تقارير وتحليلات

قامت الجزائر بمناورات ضخمة فرد عليها العاهل المغربي برسالة صارمة للجيش.. هكذا يسعى البلدان لخلق توازن الرعب

مُنتصبي القامة، تركَّزت نظراتهم على العَلم الوطني المغربي الذي يرتفع رُويداً قبل أن يُصغوا السمع لرسالة العاهل المغربي، الملك محمد السادس، الموجهة إلى ضباط وجنود الجيش بمناسبة الذكرى الـ62 لتأسيس القوات المسلحة الملكية.

بمقر اللواء الأول للمشاة المظليِّين في سلا (قرب العاصمة)، نُظِّم احتفال تم خلاله قراءة رسالة الملك محمد السادس، المسماة في أعراف الجيش المغربي “الأمر اليومي”، باعتباره القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية.

العاهل المغربي، المؤمن بضرورة مسايرة الجيش المغربي لمتطلبات العصر والمستجدات العلمية والعسكرية في مجالات الأمن والدفاع، أكد حرصه على “تسخير كل الإمكانات اللازمة والموارد المادية والبشرية الضرورية للرفع من مستوى التجهيزات العسكرية وصقل كفاءات وقُدرات الجيش المعرفية” الأمر الذي اعتبرته وسائل إعلامية جزائرية رداً على المناورات التي كانت قد قامت بها على الحدود الشرقية للمغرب تحت اسم “طوفان 2018″.

توازن الرعب!

أيام قليلة فقط عقب الاحتفاء بذكرى تأسيس الجيش المغربي في الـ14 من مايو/ أيار 2018،قالت تقارير إعلامية جزائرية إن الخطاب في جزء منه موجَّه للجارة الشرقية للمملكة المغربية، مشيرة إلى أن اعتزام الملك تجهيز جيش بلاده وتطويره ودعمه مادياً ولوجيستيكياً يهدف إلى “طمأنة بلاده وتحقيق توازن الرعب مع الجزائر”، في إشارة إلى سباق المغرب من أجل التسلح ومنافسة الجزائر المصنفة رقم واحد على قائمة الدول الإفريقية المستوردة للأسلحة.

تقرير معهد “ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي”، الصادر في فبراير/شباط 2017، أكد أن سوق السلاح العالمية منتعشة بصفة غريبة في القارة الإفريقية، لافتاً إلى أن هَوَس التسليح طال بشكل واضح، الدول المغاربية التي تحتل المراتب الأولى في سباقها نحو التسلح.

المعهد السويدي أكد أن الجزائر احتلت المركز الأول، مستوردةً وحدها أسلحة بنسبة 46 في المائة من إجمالي ما استوردته الدول الإفريقية، كما تشير التوقعات إلى أن الجزائر اشترت زهاء 3.7 في المائة من مجموع الأسلحة المُبيعة بالسوق العالمية للسلاح، بميزانية فاقت 10 ملايير دولار، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة Jeune Afrique الفرنسية.

المغرب بدوره، يعتبر ثاني أكبر مستورد للسلاح في القارة الإفريقية، حيث يشتري وحده ما يربو على 15 في الملئة من الترسانة العسكرية التي تشتريها جُلّ دول القارة مجتمعةً.وقدَّر تقرير “معهد ستوكهولم” الإنفاق العسكري للمملكة عام 2016 بـ3.29 مليار دولار؛ في حين بلغ 3.26 مليار دولار العام الذي قبله.

واعتبر محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، أن تطوير الجيش المغربي، ذي التاريخ المُمتد لقرون، يُعتبر واحداً من الأوراش الكُبرى المفتوحة بالبلاد، في وقت لا يعلم فيه الخبير الأمني الجزائري أكرم خريف ما إذا كان الخطاب “موجَّهاً للجزائر أو للاستهلاك المحلي؛ لتقوية معنويات الجيش”، وفق تعبيره.

دواعٍ أمنية وتهديدات إرهابية

أكرم خريف قال لـ”عربي بوست”، إن إنفاق الجزائر على الأسلحة يدور حول 4 ملايير دولار، مُشيراً إلى أن للجزائر دوافعها التي تجعلها تتسلح، وعلى رأسها تجديد العتاد خاصة أن الجزائر خضعت لحظر استيراد الأسلحة 10 سنوات ممتدة ما بين 1992 و2002، وهي الفترة التي شهدت استعمالاً كبيراً للعتاد، وفق تعبيره.

وعدّد الخبير الأمني أسباباً أخرى دفعت الجزائر لاقتناء السلاح، من بينها عصرنة المُعدّات، بالإضافة إلى نشوب نزاعات وتشكيل بؤر توتر على الحدود الجزائرية، في مناطق لم يكن الجيش يوليها اهتماماً، من قبيل ليبيا ومالي والنيجر وتونس.

وفيما يتعلَّق بأسباب تسلُّح المغرب، اعتبر الدكتور محمد بنحمو، الخبير الدولي في مجال الأمن ومكافحـة الإرهاب، أن للمغرب سواحل طويلة جداً بحاجة لحماية ومراقبة أمام مختلف الكتائب الناشئة، كما يواجه مخاطر في منطقة تعرف تنامي العديد من التهديدات الأمنية.

بنحمو قال لـ”عربي بوست”، إن تهديداً مباشراً تفرضه الجزائر من خلال جبهة البوليساريو يتطلب كذلك وجود منظومة دفاعية قوية؛ حتى لا تُمس سلامته، لافتاً إلى أن الحدود الطويلة مع الجزائر تعد مصدر قلق، خاصة أن “للجزائر عقيدة عدائية تجاه المغرب”.

وردّاً عليه، اعتبر الخبير الأمني الجزائري أن قضية البوليساريو لا تُقلق الجزائر وليست حجة لدفع الجيش الجزائري للتسليح أو نشر القوات العسكرية، مشيراً إلى أن الأمر قد يكون قضية استراتيجية للجيش المغربي، على حد تعبيره.

تسابق محموم

تقارير دولية عديدة توضح بالأرقام تنافس كل من الجزائر والمغرب على امتلاك السلاح في الآونة الأخيرة، وصل لحد الهوس، وفق وصفها، خاصةً أن الأوضاع الدبلوماسية بين البلدين غير إيجابية، فيما تسود “حرب باردة” بين الجارتين بسبب قضية الصحراء.

الخبير المغربي محمد بنحمو اعتبر أن الجزائر هي من تتسابق نحو التسلح خلال العقود الأخيرة، مستحضراً معطيات مختلف التقارير الدولية المشيرة إلى عملها على تكديس الأسلحة بمختلف أنواعها، في صفقات تبدو بعيدة عن العقلنة والترشيد.

في المقابل، فإن المغرب لا يقوم بصفقات عشوائية؛ بل يعمل على تقوية قدراته الدفاعية بمختلف تركيباته وطبيعته، البرية منها والجوية والبحرية، وبشكل معقول يصب ضمن استراتيجية واضحة.

من جانبه، قال الخبير الأمني الجزائري أكرم خريف إن التسليح حق مشروع وقضية سيادية للدول، متابعاً كلامه بالقول: “ولا أظن أن المغرب يخطط للالتحاق بمستوى الجيش الجزائري؛ بل إن تسليحه خلال السنوات الماضية كان من أجل إنجاح مخطط تطويرها إلى جيش احترافي بعد إلغاء الخدمة العسكرية، من جهتها لا تتسلح الجزائر من أجل غزو المغرب؛ لأن جميع مقتنياتها دفاعية وليست هجومية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى