وجوه

قايد صالح.. رجل الجزائر القوي الذي رحل بعد “سد فراغ” الرئاسة

بإعلان وفاة قائد الأركان الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، إثر أزمة قلبية، صباح اليوم الإثنين، تطوي البلاد صفحة الرجل القوي بعد طلبه باسم قيادة الجيش برحيل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، إثر انتفاضة شعبية، وإصراره على إجراء انتخابات رئاسية تأجلت مرتين، قبل أن يتم فرضها برغم مظاهرات شعبية رافضة لها، وذلك قبل أقل من أسبوع، وإعلان فوز رئيس الوزراء الأسبق عبد المجيد تبون، الذي تردد حتى قبل ترشحه قربه من قائد الجيش الراحل.

وبعد تداول شائعات قوية على مواقع التواصل الاجتماعي من الصباح الباكر، أكد التلفزيون الرسمي أن “رئيس الجمهورية، وزير الدفاع الوطني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، عبد المجيد تبون، يعلن بكل أسى عن وفاة نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح (80 عاما)، إثر تعرضه لأزمة قلبية، نقل على إثرها للمستشفى العسكري في عين النعجة (شمال)”.

وأعلن الرئيس الجزائري حدادا وطنيا لمدة ثلاثة أيام، ولمدة سبعة أيام بالمؤسسات العسكرية.

ووصف تبون رئيس الأركان الراحل بـ”المجاهد والقائد العسكري الفذ، وابن الجزائر البار”.

وكلف الرئيس تبون قائد القوات البرية، اللواء سعيد شنقريحة، برئاسة أركان جيش البلاد بالإنابة.

والفريق قايد صالح، من مواليد 13 يناير1940، بعين ياقوت بولاية (محافظة) “باتنة” (شرق)، وقد التحق بالثورة التحريرية وهو شاب في 17 من العمر، كما تردد، واستمرت ضد الاستعمار الفرنسي من (1954 إلى 1962).

وبعد استقلال البلاد في 5 يوليو 1962، واصل مسيرته في صفوف الجيش الوطني الشعبي، وقالت مصادر إنه شارك ضمن فيلق جزائري في مصر في حربي 1967 و1973 ضد إسرائيل.

وتدرج قايد صالح في مراتب ومناصب بالجيش، لتتم ترقيته عام 1993 إلى رتبة لواء، ويعين عام 1994 قائدا للقوات البرية، في عز الأزمة الأمنية أو ما يعرف بـ “العشرية السوداء”.

وبعد رئاسيات أبريل 2004، عين الرئيس بوتفليقة صالح قائدا لأركان الجيش، خلفا للفريق محمد العماري، الذي أحيل على التقاعد بعد دعمه منافس بوتفليقة في تلك الانتخابات، وهو رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس.

وتمت ترقية قايد صالح إلى رتبة فريق، في 5 يوليو 2006، وكانت مؤشرا على قربه من الرئيس بوتفليقة، وقوة علاقة الرجلين.

وظل في منصبه قائدا لأركان الجيش إلى 11 سبتمبر 2013، ليصبح أيضا عضوا في الحكومة بصفته نائب وزير الدفاع، علما أن وزير الدفاع هو رئيس الجمهورية منذ 1999.

ويعتبر قايد صالح (قبل وفاته) المسؤول العسكري الوحيد الذي يحمل صفة مجاهد ورتبة فريق في الجيش، إضافة إلى قائد الحرس الجمهوري (الرئاسي) الفريق علي بن علي (قليل الظهور إعلاميا).

**رفض الإطاحة بـ”الرجل المريض”

لاحظ الجزائريون أن الفريق صالح صار رقما بارزا في واجهة نظام الحكم اعتبارا من أبريل 2013، بعد إصابة الرئيس بوتفليقة بجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة ومخاطبة شعبه.

وبعد أشهر من وعكة الرئيس الصحية، ظهر صالح رفقة بوتفليقة، ورئيس الوزراء الأسبق عبد المالك سلال، بمستشفى “فال دو غراس” العسكري الفرنسي، وفسرت الصورة بأن الرجل محل ثقة غير مسبوقة من الرئيس.

ومنذ ذلك الحين، تصدر الفريق صالح المشهد الإعلامي في البلاد، وتحول إلى أحد أنشط رجالات الحكم بزيارات ميدانية متواصلة، ومناورات عسكرية دورية في البحر والجو والصحراء، أغلبها بالذخيرة الحية.

وصار حاضرا بشكل شبه يومي في نشرات التلفزيون الحكومي، سواء من خلال نشاطاته، أو عبر بيانات الجيش حول حصيلة أنشطته في مكافحة الإرهاب، والتصدي للجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات، والهجرة غير النظامية.

ومنذ مرض بوتفليقة عام 2013، ظل صالح يرفض دعوات الإطاحة به بدعوى عدم قدرته على الحكم، وفي كل مرة كان يذكر بالتزام الجيش بمهامه واحترامه للدستور، ويدعو إلى عدم إقحام المؤسسة العسكرية في التجاذبات السياسية.

ويوصف الفريق صالح بأنه من بين المساهمين في تفكيك علبة المخابرات القديمة، والإطاحة بالجنرال القوي محمد مدين، المدعو توفيق، رئيس جهاز المخابرات من 1990 إلى سبتمبر 2015، والذي كان يوصف بـ”رب الجزائر”!

وفي 13 سبتمبر 2015، أحال بوتفليقة الفريق محمد مدين، رئيس جهاز الاستخبارات، إلى التقاعد، وهو أحد أكثر جنرالات البلاد نفوذا، وعين مكانه مستشاره للشؤون الأمنية عثمان طرطاق.

ومنذ الإطاحة بقائد المخابرات السابق، كان صالح رقما مهما في تغييرات شملت تنظيم المخابرات (الأمن الداخلي والخارجي والأمن الرئاسي)، وإقالات وتعيينات مست لاحقا قادة النواحي العسكرية الست في البلاد.

** الحاكم الفعلي للبلاد

وبعد اندلاع الانتفاضة الشعبية في 22 فبراير الماضي ضد محاولات فرض الولاية الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كان خطاب قايد صالح في البداية مهاجما للحراك الشعبي، وذهب إلى وصف المتظاهرين بـ”المغرر بهم”، وعبر عن دعم الجيش للانتخابات الرئاسية المبرمجة حينها في 18 أبريل، لكن سرعان ما غير قائد صالح موقفه، ودعا بوتفليقة للاستقالة طبقا للمادة 102 من الدستور، وهو ما تم فعلا، وتردد حينها أن تغيير موقفه راجع لمؤامرة حيكت للإطاحة به من قبل شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة وقائد المخابرات السابق الفريق محمد مدين، ومن خلفه حينها عثمان طرطاق، الذين تم اعتقالهم بعدها.

وطيلة أزمة سياسية عمرها 10 أشهر، كان صالح يتنقل بين المناطق العسكرية في البلاد ويدلي بخطابات فاق عددها الـ50 خطابا حول تطورات الأزمة وموقف الجيش منها، ونفى كم من مرة وجود طموح سياسي له ولقيادة الجيش في خلافة بوتفليقة، لكن بالنسبة للمعارضين له، فقد كان أقوى رجل في النظام الحاكم ويعرقل التغيير الجذري فيه، وأنه يريد مع قيادة الجيش استمرارية نفس النظام وإعادة إنتاجه فقط عبر الانتخابات الرئاسية، مثلما تأكد ذلك عبر إعلان فوز رئيس الوزراء السابق عبد المجيد تبون. وفي المقابل، يقول أنصاره إنه “الرجل الذي حمى وحدة واستقرار البلاد، ووفي بعهده بقيادتها إلى غاية انتخاب رئيس جديد”.

ويحسب له أنصاره تعهده بأنه لن يتسامح مع سقوط قطرة دم واحدة من المتظاهرين، بينما يؤكد المتظاهرون الذي يواصلون الخروج للشارع أن الحراك الشعبي ظل سلميا.

وفي آخر ظهور إعلامي له، بعد الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 12 ديسمبر/كانون الأول الحالي، هنأ قايد صالح “الجيش الجزائري، على إنجاحه للانتخابات الرئاسية، واختياره عبد المجيد تبون، الرجل المناسب والقادر على إخراج الجزائر من أزمتها”.

وقد قلد تبون قايد صالح بعد أدائه اليمين الدستورية خلال حفل تنصيبه أعلى وسام في الدولة، وظهر وهو يحييه بحرارة لافتة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى