تقارير وتحليلات

إلى متى سيظل اللعب وفقاً لقواعد إيران… وأوروبا؟

الموضوع على جدول الأعمال هو النظام العالمي. ليس أقل من ذلك، فهذا هو المنظور اللازم لبحث جدي في تصفية سليماني وآثارها. ما يقف بيننا وبين الفوضى، ويسمح باستقرار نسبي لعالم عاصف وخطير، هو النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة، الذي صُمم بعد الحرب العالمية الثانية، ولا يوجد مرشح آخر لقيادته. حتى الصين، التي تقضم فيه، غير قادرة وغير راغبة في هذه المرحلة في الحلول محله، أما النظر في ترشيح أوروبا و”الأسرة الدولية” الموهومة خاصتها، فيحتاج إلى حس دعابة حاد، وفقا لصحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية.

تقوض إيران بهذا النظام بسعيها إلى سلاح نووي وإلى هيمنة إقليمية، برعاية الحصانة التي يفترض به أن يمنحها إياها. النظام الحالي أخطر من الجهات غير المسؤولة الأخرى التي حققت نووياً عسكرياً: باكستان بحاجة إليه كي تدافع عن نفسها ضد الهند، وكوريا الشمالية كي تحافظ على نظامها. ليس لكلتيهما فرصة، وليس لهما سعي فاعل لسيطرة إقليمية. أما إيران ففي ذروة جهد منهاجي وذكي لفرض هيمنتها على منطقة غير مستقرة وعنيفة، تتشكل في معظمها من دول عربية فاشلة، ومجتمعات قبلية لا تؤدي مهامها وأقليات قابلة للتجند والتفعيل من قبل طهران.
هيمنة مسنودة بقدرة نووية في المفترق الاستراتيجي المهم والغني هذا، ستمنح النظام الراديكالي المسيحاني وعديم المكانة ،كلاعب عالمي، وستبث أثرها في دول إسلامية في العالم كله، بل ستكون عاصمة –مصدر الإلهام، التمويل والسلاح– كل جهة ثورية واستفزازية على وجه الكرة الأرضية. وعلى ذلك تشهد شبكة الإرهاب العالمية القائمة لإيران، التي لا تزال غافية في معظمها، بما في ذلك شرق آسيا وجنوب أمريكا وفي داخل الولايات المتحدة وأوروبا. في الحاضر يهدد هذا النظام المسيحاني النظام العالمي. إذا نجح في السيطرة على النفط، والمعابر الاستراتيجية والأماكن المقدسة، وربط في خدمته الغضب والعنف في الشرق الأوسط وفروعه في الغرب، فمن شأنه أن يهدد أسس نمط حياة الحضارة الغربية.
هذا النظام جدير باللجم والإضعاف والردع وتقويض أساساته. لقد صالحه أوباما في اتفاق وعد بهدوء مؤقت، بالضبط حين كان الإيرانيون بحاجة إلى مثل هذا الهدوء، كي يطوروا وسائل إطلاق الصواريخ والرؤوس المتفجرة. وقد تصرف هكذا في ظل تجاهل زخم الإنجازات في مجال يأتي السلاح النووي لحمايته..السعي إلى الهيمنة الإقليمية. أما ترامب، بالمقابل، فيضرب هذا النظام في المكان الأكثر هشاشة: مداخيل الدولة، الأمر الذي يفشل محاولة النظام أن يضمن دفعة واحدة احتياجاته الاستراتيجية الأساسية الثلاثة: الهدوء في الداخل، والهيمنة الإقليمية، والنووي. تضرب العقوبات ذات الأسنان في المجالات الثلاثة: توقظ الاحتجاج الداخلي، وتقلص المقدرات للوكلاء، وتوقف الاستثمارات الكبرى في النووي ووسائل إطلاقه.
إن استفزازات إيران اليائسة بهجمة الناقلات،وإاسقاط المسيرة، والمس بتصدير النفط السعودي، وهجمة السفارة، كلها تدل على ضائقة عميقة في ضوء نجاح العقوبات. فهي تستهدف جر ترامب إلى مواجهة في صيغة تخيف ناخبي تشرين الثاني وتقنعهم بفكر أوباما، وكأن البديل هو بين المصالحة والحرب، والكثير من القتلى الأمريكيين. لقد فضلت الولايات المتحدة عدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية مبادر إليها، وتشديد الضغوط في المجال الاقتصادي المؤلم، الذي أثبت نجاعته. وبالتوازي، بحثت عن خطوة ضارة ومهينة ترمم الردع حيال إيران ومصداقيتها في نظر حلفائها في المنطقة. لقد قدمت تصفية سليماني خليطاً متكاملاً.
إيران هشة أكثر من أي وقت مضى. لدى الولايات المتحدة الأدوات لضربها ضربات شديدة دون الدخول إلى مواجهة برية مكثفة. والمقارنة مع حرب العراق تدل على الجهل أو التلاعب. فالتبذير الهائل بالدم والمال لم ينشأ عن المواجهة مع صدام حسين، بل عن تواصل التواجد لأجل تنفيذ وهم إقامة ديمقراطية للعرب. وفي وجه الثأر الإيراني المحدود، هناك أدوات لرد موضعي أليم ومهين. على ثأر كثيف يمكن لقوة عظمى أن تجبي ثمناً لا يطاق، في ظل تجاهل المطالبة السخيفة لإثبات الرسمية أو المسؤولية الإيرانية. هناك حاجة للقرار المسبق بعدم اللعب وفقاً لقواعد إيران (وأوروبا).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى