تقارير وتحليلات

فايننشال تايمز: وضع لبنان أكثر خطورة وهذه الأسباب التي فجرت غضب شباب لبنان

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا موسعا حول التظاهرات التي يشهدها لبنان، احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية، وللمطالبة بتغيير النظام السياسي في البلاد.

وتحدث التقرير، الذي أعدته مراسلة الصحيفة في الشرق الأوسط كول كورنيش، عن أكبر تظاهرات ضد الحكومة خلال عقود، التي طالب فيها المتظاهرون المحاطون بالأعلام اللبنانية بإنهاء الفساد وبإصلاح شامل للنظام السياسي القائم على المحاباة، وما يكفي من الوظائف لعشرات الآلاف من اللبنانيين الذين يتخرجون كل عام.

على رأس أسباب الهوة العميقة بين المتظاهرين والطبقة السياسية، رئيس عمره 84 عاما

وقالت الصحيفة إن الشباب في لبنان، حيث السن الأدنى للتصويت هو 21 عاما، وهو أعلى سن للتصويت في العالم، غاضبون على المؤسسة السياسية البعيدة عنهم في بيروت، وسوء إدارتها للاقتصاد، ويشعرون بأن الطريقة الوحيدة للتعبير عن غضبهم هي من خلال النزول إلى الشارع.

ويلاحظ التقرير، الذي ترجمه ونشره موقع “لبنان 24″، أنه في الوقت الذي ما تزال فيه الأبنية تحمل آثار الرصاص منذ الحرب الأهلية، التي استمرت 15 عاما وانتهت عام 1990، إلا أن جيل ما بعد الحرب أقل خوفا من جيل آبائهم في تحريك المياه الراكدة.

وتنقل الصحيفة عن الباحث الأكاديمي في الجامعة الأمريكية في بيروت، المشارك في التظاهرات، بشار الحلبي، قوله: “مستوى الوضوح لدى الشباب في شعاراتهم ورؤيتهم متقدم جدا على الأجيال السابقة، وتشعر بأنهم أشجع من الكثير غيرهم في الشارع”.

وتذكر الصحيفة أن رئيس الوزراء سعد الحريري استقال نتيجة للاحتجاجات، مشيرة إلى أن المحتجين لم يقبلوا بحزمة إصلاحات اقتصادية تم وضعها على عجل.

وينوه التقرير إلى أن على رأس أسباب الهوة العميقة بين المتظاهرين والطبقة السياسية، رئيسا عمره 84 عاما، دعا المتظاهرين هذا الأسبوع للذهاب إلى بيوتهم، وهي رسالة تم تفسيرها على أنها دعوة للهجرة، فقال ميشال عون: “إذا استمررتم بما تقومون به ستضربون البلاد ومصالحكم ومصالحنا”.

ويشير التقرير إلى أن ثورة اللبنانيين تأتي في وقت يمر فيه الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بتحد ديمغرافي خطير، مع عدم وجود وظائف كافية لمكون الشباب الديمغرافي المتضخم، لافتة إلى أن وضع لبنان أكثر خطورة، لأنه يحتاج إلى إيجاد عدد من الوظائف يساوي ستة أضعاف المتوفر حاليا لاستيعاب 23 ألف شخص ينضمون لسوق العمالة سنويا، وحسب دراسة رعاها الاتحاد الأوروبي، نسبة البطالة بين الشباب تصل إلى 35%.

أكثر من 40% من الذكور ونصف الإناث الذين تخرجوا بين عامي 1999 و2007 هاجروا

ونقلت الصحيفة عن الطالب المتظاهر بيرنارد النادف (23 عاما) قوله: “العيش هنا غير مستدام، ولذلك يهدف معظم الشباب اللبناني للمغادرة. فمن الصعب علي أن أحصل على بيت ودخل دائم”.

ويلفت التقرير إلى أن اللبنانيين، الذين يتقنون عدة لغات، كانوا يذهبون إلى الدول ذات الاقتصادات الغنية، من الخليج إلى غرب إفريقيا وأمريكا، حيث يرسلون الأموال إلى لبنان، الذي يعتمد على الاستيراد، بإبقاء احتياطه من الدولارات، كما تظهر المعطيات الأخيرة بأن أكثر من 40% من الذكور ونصف الإناث الذين تخرجوا بين عامي 1999 و2007 هاجروا، وقد حمل أحد المتظاهرين الأسبوع الماضي لافتة مغطاة بصور شباب، معلقا عليها بالقول: “أريد أصدقائي أن يعودوا.. كلهم هاجروا”.

وتنوه الكاتبة إلى أنه عندما كان والد رائد حيدر يعمل في السعودية، كان بإمكان والديه إرسال أطفالهما لمدارس خاصة، إلا أنه عندما عاد إلى لبنان عانى محل الملابس الذي فتحه من ضعف السوق، وخسر محله بسبب الاقتصاد اللبناني المتردي.

ويرى التقرير أنه بعد سنوات من مقاومة الجاذبية، من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد هذا العام، ما سيلحق الضرر بالشباب بشكل أكبر، بحسب ما حذر منه البنك الدولي، الذي قال إن البطالة “قد ترتفع بشكل حاد”.

ويشير التقرير إلى أن حيدر عمره 21 عاما، وهو الآن طالب علوم سياسية، ويقول إن “خوفه الرئيسي” هو من الاقتصاد، ويضيف: “كل شيء مكلف، من شحن شريحة الهاتف إلى الطعام”، مشيرا إلى التضخم المتزايد وضعف الليرة اللبنانية، فيما قال زميله الطالب في الجامعة اللبنانية، شربل أبو يونس، البالغ من العمر 21 عاما: “بالنسبة لشخص يبدأ حياته الآن.. إنه أمر مقلق أن يكون الاقتصاد منهارا تقريبا”.

وتلفت كورنيش إلى أن الشباب، الذين لا يملكون واسطات، يشكون من أن الفرص ليست لصالحهم في نظام سياسي يقوم على المحاباة، حيث أصبح نموذج الحكم، المصمم لتجنب الاقتتال الطائفي الذي شوهد خلال الحرب الأهلية، تهيمن عليه أحزاب سياسية تستخدم هذا النظام لتوزيع الوظائف على أتباعها.

ومن بين المشاركين في الحراك كلير بسبوس (22 عاما)، التي رغم تقديمها لأكثر من 40 وظيفة في العام الماضي، فإنها، وهي خريجة العلوم السياسية، ما تزال دون عمل، وقالت بسبوس: “إنه أمر مخيف أن تكوني عاطلة عن العمل وكل شيء يسير بشكل سيئ. نحن اعتدنا على ذلك في لبنان”.

وتلفت كورنيش إلى أنه لكون بسبوس تواجه احتمال الاضطرار للهجرة للبحث عن العمل خارج لبنان، وهو ما فعله الكثير من الخريجين اللبنانيين، فإنها انضمت إلى مئات الآلاف من الشباب في الشارع، وقالت بسبوس: “هذه بلدي وأريد البقاء بها.. لو توقف الفساد سيتحسن الاقتصاد”.

وينوه التقرير إلى أنه في الوقت الذي يريد فيه معظم المتظاهرين تغييرا جذريا للنظام السياسي، فإن بسبوس تشك إن كانت التوترات التي دامت مئات السنين مسحها تضامن المتظاهرين من طوائف متعددة، مشيرة إلى أن آخرين يشاركونها تشككها.

وتستدرك الكاتبة بأنه بالرغم من الاقتصاد المتردي وضعف الخدمات الحكومية، إلا أن الكثيرين لا يريدون التخلي عن لبنان، مشيرة إلى أبو يونس الذي خطط لاستخدام جنسيته الأسترالية لإيجاد عمل في الخارج، إلا أنه الآن يقول إنه يريد أن يسعى للعمل كأستاذ جامعة في لبنان، قائلا: “لا أظن أن أستراليا تحتاجني، بلدي تحتاجني”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى