تقارير وتحليلات

رؤساء الأركان السابقون يتَّحدون للإطاحة بنتنياهو

ظهر القادة العسكريون على الشاشة بزيهم العسكري الكامل، وهم يأمرون القوات، ويجلسون في كابينات الطائرات، ويغزون الصحراء ببنادقهم الهادرة.

لم يكن هذا المقطع الذي عُرض في افتتاحية اجتماع البلدية قبل الانتخابات في المدينة الصغيرة الزراعية المزدهرة، بير توفيا في جنوبي إسرائيل، إعلاناً عن الحرب القادمة ضد حزب الله، أو حماس، بل كان إعلاناً ترويجياً للطريقة التي يعتزم بها الثلاثي من رجال الدولة المحاربين القدامى الذين يقودون التحالف الوسطي «أزرق وأبيض» الجديد، الإطاحة برئيس الوزراء الذي شغل المنصب طويلاً، بنيامين نتنياهو.

ليس فوز البارزين من المحاربين القدامى في الانتخابات بأمر جديد في إسرائيل. فرئيسا الأركان السابقان، إسحق رابين وإيهود باراك، شغلا منصب رئيس الوزراء. لكن بعد استراحة السنوات الأخيرة من الانخراط السياسي للقادة العسكريين المتقاعدين، عادوا لصدارة المشهد السياسي مرة أخرى، مما يشكل أكبر تحدٍ في العقد الماضي أمام نتنياهو.

إلا أن نتنياهو ما زال يحتفظ بقاعدة شعبية قوية

وأشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تقرير لها إلى أنه بالرغم من أن نتنياهو يواجه اتهاماً محتملاً في ثلاث قضايا فساد هذا الصيف، إلا أنه احتفظ بقاعدة قوية من الدعم الشعبي.

قدم قادة ائتلاف أزرق وأبيض والآخرين من المعارضين لنتنياهو، عودة الجنرالات باعتباره استدعاء طوارئ لمرة واحدة من أجل الدولة وتطهير الحكومة.

بسبب العداء المحيط بإسرائيل من جيرانها، انتقلت إسرائيل نحو اليمين، وبات اليساريون يتعرضون للانتقاد لسذاجتهم وعدم وعيهم بالتهديدات القادمة من إيران وحلفائها من القوات المرابضة على أعتاب إسرائيل.

ينظر الكثير من الليبراليين للجنرالات الوسطيين على أنهم المقابل الوحيد الحقيقي لنتنياهو الذي قاد حملةً دبلوماسية ضد إيران على الساحة العالمية، واكتسب هالة مَن لا يقهر.

قال غادي وولفسفيلد، أستاذ الاتصالات السياسية بمركز هرتسليا متعدد التخصصات بالقرب من تل أبيب: «كونك قائداً عسكرياً، يعني أنك صارم». وأضاف: «الصرامة عامل مهم للغاية في إسرائيل».

من المقرر أن تنعقد الانتخابات الإسرائيلية في 9 أبريل/نيسان على خلفيةٍ من التوترات التي تكاد أن تنفجر مع حماس في الجنوب، ومع حزب الله في الشمال. اعتمد نتنياهو على سياسات الخوف لسنوات طوال، وأبرز نفسه بصفته الشخص الوحيد القادر على الحفاظ على أمن إسرائيل.

تُظهِر الاستطلاعات ائتلاف أزرق وأبيض متقدماً قليلاً عن حزب نتنياهو الليكود، لكنه قد يواجه صعوبة أكثر من حزب الليكود في تجميع القدر الكافي من الشركاء لتشكيل ائتلاف حاكم.

يتفاخر رؤساء الأركان السابقون بخبرتهم في اتخاذ القرارات الصعبة

يتفاخر قادة أزرق وأبيض، وهم رؤساء الأركان السابقون بيني غانتز، وغابي أشكنازي، وموشيه يعلون، بخبرتهم الثرية في اتخاذ القرارات الصعبة، والقتال في معارك إسرائيل، وحماية مواطنيها. وسبق وانضموا لصفوف حزب وسطي موجود حالياً يقوده يائير لابيد المدني بكل وضوح، إذ عمل صحفياً، مقدم برامج تلفزيونية، ووزيراً للمالية.

يقول وولفسفيلد: «السكان يحبون الجنرالات». وأضاف: «فلديهم سمات القيادة. إنهم وحدهم القادرون على التواجد في المركز، ولديهم الفرصة للفوز».

يتمتَّع غانتز، المرشح لمنصب رئيس الوزراء الذي دخل عالم السياسة حديثاً، بسمعةٍ طيبة باللباقة وعدم الفساد. بينما يتميز أشكنازي، الجديد في عالم السياسة أيضاً، بصورة مقاتل قاسٍ، إذ كان قائد اللواء الجولاني سابقاً، وهو خط قتالي على الجبهة.

ويحظى يعلون بالخبرة السياسية، إذ اشترك في حزب الليكود في 2008، وشغل منصب وزير الدفاع في حكومة نتنياهو قبل أن يختلف معه في عام 2016.

من الواضح أن نتنياهو والجنرالات يمثلون دولتين مختلفتين في إسرائيل

إذ يرى معارضو نتنياهو أنه يدعم الانقسام والاستقطاب. يمتد دور قوات الدفاع الإسرائيلية، المؤسسة الأكثر شعبية واحتراماً في الدولة، تاريخياً كمظلة غير سياسية يتوحد تحتها الشعب ويكون متساوياً في ظلها.

يقول المؤرخ آفي شيلون، مشيراً إلى أول رئيس وزراء لإسرائيل: «يعود الأمر إلى تاريخ تأسيس إسرائيل، عندما وضع ديفيد بن غوريون الجيش فوق أي مؤسسة». وأضاف شيلون الذي يدرس في جامعة بن غوريون بالنقب، وفي حرم جامعة نيويورك في تل أبيب: «أصبح الجيش في إسرائيل هو المكان المنطقي والمسؤول».

الخط الفاصل بين عامة الشعب والجيش ليس واضحاً، بسبب التجنيد الإجباري الذي يضم معظم اليهود في سن 18 عاماً، ذكوراً وإناثاً، لأكثر من عامين في الخدمة الإجبارية.

دخل عشرات من قادة الجيش إلى عالم السياسة، بداية من موشيه ديان الذي شغل منصب وزير الدفاع في حرب الأيام الستة 1967. لكن لم يكن النجاح حليفهم في كل الأوقات.

يعزي الخبراء غفوة الجنرالات عن الدخول إلى عالم السياسة في السنوات الأخيرة الماضية إلى قانون مُرِّرَ في عام 2007، يتطلب وجود فترة ثلاثة أعوام تفصل بين خلع البزة العسكرية ودخول انتخابات البرلمان. وطرح هذا التشريع أحد الموالين لنتنياهو، ويعتبر أنه كان في صالح رئيس الوزراء، إذ أبعد عنه خصوماً محتملين، لأن التأخير لثلاث سنوات يطفئ بعضاً من لمعان شهرة الجنرالات المتقاعدين.

قال زيبي إسرائيلي، خبير العلاقات العسكرية والمدنية في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب: «العامة ينسون سريعاً».

وقال إسرائيلي إن الصورة البطولية للقائد العسكري تلاشت أيضاً، بعدما أصبحت معارك إسرائيل أكثر جدلاً وأقل حسماً.

لكن ما زال الجنرالات يُنظَر إليهم على أنهم الفرصة الأفضل للمعسكر المعادي لنتنياهو

يرفع  المعارضون لنتنياهو شعار «أي شخص عدا بيبي» كما يطلقون عليه في إسرائيل.

وحتى لا يُهزم حزب المعارضة العمالي، جنَّد تال روسو، رئيس الأركان السابق، في الموقع الثاني لديها. وضع لابيد في قائمة حزبه، قبل انضمامه لائتلاف أزرق وأبيض، أورنا باربيفاى، أول امرأة تصل إلى رتبة لواء في الجيش الإسرائيلي.

عزز حزب الليكود صفوفه بضم يوآف غالانت، وهو قائد عسكري متقاعد آخر، جاء من حزب أصغر.

ومرة أخرى، كان القادة العسكريين والأمنيين قوة اعتدال في السياسة الإسرائيلية. ربما بسبب القرب من أهوال الحرب، مال المعظم إلى الوسط واليمين في الخريطة السياسية، الذي يدعم الفصل وتسوية الخلافات مع الفلسطينيين، حتى لو كانوا لا يرون أي أمل قريب لحل النزاع.

منعت معارضة الجنرالات والقادة الأمنيين قراراً إسرائيلياً محتملاً في 2010 بمهاجمة المنشآت الإيرانية النووية. واتهم نتنياهو غانتز بالتساهل مع آية الله في إيران، وبدعم الاتفاق الدولي لكبح جماح البرنامج النووي الإيراني، وهو اتفاق يراه نتنياهو كارثياً.

منذ بداية الحملات الانتخابية، ونتنياهو يؤكد على كونه وزير دفاع إسرائيل أيضاً، وكان هذا جزءاً من مجهوده لاستغلال التعاطف العام مع الجنود. وزار القواعد العسكرية والتقط صور سيلفي مع الجنود، حتى منعته لجنة الانتخابات من استغلالهم لأغراض سياسية.

للتحايل على المنع، صور حزبه إعلاناً للحملة يتهموا فيه غانتز بكونه جزءاً من اليسار «الخطر»، على خلفية المقابر العسكرية. أثار الإعلان رد فعل عنيف.

وفي بير توفيا، قُدم غانتز بصفته ملازم أول في قوات الاحتياط، لكن اعتلى المنصة بسترة داكنة وقميص أبيض. وكانت خطته مدنية خالصة. إذ تعهد بالعمل من أجل حقوق المثليين والمتحولين جنسياً، وبمساعدة مزارعي إسرائيل، وبزيادة منافع ذوي الإعاقة، والحد من تكاليف المعيشة الباهظة.

قال مناخم بور (73 عاماً) المزارع المتقاعد، والمحارب القديم صاحب الإعاقة من حرب 1967، مفسراً الانجذاب للقادة العسكريين: «هؤلاء الناس ضحوا بحياتهم من أجل الدولة، والآن هدفهم هو مصلحة الدولة». وأضاف: «إذا كنا وثقنا بهم في أرواح جنودنا، فلا يوجد سبب يجعلهم لا يمكنهم إدارة الدولة».

قالت أنات شندلر، بائعة مستحضرات التجميل (58 عاماً): «أميل للتصديق بأنهم سيكونون صادقين في عالم السياسة».

قال ماور دوييف (34 عاماً)، الذي عاد للتو من رحلته إلى الهند، إن خدمته العسكرية كانت «صعبة للغاية» وأنه كان مؤمناً بعدم العنف. لكنه قال إنه سيصوت لصالح جنرالات أزرق وأبيض «لأن بيبي يجب أن يرحل، ونحن في حاجة لبديل جيد».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى