحراز انتصاراته العسكرية.

ونتيجة لفقر العتاد والسلاح لدى الصينيين، استطاع البريطانيون التقدم وتسجيل الانتصارات.

قاومت الجيوش الصينية ببسالة، لكنها لم تكن مجهزة أو منظمة بشكل جيد.

انتقل البريطانيون شمالاً واستولوا على أموي في الفترة من 26 إلى 27 أغسطس 1841، وأعادوا امتلاك تشوسون، التي كانت أُعيدت سابقاً إلى الصينيين، ثم تم الاستيلاء على تشينغهاي، وهي مقاطعة صينية تقع بالغرب الأوسط من البلاد، في 10 أكتوبر/تشرين اﻷول، مُقابل مقتل ثلاثة من البريطانيين وسقوط 16 جريحاً من قبلهم.

استمر البريطانيون في التحرك بمواجهة مقاومة صينية شجاعة، فقد استسلم كثير من الصينيين فقط بعد خرق دفاعاتهم وإحراق حاوياتهم بالصواريخ.

رفض الصينيون التراجع، وتقدَّم البريطانيون حتى نهر اللؤلؤ، الذي يقع مصبّه في بحر الصين الجنوبي بين ماكاو وهونغ كونغ، وتم إرسال وحدة عسكرية مُعززة، للاستيلاء على ميناء كانتون في 27 مايو 1841.

وقتها سمح الاحتلال البريطاني للموانئ بإعادة تجارة الأفيون، ولم يبذل التجار أي محاولة للاختباء في أثناء تهريب المخدرات إلى الشاطئ، ونُشرت أسعار الأفيون علناً.

معاهدة نانجينغ

انتهت الحرب في 17 أغسطس 1842، بعد عقد معاهدة نانجينغ التي مكَّنت البريطانيين من «الاستمرار في معاملاتهم التجارية مع أي شخص يحلو لهم»، وألزمت المعاهدة الصينيين بالتجارة الحرة.

سعى المفاوضون الأمريكيون إلى إبرام معاهدة مماثلة مع الصينيين، لكي تضمن الولايات المتحدة عديداً من المزايا التي أصبحت ممنوحة للبريطانيين في الصين، وقد وافق الصينيون بسهولة؛ في محاولة لإبقاء جميع الأجانب على قدم المساواة.

مثلت معاهدة نانجينغ نهاية حرب الأفيون الأولى، وكانت المعاهدةَ الأولى في سلسلة معاهدات غير متكافئة استهدفت الصين.

لم تقدم المملكة المتحدة أيّ تنازلات في المعاهدة، وتم التنازل عن هونغ كونغ لبريطانيا، وأجبرت تسوية الحرب على فتح الموانئ الصينية أمام جميع التجار، كما دفع الصينيون أيضاً مبالغ مالية كبيرة تعويضاً عن كميات الأفيون الضخمة التي تم حرقها.

وبدأ ما تسميه الصين «قرن الإذلال»، عندما أجبرت القوى الأجنبية الحكومات الصينية الضعيفة على التنازل عن الأراضي، والتوقيع على معاهدات غير متكافئة.

السهولة التي هزم بها البريطانيون الجيوش الصينية أثرت بشكل خطير في مكانة أسرة تشينج، وهو ما أسهم في تمرد تايبينج، الذي كان عبارة عن حرب أهلية واسعة النطاق في جنوب الصين.

امتدت الحرب من سنة 1850 إلى سنة 1864، أما بالنسبة إلى المنتصرين، فقد مهدت حرب الأفيون الطريق لفتح السوق الصيني الذي كان مُغلقاً وعصيّاً عليهم.

حرب الأفيون الثانية

في منتصف القرن التاسع عشر سعت بريطانيا إلى الحصول على مزيد من الامتيازات التجارية، ليشهد العالم بعد أقل من 15 عاماً، اندلاع حرب الأفيون الثانية التي شنتها بريطانيا وفرنسا ضد الصين في الفترة من 1856 إلى 1860.

قررت فرنسا حينئذ الانضمام إلى صف بريطانيا، متذرعة بمقتل مبشّر فرنسي بالصين في أوائل ذلك العالم.

وفي يونيو عام 1858، تم توقيع اتفاقية تيانجين التي فرضت إقامة مبعوثين للدول الغربية في بكين، وفتح عديد من الموانئ أمام الغربيين للإقامة والتجارة، والسماح بسفر الأجانب إلى داخل الصين، وحرية التبشير.

وفي ملحق هذه الاتفاقية الذي تم إبرامه في أواخر العام نفسه، تم أيضاً تشريع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى