تقارير وتحليلات

مَن سيُعيد الهند وباكستان عن حافة الحرب هذه المرة؟

في الجولات السابقة من الهجمات العسكرية بين الهند وباكستان، استخدم الرؤساء الأمريكيون الدبلوماسية الشخصية لإقناع كلا الطرفين بالرجوع عن الحافة.

كان هذا هو الوضع في عام 1999 خلال حرب كراغيل، ثُمَّ مجدداً في عام 2002. وعلى نحوٍ مشابه، سافرت في ديسمبر 2008 وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كوندوليزا رايس إلى الهند، لإقناع الحكومة بالتراجع عن القيام بردٍّ شديد خُطِّط له بعد هجمات مومباي، مُلقيةً بعبء التعاون بشفافية على باكستان.

لكن هناك شكوك اليوم في أنَّ الرئيس دونالد ترامب أو وزير خارجيته مايك بومبيو يتمتعان بنفس النفوذ الذي كان لأسلافهما في المنطقة. فقد ولَّى العالم الأكثر ميلاً لنموذج الأحادية القطبية، الذي عمل بعض الرؤساء الأمريكيين مؤخراً في ظله، وحلَّت محله حقبة جديدة من تنافس القوى الكبرى بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.

أمريكا انحازت للهند ونبذت باكستان

وبحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية، إنَّ ترامب لم يُظهِر اهتماماً يُذكَر بكونه على مسافة واحدة من مختلف الأطراف في المنطقة، فانحاز على نحوٍ متزايد إلى الهند ونبذ باكستان، جزئياً بسبب تراكم الشكوك الأمريكية حيال الدور الذي اضطلع به الجيش الباكستاني في التساهل سراً مع الجماعات «الإرهابية» على الأراضي الباكستانية وفي أفغانستان، وهو الاتهام الذي تنفيه إسلام آباد بشدة.

أوضح ترامب موقفه تجاه باكستان في يناير/كانون الثاني 2018، حين ألغى خططاً لمنح باكستان مساعدات عسكرية بقيمة 1.3 مليار دولار، وفرض عليها عقوباتٍ بسبب دعمها المزعوم للجماعات الإرهابية. واتَّهم باكستان على تويتر صراحةً بـ «عدم تقديم أي شيء سوى الأكاذيب والخداع».

 

وعلى العكس من ذلك، احتفى الرئيس الأمريكي برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، فأثنى علناً على قيادته، ووقَّع عدة اتفاقيات للتعاون العسكري مع الهند، وأعاد تسمية «القيادة الأمريكية لمنطقة المحيط الهادئ» ليصبح «القيادة الأمريكية لمنطقة الهند والمحيط الهادئ» في عام 2018.

لكنَّ النفوذ الأمريكي في المنطقة تراجع بسبب الإهمال الواضح، إذ كان اهتمام ترامب مُنصبَّاً على مناطق أخرى، فركَّز على إطاحة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وإقامة علاقة صداقة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وسعى للضغط على النظام في طهران بقوة تكفي لدفع الطبقة الوسطى الإيرانية للثورة.

وحتى درجة النشاط الدبلوماسي الأمريكي في المنطقة كان الهدف منها تأمين التوصُّل إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب الأفغانية وإعادة القوات الأمريكية إلى بلادها. فعلى سبيل المثال، لا يوجد مساعد لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون وسط وجنوب آسيا. وتحظى مساعدة وزير الخارجية، الدبلوماسية المخضرمة أليس ويلز، باحترامٍ كبير، لكنَّها لا تملك التأثير السياسي لرايس أو ريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية الأمريكي إبَّان أزمة 2002، وهو رجلٌ يملك إرث عقدين من الزمن من الاتصالات مع الجيش الباكستاني.

يوجد أيضاً شعور بأنَّ هذه الأزمة اندلعت دون إشاراتٍ تُذكَر. إذ استمر الخلاف في كشمير بإطلاق النار المتكرر عبر الخط الفاصل في كشمير، وتخلَّلته اعتداءات واسعة النطاق، لكن لم تكن هناك معلومات مسبقة عن هجومٍ «إرهابي كبير» على مجندي الجيش الهندي، ناهيك عن هجوم «إرهابي كبير» بما يكفي لدفع الطائرات الحربية لتجاوز الحدود.

ليست أمريكا وحدها غير مهتمة بالأزمة بين الجارتين النوويتين

وليست الولايات المتحدة هي الوحيدة التي أُخِذَت على حين غرّة. فالموضوع كان غائباً تماماً عن نقاشات مؤتمر ميونيخ للأمن في نهاية الأسبوع الماضي، وعلى سبيل المثال، لم يُطرَح سؤالٌ واحد عن الصراع المُحدِق أثناء فقرة الأسئلة المُوجَّهة لوزارة الخارجية البريطانية، التي استمرت ساعةً أمام مجلس العموم يوم الثلاثاء 26 فبراير. وهذا أمرٌ لافت كثيراً، بالنظر إلى دور المملكة المتحدة في مولد البلدين عام 1948، والسكان الكشميريين في المملكة المتحدة.

ومنذ الثلاثاء، سارع بومبيو للحاق بوتيرة الأحداث، فحثَّ كلا الطرفين على «ممارسة ضبط النفس» وتجنُّب التصعيد. لكن بالنظر لوجود تقييم استخباراتي أمريكي منذ وقتٍ طويل حول مدى سرعة إمكانية خروج حرب بين هاتين الدولتين عن السيطرة إذا ما اشتعلت، كان غياب العجلة في واشنطن أمراً لافتاً.

الأسلحة النووية وليس التدخُّل الخارجي، هو ما سيدفع البلدين للتراجع

أدَّى انسحاب أمريكا كوسيطة قوى محايدة لمنح الصين درجة أكبر من النفوذ على باكستان، لم يكن بإمكانها التمتُّع به قبل عقدين من الزمن. زوَّدت الصين باكستان بتكنولوجيا ومعدات نووية وصاروخية، وأسلحة تقليدية، وبمليارات الدولارات من الاستثمارات في المشروعات الاستراتيجية –بموجب مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني- مثل ميناء غوادار.

وقد تُبرهن الصين أنَّها صاحبة النفوذ الدبلوماسي الأكثر حسماً لفرض ضبط النفس. فإقليم خيبر باختونخوا، غير البعيد عن الموقع الذي ضربته المقاتلات الهندية صباح الثلاثاء، يُعَد موقعاً رئيسياً للاستثمارات الصينية. ويمر مشروع طريق ثاكوت-هافيليان، البالغ طوله 70 ميلاً (112.7 كم تقريباً) بقيمة 1.3 مليار دولار، عبر منطقة مانسيرا، وهي منطقة وقعت فيها هجمات جوية هندية. كما يوجد مشروع كبير للطاقة الهيدروكهربية قيد الإنشاء. وقد تُعرِّض مزيدٌ من الأعمال العسكرية في المنطقة تلك الاستثمارات للخطر.

وصرَّح المتحدث باسم الخارجية الصينية لو كانغ قائلاً: «نأمل أن تمارس كلٌّ من الهند وباكستان ضبط النفس، وأن تعتمدا إجراءاتٍ من شأنها المساعدة في استقرار الوضع في المنطقة وتحسين العلاقات الثنائية».

لكن في النهاية، قد يكون وجود الأسلحة النووية، وليس التدخُّل الخارجي، هو ما يدفع البلدين للتراجع. فالهند يمكنها ضرب باكستان بقوة، فهي تملك جيشاً يبلغ أكثر من ضعف الجيش الباكستاني، مدعوماً بتسليحٍ أفضل، ولديها اقتصاد يبلغ حجمه 8.5 ضعف الاقتصاد الباكستاني تقريباً. لكنَّ المحللين العسكريين يقولون إنَّ اختلال التوازن بين الطرفين معناه أنَّ السقف الذي قد تستخدم باكستان عنده الأسلحة النووية منخفضٌ نسبياً، فأي هجوم من جانب الهند قد يؤدي إلى عواقب غير محسوبة.

لكن هل تخاطر الهند ببدء حرب شاملة أخرى؟

وبحسب وكالة “بلومبرج” الأمريكية، إن الهند –على الأغلب- لن تورط نفسها بحرب شاملة، فمع أنَّ هناك ضغطاً داخلياً هائلاً للرد بقوة، لطالما كانت الهند مُقيدة بحقيقة أنَّ كلا البلدين يملكان أسلحةً نووية. فبعد هجوم 2016 على مدينة أوري، أذنت حكومة مودي بضربات محدودة وتأكَّدت من عدم تصعيد الوضع، وهو مأزق ساعد فيه نفي باكستان وقوع أي هجمات عابرة للحدود.

لكن هذا الهجوم الأخير يأتي في الوقت الذي يشهد تراجع حزب مودي في استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات، ما قد يفرض مزيداً من الضغط على رئيس الوزراء الهندي، للقيام بردٍّ أوسع لكسب الأصوات في الانتخابات القادمة لصالحه.

ما المرجح حدوثه الآن؟

بحسب بلومبيرغ، فمن المرجح أن تتعرَّض باكستان لضغوطٍ دبلوماسية جديدة. وقد دعا البيت الأبيض باكستان لـ «إنهاء الدعم والملاذات الآمنة المُقدَّمة لكل الجماعات الإرهابية العاملة على أراضيها».

وفي أول تصريحات له منذ نشوب الأزمة، أعرب الرئيس ترامب الخميس عن أمله في التوصل إلى حل للأزمة الدائرة بين الخصمين النوويين، وقال ترامب في مؤتمر صحفي في هانوي عقب قمته مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، إنه تلقى «أخباراً جيدة نسبياً من باكستان والهند». وصرَّح بأن الولايات المتحدة «تبذل جهوداً لمحاولة جعل البلدين يتوقفان» عن التصعيد.

وهذه أول تصريحات لترامب منذ أن تبادلت الهند وباكستان الاتهامات بإسقاط مقاتلات في اشتباك جوي نادر في أجواء إقليم كشمير في الهملايا المتنازع عليه، صباح الأربعاء، حيث أسرت باكستان طياراً هندياً.

إلى ذلك، قد تفرض الأزمة ضغوطاً كذلك على الصين، الحليف المقرب لباكستان، كي تُغيِّر موقفها في مجلس الأمن، حيث عرقلت بكين محاولات الهند إدراج زعيم جماعة «جيش محمد»، مسعود أظهر، على لائحة الإرهاب.

وأعادت وزارة الخارجية الصينية دعوتها الهند وباكستان لممارسة ضبط النفس. وسعت باكستان للحصول على مساعدة الأمم المتحدة لتهدئة الموقف، فيما تواصلت الهند مع بلدان تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين وفرنسا وروسيا، وحثَّت حكومة إسلام آباد على التحرُّك ضد الجماعات الإرهابية الموجودة في البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى