وجوه

الجاسوس عزام عزام سرّب معلومات للموساد عبر ملابس نسائية وجنّد 11 عاملاً لصالح إسرائيل

في العام 2004 وفي بلدة المغار ذات الأغلبية الدرزية، أقام الإسرائيليون استقبالاً حافلاً لمن اعتبرته مصر جاسوساً وقدّمته للمحاكمة.. إنها قصة الجاسوس عزام عزام.

بفرحٍ عارم وبالطبول والغناء والرقص، احتفل الإسرائيليون باختصار سنوات سجن الجاسوس الإسرائيلي في مصر من 15 عاماً إلى أقل من 8 أعوام.

وسط الجموع كانت تقف زوجته أمل تحادث ابنها هاتفياً أمام الكاميرات لتتأكد منه أن زوجها قد خرج من محبسه، تعود الكاميرات لتوثِّق لحظة الإفراج عنه، وتسأله عمّا إذا كان قد توقَّع الإفراج عنه، «أنا كنت ميّت، شارون وحكومة شارون أحيُوني من جديد».

وقف عزام عزام مُخاطباً الحشود التي تجمَّعت لتحتفل بالإفراج عنه، في إسرائيل يُعد الأمر نصراً عارماً، حيث استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارونمواطنه المُفرَج عنه بحميميّةٍ لا تخطئها الكاميرات.

عزام عزام

وأمام الكاميرات التلفزيونية أيضاً يقف عزام بعد أن تسلَّمته إسرائيل قائلاً، «أنا بتكلم مصري كويس جداً؛ لأن المثل بيقول اللي بيقعد مع القوم 40 يوم بيبقى منهم أو بيرحل عنهم، وأنا لم يكن أمامي حل سوى أن أكون منهم ولو مؤقتاً، والآن رجعت لطبيعتي ولأرضي ولوطني»، لكن من هو عزام عزام؟

جندي إسرائيلي وعامل في مصنع نسيج

وُلد عزام في العام 1968 في قرية المغار شمال فلسطين المُحتلة، وينحدر من طائفة الدروز الموحدين بإسرائيل، وكان يقطن في القرية التي وُلد بها والتي تبعد عن القدس نحو 160 كيلومتراً، وبعد أن أنهى عزام خدمته العسكرية في العام 1987، بدأ العمل في شركة إسرائيلية للنسيج، وهو أبٌ لأربعة أولاد وله أشقاء ستة يحتل بينهم المرتبة قبل الأخيرة من حيث السن.

عزام يصل إلى مصر

عربي مُسلم، لكنه إسرائيلي الجنسية، لم يُكمل تعليمه والتحق بإحدى المدارس الفنيّة الصناعية، وبالفعل تعلم الميكانيكا بمساعدة أخيه، وعمل في مصانع النسيج الخاصة بالملابس النسائية الداخلية، إذ كان يقوم بإجراء الإصلاحات الميكانيكية للماكينات وعمل الصيانة الدورية لها.

كان هذا مدخلاً لتواجده في مصر، فبعد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في 1979، كانت هناك رغبة في التطبيع، والذي كان يجب أن يمر على مجموعة من المراحل التدريجية في المجالات المُختلفة، الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها من المجالات.

بدأ عزام تواجده في مصر في العام 1996، وكان يُقيم بأحد فنادق مصر الجديدة في العاصمة القاهرة.

كان المُعلن لعزام أنه أتى من أجل العمل في مصانع الغزل والنسيج، أما العمل الحقيقيّ الذي أتى به فكان التجسس، ومحاولة تجنيد مصريين للحصول على معلوماتٍ معينة.

وعليه اختار 11 عاملاً ليتم تدريبهم في إسرائيل، وبالفعل ذهب العمَّال إلى هناك للتدريب على الماكينات الحديثة ، والتي سيعودون ليعملوا عليها في مصر.

ومن هنا بدأت الحكاية؛ من بين العمال الـ 11 كان أحدهم كثير الحديث عن رغبته في العيش بإسرائيل والزواج فيها، كان عماد إسماعيل يصرح دائماً برغبته في التحرر من أزماته لذلك كان طُعماً جيداً لعزام.

عزام عزام

عماد إسماعيل.. شريكه المصري وضالته المنشودة

كان عماد عاملاً ريفياً بسيطاً لا يختلف عن زملائه شيئاً عدا رغبته الدائمة والمستمرة في السفر إلى الخارج.

في المصنع الذي كان عماد يتلقَّى تدريبه فيه بإسرائيل تعرّف على فتاة إسرائيلية تدعى عُلا، عرض عليها عماد الزواج وكان يُغريها بالحصول على الجنسية المصرية بعد زواجها من مصري، وكان رد عُلا على عماد أن عائلتها لن تقبل بهذا، وبالفعل تم نقل عماد إلى مصنع آخر في منطقة عين الأسد بعدما علمت مُشرفة العمال في المصنع الأول عن العلاقة بينهما.

في المصنع الثاني يتعرَّف عماد على شادية، مُشرفة العمّال، التي ستكون سبباً في تعرُّفه على زهرة جريس ومنى شواهنة الإسرائيليتين، وبدأت علاقة زهرة وعماد تتوطد شيئاً فشيئاً إلى أن قامت المُخابرات الإسرائيلية بتصوير زهرة وعماد في أوضاعٍ مُخلة بالآداب.

يقول عماد في رسالة سجَّل بها ما حدث منذ وصوله إلى إسرائيل إن زهرة جريس كانت ملاءمة جداً لطموحه، فهي تحمل الجنسية الأميركية، ووجد أنها يمكن أن تصبح وسيلة لسفره إلى الولايات المتحدة وتحقيق حلمه، وأن لديها أقارب هناك يُمكنهم المساعدة في إنهاء إجراءات العمل والإقامة، لكن ما حدث في حقيقة الأمر أن زهرة كانت سبباً في تعرُّفه على ميكي باغوث، وقالت عنه إنه صاحب المصنع الذي تعمل فيه، لكنه في الحقيقة لم يكن سوى ضابط في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، وهو الضابط المُكلف بتجنيد عماد.

لدى وصول عماد إلى مصر اتصلت به زهرة وأخبرته بأنها ستأتي ومجموعة من أصدقائها في زيارة لمصر، فتوجه عماد قبيل وصول زهرة إلى مقر شرطة السياحة وسط القاهرة، والتقي أحد المسؤولين هناك وأخبره بأن مجموعة من الإسرائيليين ستصل إلى مصر وأنه سيرافقهم خلال زيارتهم.

أجابه المسؤول بأن السياح اليهود منتشرون فـي مصر وما دامت مرافقته لهم ليست محل اعتراض منهم فليست هناك مشكلة، لكن هنا كانت بداية جذب انتباه المُخابرات المصرية لعلاقات عماد العامل المصري بالإسرائيليين.

بمصادفة أو وفقاً لترتيبٍ مُسبق تضيق فرص العمل على عماد، لتعرض عليه زهرة أنه بإمكانها إدخاله إلى إسرائيل، وأنها قد رتبت ذلك مع ميكي باغوث الذي وافق على أن يعمل عماد بمبلغ 1000 دولار أميركي راتباً شهرياً، وأن ميكي بنفسه هو الذي سيتولى تدريبه، لكي  تتم إعادة عماد إلى مصر مرة أخرى للعمل في الشركة مع زيادة راتبه بها.

كان على عماد أن ينقل لباغوث بعض المعلومات المُدوَّنة بالحبر السري، حول المصانع التي يتم بناؤها في مدينتي السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان، وعدد الماكينات بهذه المصانع وعدد العمال.

كما طلب منه معرفة نوع المُنتجات التي تقوم بإنتاجها هذه المصانع والدول التي يتم التصدير إليها.

هنا جاءت المرحلة الثانية من مُهمة عزام فبعد أن قام بتجهيز عماد وآخرين وإرسالهم لإسرائيل، عليه الآن أن يمدّ عماد ببعض الملابس الحريمي المًصنَّعة بكيفية تسمح بالكتابة بالحبر السري عليها.

اكتشفت المخابرات الأمر وتمكنت أجهزة الأمن من ضبط الملابس المكتوب عليها بالحبر السري، والتي كانت عبارة عن 4 بلوزات نسائية اثنتين منهما باللون الأسود وأخريين باللون الأبيض، وقد تم تحليل الملابس واستخدامها كدليل إدانة لعزام وشركائه.

الاعتقال!

اعتقلت أجهزة الأمن المصرية عام 1996 عزام عزام وعماد إسماعيل، وكانت تهمة الأول هي العضوية في الموساد الإسرائيلي، ومحاولة تجنيد مصريين للعمل معه بغرض الإضرار بمصالح البلاد القومية، أما تهمة عماد فكانت التعاون مع جهة أجنبية للإضرار بأمن البلاد ومصالحها القومية.

يروي عزام لبرنامج العين الثالثة على القناة الفضائية العربية عام 2005، قصة اعتقاله قائلاً: «كنت في طريقي من وسط البلد بعد يوم عملٍ شاق في مصنع النسيج، متوجهاً إلى الفندق الذي كنت أقيم به

وبعد وصولي إلى فندق البارون في مصر الجديدة محل إقامتي، وقفت سيارة أمام باب الفندق ونزل منها نحو ستة أو سبعة أشخاص

طلب مني الضباط جواز السفر الخاص بي، أعطيتهم الجواز ووضعوا لي الكلبشات، وغمَّموا عينيّ ووضعوا لي الحراس من الجانبين».

محامي مبارك ومرتضى منصور.. شجار في المحكمة

في أولى جلسات مُحاكمة عزام يقف المحاميان المصريان مرتضى منصور وفريد الديب في محكمة أمن الدولة العليا بجنوب القاهرة في موقفٍ خلافي.

ربما كان الخلاف بينهما ليس شخصياً هذه المرة، فهي قضية عامة وكبرى اختلفت فيها اتجاهاتهما إلى الحد الذي جعل أنصار فريد الديب ومؤيدي موقف مرتضى منصور يشتبكان بالأيدي ويتبادلان الاتهامات في قاعة المحكمة.

احتد الجدال بصورة كاد يُفلت معها زمام الجلسة، فالقضية بها الكثير من الجدل، لا يخص الأمر مسؤولاً مرتشياً أو سياسياً فاسداً، الأمر يخصّ محاكمة جاسوس إسرائيلي في مصر، والديب قرر أن يتولى الدفاع عنه!

يتفجَّر الخلاف بعد أن يتقدم المحامي مرتضى منصور ممثلاً لنقابة المحامين المصريين بدعوى مدنية ضد المحامي فريد الديب لقبوله الدفاع عن جاسوس إسرائيلي.

وطلب تعويضاً مقداره 100 مليون دولار من الجاسوس.

ووجَّهت النيابة للجاسوس بعض التهم، التي يمكن أن يُحكم عليه بسببها بالإعدام أو الأشغال الشاقة لمدة 25 عاماً على أقل تقدير.

حافظ عزام دوماً على نفي تهمة التخابر تلك، ونفتها كذلك الحكومة الإسرائيلية.

وتداولت بعض الصحف المصرية حينها واقعة لم توثق بالفيديو أنه تبول على هيئة المحكمة أثناء دفاعه عن التهم الموجهه إليه.

التهم التي علق عليها عزام عزام: « أنا رجل جيت أشتغل في مصر ما تخابرت وكلمة تخابر عمري ما سمعتها، أنا بريء ما عملتش ولا حاجة، والحبر السري عمري ما سمعت عنه».

أصدرت المحكمة المصرية حُكماً في عام 1997 بالأشغال الشاقة لمدة 15 عاماً بحق عزام، والأشغال الشاقة المؤبدة بحق شريكه المصري عماد إسماعيل والإسرائيليتين الهاربتين زهرة يوسف جريس، ومنى أحمد شواهنة.

توصية من مستشار مبارك! السبب وراء قبول الديب الدفاع عن عزام

في التعليق على واقعة دفاعه عن الجاسوس الإسرائيلي يروي الديب عن الجدل الذي أحاط به عام 1997، بعد نحو 17 عاماً.

يُعلن فريد الديب المحامي الذي صعد نجمه في أعقاب ثورة 25 يناير بعد توليه الدفاع عن الرئيس المعزول حسني مبارك،سبب قبوله الدفاع عن عزام.

ويقول إنه كان بسبب مقابلة تمت مع مستشار رئيس وزراء إسرائيل لشؤون الدروز أسعد الأسعد، طلب خلالها من الديب الدفاع عن عزام.

قائلاً: «جاء إلى مكتبي وقال لي: أنا جايلك من طرف الدكتور أسامة الباز»، وكيل وزارة الخارجية المصرية والمستشار السياسي للرئيس مبارك حينها.

ويبرر الديب قراره بأن القانون المصري ينصّ على عدم جواز محاكمة مواطن إسرائيلي الجنسية أو أي جنسية أخرى أمام القضاء المصري دون أن يوكل محامياً مصرياً للدفاع عنه.

6 مصريين معتقلين بإسرائيل مقابل عزام

بعد صدور الحكم رفض الرئيس المصري السابق حسني مبارك منح العفو لعزام واتهم نتنياهو بخلق أزمة وبأن القرار النهائي للقضاء المصري.

لكنه في عام 2004 وبعد 8 سنوات في السجن، تم تحرير عزام وفقاً لصفقة حُرر خلالها 6 طلبة مصريين في إسرائيل، اعتقلوا للاشتباه في تخطيطهم لاختطاف جنود إسرائيليين، أما الشريك الأساسي لعزام في القضية فلا زال يقضي حكماً بالسجن لمدة 25 عاماً في السجن المصري.

بعد الإفراج عن عزام بنحو عام أُختير لإضاءة شعلة عيد الاستقرار في إسرائيل، وفي عام 2012 اشترك في برنامج تلفزيوني تحت اسم «صراع البقاء»، وهو الآن يعمل في مصنع لتكرير النفط بمدينة حيفا.

عزام يروي القصة ويصف التهم المصرية بـ«المضحكة»

أجرى برنامج «آخر كلام» المُذاع عبر قناة «آي 24 نيوز» حواراً مع عزام عزام في ديسمبر عام 2017، يقول عزام إنه بعد أن أنهى تجنيده الإجباري بالجيش الإسرائيلي عمل نحو 8 سنوات بشركة تيفرون للنسيج بإسرائيل.

بعدها تحدّث أصحاب المصنع مع رجل الأعمال المصري علاء عرفة، الذي كان مُقرباً وقتها من النظام المصري، وتحديداً من علاء مبارك الابن الأكبر للرئيس المصري السابق، لافتتاح فرع تيفرون المصري، وقد تم اختيار عزام لتدريب المصريين على إقامة مصنع تيفرون مصر بصفته مستشاراً ومُدرباً، بحسب عزام.

ويضيف أن التهم بالجاسوسية التي وُجِّهت إليه والتي اعترف بها شريكه عماد إسماعيل، تهم مُضحكة ومُلفقة الهدف منها إبعاده لعدم السماح بإقامة مصنع تيفرون مصر، وهي كذلك من وجهة نظره تهم يصفها بكونها «قديمة» جداً، فما الحاجة لتهريب المعلومات بالحبر السري في عالم تكشف جوانبه الأقمار الصناعية، هذا لا يدع حاجة لأحد بالتجسّس وكتابة معلومات على الملابس النسائية  بالحبر السري.

ونفى عزام أي علاقة تربطه بالسياسة، مُعلناً أنه ينضم فقط إلى الشعب الإسرائيلي ويمتلئ بالتقدير للسياسيين الذين ساعدوه «للخروج من القبر»، حسب توصيفه.

 

وعلى الرغم من أن مصر كانت أول دولة عربية توقع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، فإنها ظلت الهدف الرئيسي لأنشطة كثيرة قام بها الموساد الإسرائيلي في البلاد بعد هزيمتهم في حرب أكتوبر1973.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى