مؤسسة الديوان

تعرف علي جذور الخلاف بين المغرب وإيران

كان “قراراً مغربياً خالصاً”، هذا ما أكده رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، بشأن قطع علاقات بلاده مع إيران، بعد أن “ثبت بالأدلة دعم طهران جبهة البوليساريو عسكرياً، بطريقة مباشرة أو عبر حزب الله اللبناني”، على حد تعبيره.

قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ومطالبة القائم بالأعمال في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالرباط بمغادرة الأراضي المغربية على الفور، ليس قراراً مفاجئاً أو مستعجلاً كما يعتقد البعض، إذ أوضح وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة، أن المملكة المغربية اكتشفت منذ مدة ليست بالقصيرة “تورط إيران الواضح من خلال حزب الله في التحالف مع جبهة البوليساريو الانفصالية”.

“أبْلَغنا طهران قبل مدة بتوفر المغرب على أدلة دامغة وأسماء ووقائع محددة، تؤكد دعم حزب الله للبوليساريو لاستهداف أمن البلاد ومصالحها العليا، إلا أننا لم نتلقَّ أي رد أو توضيح”، هكذا قال وزير الخارجية في تصريحات صحفية.

خلافات وعلاقة متوترة

ليست هذه هي المرة الأولى التي تنقطع فيها أواصر التعاون بين الرباط وطهران، فلا يخفى أن العلاقات بين البلدين تُعاني توتراً منذ سنوات، وصلت حدَّ القطيعة، وبقيت فاترةً رغم عودتها، إلا أن الدعم المسلح لجبهة البوليساريو كان النقطة التي أفاضت الكأس، يقول المحلل تاج الدين الحسيني لـ”عربي بوست”.

أما مسار الخلافات المغربية الإيرانية، فانطلق بُعيد ثورة الخميني، حين استقبل المغرب شاه إيران عام 1981 لتكون القطيعة الأولى، لتبقى العلاقات مجمَّدة إلى عام 1991، حيث تم إعادة افتتاح سفارة إيران بالمغرب، لتعود التمثيلية الإيرانية للبلاد.

الأزمة بين البلدين تصاعدت بشكل كبير في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، تحديداً عام 2008، حين أقدم المغرب على حلِّ الحزب المغربي ذي المرجعية الشيعية، المسمى “البديل الحضاري، أما عام 2009 فكان محطةً جديدة لقطع العلاقات مع إيران، بعد أن أعلنت الرباط تورّط عامِلِين بسفارة إيران بأنشطة نشر التشيع بين المغاربة، قبل أن تقدم السلطات المغربية على إغلاق المدرسة العراقية الشيعية للسبب ذاته.

بحلول عام 2016، انفجرت الأزمة مجدداً عقب ظهور تنظيم شيعي يدعى “رساليون تقدميون”، وصولاً إلى عام 2018، ليكون الدافع أخطر وذا أهمية بالغة لدى المغرب، متعلقاً بأمنه ووحدته الترابية، خاصة في ظل المناورات والتحركات الأخيرة لجبهة البوليساريو بالمنطقة الحدودية العازلة.

 الانتقام.. صواريخ وأسلحة

العلاقات التي ربَطت حزب الله اللبناني بجبهة البوليساريو بدأت منذ 2016، وفق وزير الخارجية المغربي، حين تشكَّلت “لجنة لدعم الشعب الصحراوي في لبنان برعاية حزب الله، تلتها زيارة وفد عسكري للحزب إلى مخيمات البوليساريو بـ”تندوف” على الأراضي الجزائرية، مؤكداً أن المغرب يتوفر على “أدلة دامغة تُظهِر تورط عنصر واحد على الأقل بالسفارة الإيرانية في الجزائر، في تنظيم هذه العمليات على مدى عامين على الأقل”.

 

ناصر بوريطة ألمح إلى أن حزب الله بدأ بالتهديد بالثأر من المغرب، بُعيد اعتقال قاسم محمد تاج الدين، أحد كبار مسؤولي حزب الله في إفريقيا، في 12 مارس/آذار 2017، بمطار الدار البيضاء، بموجب مذكرة اعتقال دولية صادرة عن الولايات المتحدة الأميركية، تتهمه بالإرهاب وتبييض الأموال.

وحسب التصريحات الرسمية، فإن خطوات حزب الله الانتقامية، بدأت بإرسال أسلحة وكوادر عسكرية إلى “تندوف”، لتدريب عناصر من البوليساريو على حرب العصابات، وتحضير عمليات عدائية ضد المغرب، تستهدف أمنه، وتدريبات تشمل صواريخ مضادة للطائرات من نوع “ستريلاَّ”، فيما تأكد تزويد الجبهة مؤخراً بصواريخ أرض جو “سام 9 وسام 11″.

قرار سِيادي

ردُّ حزب الله على القرار كان سريعاً، إذ نفى نفياً قاطعاً قيامه بـ”دعم وتدريب جبهة البوليساريو”، معتبراً أنه “من المؤسف أن يلجأ المغرب بفعل ضغوطات أميركية وإسرائيلية وسعودية لتوجيه هذه الاتهامات الباطلة”.

وأضاف: “كان حرِيًّا بالخارجية المغربية البحث عن حجة أكثر إقناعاً لقطع علاقاتها مع إيران”، وهو ما نفاه وزير الخارجية المغربي.

ناصر بوريطة شدَّد على أن قرار المغرب تم اتِّخاذه لاعتبارات ثنائية صِرفة، بعيداً عن أي تطورات إقليمية ودولية، فيما وصف خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة (شرقي المغرب)، نفْيَ حزب الله لأي صِلة له بجبهة البوليساريو بـ”الجبان”، مُعتبراً أن الدعاية التي تقابل بها إيران قرار المغرب لا حدَّ لها، ومستبعداً أن يكون قرار المغرب يهيِّئُ لمشاركته في هجوم عسكري مرتقبٍ ضد إيران بقيادة إسرائيل.

ودعا الشيات إلى بسط مختلف الدلائل التي يحصَّل عليها المغرب ضد حزب الله وإيران وعرضها، مؤكداً بالمقابل أن على إيران أن تُثبت ألا علاقة لها بحزب الله اللبناني، يقول المتحدث لـ”عربي بوست”.

ومنذ الإعلان عن القرار، ضجَّت الشبكات الاجتماعية بآراء تحاول فهم ما يقع، فيما تساءل البعض إن كان المغرب سيقطع علاقته كذلك مع لبنان، على اعتبار أن حزب الله يتَّخذ من الجنوب اللبناني مقراً له، وهو ما نفاه الشيات، معتبراً أن ولاء حزب الله لإيران، لا للُبنان، موضحاً أن هذا الحزب المسلح يشكل “دولة داخل الدولة”، كما أن الموقف اللبناني الرسمي من وحدة المغرب واضح وبيِّن.

وتساءل نشطاء مغاربةٌ إن كان الصراع الإيراني السعودي سينتقل إلى المغرب، وهو التفسير الذي استبعدَه تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، نافياً ضمن تصريحه لـ”عربي بوست” أن يكون القرار بسبب منطقة الخليج، أو الملف النووي الإيراني.

وأضاف أن إيران تدعم حزب الله في لبنان، الذي دخل في علاقة تعاون وثيقة مع تقديم مساعدات تقنية وعسكرية لجبهة البوليساريو، وهو ما ظهر للسلطات أنه مرتبط بمساعدة صريحة من طرف إيران، التي تزوّد بدورها حزبَ الله بهذه الأسلحة والمعدات.

ترحيب خليجي

لم تمض سوى ساعات فقط على إعلان المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حتى انبرى عدد من الدول الخليجية إلى إعلان التضامن مع المغرب، فيما عبَّرت السعودية عن إدانتها للتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للمغرب.

ليس المغرب البلد الوحيد الذي تتدخل إيران في شؤونه، وفق إدريس لكريني، مدير مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، لافتاً إلى أن الاستياء الإقليمي يتزايد بسبب تدخلها في عدد من الدول بالشرق الأوسط، وتعميق الجراح بها، والزَّجّ بالنظام الإقليمي في متاهات جعلته في وضع متردٍّ، بالإضافة إلى تعميق الطائفية في كل من سوريا والعراق واليمن.

وأبرَزَ أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، لـ”عربي بوست”، أن على إيران التوقف عن الإساءة لسيادة الدول واحترام القانون الدولي، لافتاً إلى أن مبررات المغرب تبقى قوية ومنطقية؛ إذ إن التحركات الإيرانية عبر حزب الله مستفزة للمغرب، علاقة بأولوية ومكانة قضية الصحراء.

وبالعودة إلى دعم وتضامن الدول الخليجية، أعلنت البحرين دعمها للقرار المغربي، فيما قال أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية “نقف مع المغرب في حرصه على قضاياه الوطنية”. وأضاف قائلاً “سياستنا وتوجهنا الداعم للمغرب إرث تاريخي راسخ، أَسَّس له الشيخ زايد والملك الحسن، وموقفنا ثابت في السراء والضراء”، وفق تعبيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى