من التاريخ

ماذا تعرف عن حضارة “العلا” وأسرارها الغامضة؟

بدأت بعثة أثرية عالمية جديدة العمل مؤخراً في المملكة العربية السعودية، وتحديداً في موقع العلا التراثي، والهدف من عملها هو فهم بعض الحضارات المفقودة منذ فترة طويلة.

ولا شكّ أن موقع العلا كان ذات يوم مدينة مهمة احتضنت ثلاث ثقافات من تلك التي كانت موجودة في فترة ما قبل الإسلام. ومن المتوقع أن يقدم هذا المشروع رؤى جديدة حول التاريخ المبكر للشرق الأوسط، وفق ما ذكره موقع Ancient Origins الأيرلندي.

موقع العلا التراثي

موقع العلا التراثي

موقع العلا التراثي

العلا، أو مدائن صالح، هو موقع تراثي ضخم يمتد على مساحة شاسعة من الأفدنة في الجبال الشمالية الغربية من المملكة العربية السعودية، ويتبع إدارياً لمنطقة المدينة المنورة، ويبعُد عنها حوالي 300 كيلومتر شمالاً.

وعُرفت العلا بعاصمة الآثار وبلد الحضارات، وسمَّاها أهلُها “عروس الجبال”، وعلى مقربة منها تقع مدائن صالح أو قرى صالح أو الحِجر، وهي تسميّات تُطلَق على مكانِ قومِ ثمودٍ والأنباط، حيث مقابرهم المنحوتة في الجبال، التي تُعرف عند أهل المنطقة بالقصور لروعة النحت وجماله.

كما سُمِّيت العلا قديماً بوادي القرى، وديدان، وتاريخها يعود إلى ما قبل الميلاد بآلاف السنين، مرت بها حضارات عدة، ويُروى أنَّ تسميتها بالعلا نسبة إلى عينين مشهورتين بالماء العذب، عُرفت بهما، وهما “المعلق وتدعل”.

كما تحوي المدينة آثاراً عظيمة، بعضها ظاهرة وبعضها مدفونة تحت الأرض، وبها آثار موغلة في القدم، كما فيها بقايا الكثير من المعابد والتماثيل التي تعود إلى عصر اللحيانيين عام 900 قبل الميلاد.

طريقٌ للقوافل التجارية

تاريخياً كانت العلا تقع في قلب العديد من الطرق التجارية القديمة التي اجتازت الصحراء، وكانت ذات أهمية خاصة في تجارة اللبان البدوي.

وقد جلبت هذه الخلطة من اليمن ووزعت في جميع أنحاء الشرق الأدنى والبحر المتوسط انطلاقاً من العلا.

وقد أشارت شبكة Archaeology News Network إلى أن “انتشار الواحات في المنطقة قد وفَّر استراحةً تشتد إليها حاجة المسافرين المُرهَقين، وأصبحت مكاناً شهيراً للراحة والتقاء التجار وإعادة الشحن”. لهذا السبب احتلت العديد من الحضارات هذا الموقع، وبناء على بقاياه المدهشة يمكن القول إنه كان غنياً جداً.

عاش بها الثموديون والمعينيون

أشار شوقي ضيف في كتابه “العصر الجاهلي في الأدب العربي” إلى أنَّ منطقة غرب الجزيرة العربيّة كانت في فترة من الفترات قبل الميلاد خاضعة لنفوذ الآشوريين، الذين دائماً ما كان ملوكهم يتفاخرون بالانتصار على الثموديين الذين كانوا يقيمون في العلا ومدائن صالح.

كما ذكر الكتاب نفسه أنّه تم اكتشاف نقوش آرامية في منطقة تيماء شمال مدائن صالح، تدل على أنها قامت فيها مستعمرة آرامية تجارية في القرن الخامس قبل الميلاد، إضافة إلى نقوش أخرى تدل على أن المعينيين كانوا يعيشون في العلا، وكانت تُسمى حينها بمعين مصران، وسكانها كانوا من عرب الجنوب، وقد نقلوا إليها عباداتهم وهياكلهم المقدسة، وظلوا نشيطين بالتجارة حتى جاءت الدولة النبطية.

الفتح النبطي

كانت العلا مركزاً حضرياً مهماً لكثير من الحضارات، منها هي الدادانية واللحيانية والنبطية، وكانت مملكة دادان من أوائل المجتمعات الحضرية في شبه الجزيرة العربية، وربما قد ذُكرت في العهد القديم.

لكنها انهارت بشكل غامض، وخلفتها مملكة لحيان، والتي غالباً ما يُنظر إليها باعتبارها تطوراً لاحقاً للثقافة الدادانية.

وفي القرن الأول قبل الميلاد، يبدو أن الأنباط من الأردن الحديث قد غزوا العلا واللحيانيين. وقد حوَّلوا المستوطنة إلى مدينة جميلة أُطلق على آثارها الحالية بتراء السعودية، وهي إشارة إلى المدينة النبطية، التي تعد أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو.

وعندما غزا الإمبراطور الروماني تراجان المملكة النبطية في عام 106 بعد الميلاد، استعاد اللحيانيون استقلالهم، حيث يعيش أحفادهم في المنطقة الواقعة بين جدة ومكة حتى يومنا هذا.

لماذا هُجرت المدينة؟

سيركز المشروع الجديد على تنقيب على المقابر والمعابد، وغيرها من الأمثلة على الهندسة المعمارية الأثرية لدى الدادانيين، للحصول على أدلة جديدة على أسباب انهيار الثقافة الدادانية وهرب سكانها.

كما ستبحث بعثة التنقيب أيضاً في العديد من المواقع النبطية في المنطقة، إذ كانت العلا ثاني مدن المملكة النبطية، وهي موقع العديد من المقابر المذهلة، والعديد منها قد حُفر في الصخور. وسيفحص الفريق أيضاً “ما يسمى بالقلعة الإسلامية”، التي بُنيت على ما يبدو عندما أعيد احتلال دادان في وقت ما، بحسب تقرير The National.

ألغاز أثرية

كما أن مدينة العلا غنية بالكنوز الأثرية منذ عدة قرون، ما يجعلها فريدة من نوعها، ومن المأمول أيضاً أن تساعد أعمال التنقيب الخبراء على فهم العلاقة بين اللحيانيين والنبطيين. وقد أفادت Arab News أن مشروع التنقيب في العلا “يمكن أن يسلط الضوء على دورها في قلب طريق التجارة الداخلية القديم”. ويمكنه أيضاً الكشف عن الكثير من التاريخ الاقتصادي لمنطقة المشرق العربي والمناطق المجاورة.

ويمكن للمشروع الدولي أن يساعد في حل العديد من الألغاز حول التاريخ المبكر لشبه الجزيرة العربية والشرق الأدنى، وخاصة لماذا اختفى الدادانيون فجأة. وسيساعد هذا المشروع الأثري الضخم في تدريب جيل جديد من علماء الآثار المحليين.

الآثار الموجودة في منطقة العلا ومدائن صالح

في العلا ومدائن صالح الكثير من الآثار المكتشفة، وأخرى لا تزال تنتظر الكشف عنها، وتتمثل هذه الآثار في أماكن العبادة والنقوش الصخرية التي تركها الأقوام المتعاقبون، وهي آثار ثمودية ولحيانية ونبطية.

وبلغ عدد المدافن بمدائن صالح 131 مدفناً، وتقع جميعها في الفترة من العام الأول قبل الميلاد إلى العام 75 ميلادياً، وهي تحمل ملامح فنية رائعة وغاية في الجمال، فالمقبرة عند أصحاب الحجر لصاحبها وأسرته جيلاً بعد جيل، كما نحت أعلاها لوحة سَجّل عليها وصيته، وأن هذه المقبرة تخصه وتخص عائلته، وتعد آثار الحجر من أبرز وأهم المواقع الأثرية في العالم.

ومن الآثار المميزة أيضاً في المنطقة:

  • قصر فريد، وسُمي بهذا الاسم لانفراده بكتلة صخرية ضخمة مستقلة، وكذلك لانفراده بواجهة كبيرة ومميزة.
  • قصر البنت الذي يقع في منطقة الخريمات، ويشمل هذا الموقع إضافة لقصر البنت مجموعةً من المدافن.
  • قصر العجوز الذي يحتل كتلة صخرية مستقلة وسط الرمال، ذو واجهة شمالية تُشبة واجهة الديوان.
  • الديوان أو مجلس السلطان، وهو معبد نبطي عبارة عن مستطيل غير منظم، نُحت داخل الصخر، وكان يُستخدم لممارسة الطقوس الدينية، ويصل طول تلك الغرفة إلى 12.80 متر.
  • محلب الناقة، وهو حوض حجري كبير يُعرف بـ”محلب الناقة”، أي ناقة صالح، بينما هو في حقيقة أمره -وكما ذكر علماء الآثار- مجرد بقايا معبد نبطي قديم وليس محلب الناقة.
  • مقابر الأسود، نسبة للمخلوقات المنحوتة أعلى بعضها، والتي تشبه الأسود، وتضم هذه المدافن 21 قبراً، وهي مقابر لحيانية.
  • إضافة إلى جبل عكمة، الذي يقع في أعلاه معبد قديم، والمابيات وهي إحدى أقدم المستوطنات في العالم، والمزحم وهو عبارة عن ممر ضيق تروي الأساطير أنه المكان الذي عقرت فيه الناقة.

الآثار الإسلامية في العلا

في العلا آثار إسلامية قديمة تبدأ من السنة السابعة للهجرة، حيث مرّ بها سيدنا مُحمّد وصلى بها، كما أقام موسى بن نصير فيها قلعته أعلى جبل وسط العلا، وكذلك أثار سكة حديد حجاج الشام.

ومن الآثار المميزة أيضاً في المنطقة:

  • محطة سكة حديد الحجاز، وهي مكونة من عدة محطات على خط سكة حديد الحجاز، التي تربطها ببلاد الشام مروراً بمدينة تبوك.
  • قلعة الحجر الإسلامية، التي ورد ذكرها في رواية المقدسي، وقد بناها العثمانيون سنة 1375 كاستراحة للحجاج.
  • البلدة القديمة (الإسلامية) وتقع وسط محافظة العلا، ويقطنها ما يقارب 60 ألف نسمة حالياً، ويعود تاريخ إنشائها لبدايات العصر الإسلامي، وهي إحدى 3 مدن إسلامية في العالم أجمع مازالت باقية.
  • الساعة الشمسية “الطنطورة”، والتي تقع جنوب البلدة الإسلامية، وهي عبارة عن بناء هرمي الشكل، وتستخدم لمعرفة دخول الفصول الأربعة، وخاصة دخول فصل الشتاء، وذلك عن طريق حجر مغروس في الأرض أمام البناء الهرمي، حيث يصل ظل الساعة الشمسية إلى هذا الحجر في اليوم الأول لدخول فصل الشتاء، في 21 من ديسمبر، ولا يمكن أن يصل ظل الساعة الشمسية إلى هذا الحجر مرة أخرى إلا في العام القادم، وفي نفس التاريخ، ولا تزال تُستخدم حتى اليوم، حيث يستمتع الكثير من الزوار والسياح بمشاهدة هذا الحدث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى