تقارير وتحليلات

تعرف علي شروط الأسد لعودة اللاجئين

في ظل تقدُّم نظام الأسد للسيطرة على آخر معاقل المعارضة في سوريا، هناك دعوات بالرجوع إلى سوريا توجه إلى اللاجئين السوريين الذين يريدون العودة لبلادهم، في الوقت نفسه يقدم بشار الأسد شروط مقابل السماح بعودتهم

لكن وفقاً لدبلوماسيين غربيين ومحللين في بيروت، فالعقبات التي يضعها النظام أمام عودة اللاجئين تشير إلى أنَّ الرئيس بشار الأسد، الذي يعي تماماً قدر الضغوط التي تسبَّب فيها اللاجئون للدول المجاورة، على استعداد لاستخدامهم كأوراق مساومة؛ لضمان الحصول على المساعدات الخارجية والإعفاءات من العقوبات، وذلك وفق ما قالته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.

وفي حين تتواتر دعوات عودة اللاجئين.. ما زالت الأعداد قليلة بسبب الإجراءات المعقدة

إذ أجَّلت الحكومة السورية في الشهور الأخيرة -أو رفضت دون تفسير- الطلبات المقدمة من مئات اللاجئين في لبنان الذين يسعون للعودة إلى الوطن، وفقاً لعدة دبلوماسيين غربيين ومحللين مُطَّلعين على الأمر.

وينبغي للعائدين تقديم بطاقة الهوية ووثائق العائلة، التي تركها الكثيرون وراءهم في أثناء رحلتهم، إلى جانب الموافقة على السفر في قوافل الحكومة السورية. وإجراءات التصريح الأمني مطولة. وقال الدبلوماسيون إن الكثير من الرجال رُفِض طلبهم؛ ومن ثم اضطرت زوجاتهم وأبناؤهم إلى البقاء أيضاً.

وتقول الأمم المتحدة إن الأوضاع في سوريا لم تفِ بعدُ بالشروط الخاصة بالعودة إليها بعد أكثر من 7 سنوات من الصراع، الذي قتل مئات الآلاف منذ أن تحولت الانتفاضة ضد حكم الأسد إلى حرب أهلية.

وفي حين عاد بعض اللاجئين السوريين، يخشى الكثيرون ممن فروا من البلاد من الملاحقة والاضطهاد من حكومة الأسد.

ونتيجة لذلك، فإنَّ أعداد العائدين حتى الآن قليلة. فمنذ أوائل شهر يونيو/حزيران 2018 في لبنان، حيث يعيش أكثر من مليون سوري، تمكَّن فقط نحو 1400 من 3000 سوري قدَّموا طلبات للرحيل، من العودة إلى وطنهم، 1000 منهم تقريباً هذا الأسبوع، وفقاً للاستخبارات اللبنانية. وتنتظر البقية قراراً من دمشق بشأن طلبهم للعودة.

وتبقى الأعداد التي خرجت بسبب الثورة تفوق 5 ملايين سوري

وفرَّ أكثر من 5 مليون سوري من بلدهم منذ أن بدأت الانتفاضة عام 2011. استقر معظمهم في البلدان المجاورة مثل لبنان والأردن وتركيا. ويقول نظام الأسد، الذي يشن هجمات وحشية في جنوب غربي البلاد بدعم من الغارات الجوية الروسية، رسمياً، إنَّه يجب على السوريين العودة؛ لإعادة إعمار البلد الذي دمَّرته الحرب.

وقالت مها يحيى، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط، وهو مركز بحثي مستقل مقره بيروت: «تريد الحكومة السورية استغلال (اللاجئين) كورقة مساومة. إنَّها تريد جني الأموال من ورائهم، والذي لن يذهب كله بالضرورة إلى إعادة الإعمار».

لم تردَّ الحكومة السورية على طلب التعليق على المسألة. وفي هذا الشهر (يوليو/تموز 2018)، أخبر مسؤولٌ في وزارة الخارجية السورية، دون الإفصاح عن اسمه، وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا)، بأنَّ النظام يتوقع من المجتمع الدولي المساهمة في إعادة توطين اللاجئين.

وتقف روسيا وأميركا على رأس الدول التي تسعى لإعادة اللاجئين إلى بلادهم

ودعت روسيا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى المساعدة في إعادة إعمار سوريا وإعادة توطين اللاجئين. ودعت موسكو، هذا الشهر (يوليو/تموز 2018)، الولايات المتحدة إلى التعاون بشأن خطة لإعادة اللاجئين لسوريا. ووفقاً للحكومة الروسية، تضمَّنت المقترحات، التي قُدِّمت بعد قمة ترمب وبوتين بهلسنكي، التعاون في تمويل «إعادة البنية التحتية بسوريا».

وحث ألكسندر لافرينتييف، المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، الخميس 26 يوليو/تموز 2018، اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم، وقال إنهم لن يواجهوا أي تهديد من حكومة الرئيس بشار الأسد أو أجهزة الأمن السورية.

وأضاف أن الحكومة السورية لن تتمكن من تقديم الكثير من المساعدات المالية التي سيحتاجها العائدون، وحثَّ المانحين الأجانب على تقديم المساعدة، قائلاً إن تلك القضية يجب ألا تُسيَّس.

ولم يعلِّق المسؤولون الأميركيون علناً على ما إذا كانت واشنطن ستؤيد الاقتراح. وقال مسؤولو كبار في الجيش الأميركي إنَّهم لن يغيروا الموقف الأميركي بسوريا. وفي مؤتمر وجيز مع الصحافيين الجمعة 27 يوليو/تموز 2018، قال وزير الدفاع الأميركي جيمي ماتيس، إنَّه «يفكر» في عقد اجتماع مع نظيره الروسي.

وتُصرُّ الدول الأوروبية على أنه لا بد من بدء عملية انتقال سياسي قبل تخصيص المساعدات عبر دمشق أو تقديم التمويل من أجل إعادة إعمار سوريا، ولو أنَّها لم تحدد ما إذا كان ذلك يتطلب إزاحة الأسد أم لا.

في المقابل يسعى نظام بشار الأسد للاستفادة من ملف اللاجئين بالحصول على دعم

وفي الأسبوع الماضي، أعلنت روسيا، التي ساعد جيشها الأسد في هزيمة مقاتلي المعارضة بأغلب أنحاء سوريا، أنها أنشأت مركزاً للاجئين في سوريا؛ لمساعدتهم على العودة.

وقال لافرينتييف الذي التقى الأسد في دمشق الأربعاء 25 يوليو 2018، إن هناك لاجئين يعودون يومياً إلى سوريا.

وأضاف خلال زيارة إلى لبنان: «يدرك الناس عدم وجود تهديد من الحكومة ولا أجهزة الأمن الحكومية، ويعودون لمنازلهم ولمناطقهم التي تخضع الآن لسيطرة الحكومة».

وأجرى لافرينتييف محادثات، الخميس، في لبنان مع الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري. وهناك 5.6 مليون لاجئ سوري مسجلين بالمنطقة، من بينهم مليون في لبنان.

وقال لافرينتييف: «الناس يعودون… إنها إشارة جيدة وعلامة جيدة لكل هؤلاء اللاجئين الذين لا يزالون بلبنان وفي الأردن وبتركيا. حان الوقت لإعادة النظر في الأمر واتخاذ قرار بالعودة».

وأضاف أن الحكومة السورية «مستعدة بالفعل لقبول كل من يريدون العودة لديارهم».

لاجئون سوريون على الحدود مع لبنان

وعبَّر بيان أصدرته الرئاسة اللبنانية عقب اللقاء مع المبعوث الروسي، عن «ترحيب لبنان بالمبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم… وأعرب الرئيس عون عن استعداد لبنان لتقديم المساعدة اللازمة لتنفيذ المقترحات الروسية بإعادة النازحين».

وكان عون قد وصف اللاجئين بأنهم يشكلون تهديداً وجودياً للبنان، ودعا لعودتهم الطوعية إلى المناطق التي تم تأمينها في سوريا قبل التوصل إلى تسوية سياسية للحرب.

وعملت المديرية العامة للأمن العام اللبناني مع دمشق لتنسيق عودة مئات اللاجئين في الأسابيع الماضية. ويجب أن تصدق دمشق على أسماء من يرغبون في العودة من لبنان، قبل أن يتمكنوا من العبور إلى سوريا.

مع ذلك، يسعى النظام السوري للاستفادة من حقيقة أنَّ الدول المجاورة والدول الأوروبية تتوق إلى رؤية اللاجئين يعودون. في الواقع، يشكو لبنان، الذي يشكل السوريون 20% من سكانه، من عبء استضافة مثل هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين، وقد منع الغالبية العظمى من الاستقرار بشكل دائم في البلاد.

وانتقدت الحكومة اللبنانية المفوَّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تُقدِّم خدماتٍ للاجئين في مستوطناتٍ غير رسمية بلبنان؛ لغرسها مخاوف في أنفُس اللاجئين من العودة إلى سوريا. وقالت المفوَّضية إنَّها تحترم رغبات السوريين إذا أرادوا العودة، لكنَّها لا تساعدهم في الرجوع إلى سوريا.

وفي بلدة عرسال، حيث يبلغ عدد اللاجئين ضعف عدد سكَّان البلدة نفسها، يعيش نحو 70 ألف سوري بخيمات من مشمعٍ مهترئ، ولا يحظون سوى بالقليل من الحقوق القانونية، ومن بينها التصريح بالعمل. يروي العديد منهم عن تعرُّضه للمضايقة أو للاعتقال التعسُّفي على يد السلطات اللبنانية. وحالة التعليم والصحة بينهم متردِّية. وتتشارك عائلاتٌ مرحاضاً واحداً مكوناً من مجرَّد حفرةٍ في الأرض!

فرَّت سماهر بكور هي وزوجها من سوريا منذ أكثر من 5 أعوامٍ بصحبة طفليهما، وكانوا قد أمضوا كل هذه الأعوام خارج بلادهم في بلدة عرسال حتى وقتٍ قريب. وقدَّمت العائلة طلباً للعودة إلى سوريا منذ نحو شهرين، وظلوا أياماً مع أمتعتهم الهزيلة محزومة في شاحنةٍ قديمة في حين انتظروا خبراً بشأن العودة. وفي يوم الإثنين 24 يوليو/تموز 2018، رحلوا قاصدين سوريا.

قالت سماهر قبل مغادرتهم: «بالطبع، نحنُ خائفون بعض الشيء، لكنَّ أقاربي يقولون إنَّ الرجوع أصبح آمناً. في سوريا، المدارس والمستشفيات مجانية. لكن هُنا كل شيء يتطلَّب مبلغاً كبيراً من المال».

ومع ذلك ما زال اللاجئون العائدون إلى سوريا يواجهون مصيراً مجهولاً

يواجه اللاجئون العائدون إلى سوريا مصيراً مجهولاً. فوفقاً للمفوَّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أسفر القتال المستمر في بعض المناطق السورية عن نزوح أكثر من 1.2 مليون سوري داخل البلاد هذا العام (2018) وحده حتى الآن.

ويخشى كثيرٌ من هؤلاء انتقام الحكومة منهم عقاباً على فرارهم من البلاد من الأساس؛ إذ قُتِل لاجئٌ كان قد غادر لبنان في يونيو/حزيران 2018، يُدعَى حسين محمد عودة، بعد فترةٍ قصيرة من عودته إلى مسقط رأسه بقرية فليطة السورية. وقالت عائلته إنَّه قد ضُرِب بالرصاص ثُم أُلقي أمام باب بيته على يد ميليشيات تابعة للحكومة.

وحذَّر سالم محمد رحمون، وهو لاجئٌ آخر قادمٌ أصلاً من مدينة رأس العين (جنوب غربي سوريا)، ويعيش الآن في عرسال: «يَصِمُ النظام كلَّ من غادر سوريا بأنَّه إرهابي».

وقال سكَّان عرسال إنَّ رجلين آخرين، كان عمر أحدهما 50 عاماً والآخر 70 عاماً، قُتِلا على يد مقاتلي ميليشيات النظام السوري بعد عودتهما إلى سوريا.

 

فقبل أسبوعين، تسلَّل حسين، وهو سوري في الثلاثينيات من عمره، عبر الحدود اللبنانية-السورية إلى المنطقة منزوعة السلاح بين الدولتين؛ ليُقابل شقيقه للمرة الأولى منذ 7 أعوام. وقال حسين إنَّ «كلانا بكى» في حين كنا نتعانق.

ومع أنَّ حسين، الذي رفض الإفصاح عن اسمه الكامل، يخشى عقاب حكومة الأسد جرَّاء فراره، فإنه يأمل العودة قريباً وإلى الأبد.

وقال: «لا أريد لابني أن يكبر في هذا المخيَّم ليصبح شبيحاً يسرق الناس حامِلاً شفرة مُوسِي. لا أمانع إن دهسني بشار الأسد بدبابة طالما أُمكن لابني الالتحاق بالمدرسة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى