تقارير وتحليلات

كيف عبر الإرهاب البحار والمحيطات للوصول إلي نيوزيلندا؟

اتسمت نيوزيلندا بالهدوء والابتعاد عن كل مظاهر التطرف والتشدد فأصبحت ملجأً آمناً للمهاجرين الفارين من غياب الأمن في بلدانهم.

بشار الجمل رئيس جمعية الدعوة الإسلامية والذي يقيم في نيوزيلندا منذ 30 عاماً يقول إن هذا البلد هو آخر مكان في العالم كان يتوقع أن يحدث فيه هذا العمل الإرهابي.
ويضيف في تصريحات لـ»عربي بوست» شعبها مسالم ويرحب بالمهاجرين إليها.

ويدلل على ذلك بأن مرتكب المذبحة الجمعة 15 مارس 2019، التي أودت بحياة 49 مسلماً هو أسترالي الجنسية، فهو ليس من أبناء الشعب النيوزيلندي المعروف بطيبته على حد تعبيره.

فهل كانت نيوزيلندا بالفعل بعيدة عن التطرف؟

يرى خبراء متابعون لصعود اليمين المتطرف لموقع Stuff النيوزيلندي أن التطرف قد تزايد في نيوزيلندا خلال الفترة الأخيرة وظهرت علامات تحذيرية واضحة لحدوث هجمات إرهابية.

قال د. جون باترسبي، خبير مكافحة الإرهاب بمركز جامعة ماسي للدفاع والدراسات الأمنية: «لفترة طويلة، افترضت نيوزيلندا بأن التطرف غير موجود هنا، ولكنه موجود».

وألقى د. جون باللوم على الإنترنت، قائلاً: «يرجع ذلك لظاهرة غرف الصدى على الإنترنت حيث يمكن أن يجتمع أشخاص ذوو أفكار متطرفة معاً ويستمعوا إلى بعضهم البعض ويشجعوا بعضهم البعض. لقد حذرنا من ذلك منذ وقت طويل».

ورأى أن بُعد نيوزيلندا الجغرافي لا يمثّل أي حماية من ارتفاع حدة التطرف العالمي، مع صعود اليمين المتشدد في أوروبا، ونجاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واليمين المتطرف في أمريكا، مما يشجع الإرهاب المحتمل.

وأضاف: «نحتاج لأن نسأل أنفسنا، كيف قام شخص مثله بتسليح نفسه على هذا النحو؟ وطبيعة الأسلحة الآلية التي استخدمها، لقد بث جريمته على الهواء مباشرة، وهذا أمر مروّع».

وأشار د. جون إلى أن قوانين التسليح النيوزيلندية ليست بصرامة القوانين الأسترالية، ولا يوجد سجل وطني للتسليح. هناك ما يقدّر بحوالي 1.3 مليون سلاح ناري مملوك قانونياً، بينما الأسلحة النارية غير القانونية تمثّل مشكلة كبيرة.

ولكنه أكد في الوقت نفسه أن الهجمات الفردية لطالما كان من الصعب منعها. ويقول: «عندما تتعامل مع منظمة ذات تخطيط وتنظيم لوجيستي، يكون من الأسهل عليك تتبعها وإيقافها».

وشدد باترسبي على أن أجهزة الأمن النيوزيلندية كانت على وعي دائم بإمكانية حدوث مثل هذه التهديدات محلياً.

وقال: «لا أوافق على من يقول بفشلهم لأنهم كانوا يبحثون في مكان آخر. لقد كانوا ينظرون إلى التطرف باعتباره مشكلة، بأي شكل أو هيئة قد يتخذه».

بذور القومية

د. بول سبونلي، مؤلف كتاب سياسات الحنين: العنصرية واليمين المتطرف في نيوزيلندا، قال إن كرايست تشيرش لطالما كانت مرتعاً للعنصرين البيض والجماعات القومية المتطرفة، وحدثت العديد من هجمات العنف في المدينة منذ مقتل وأين موتز على يد غلين مكاليستر المنتمي لمجموعة حليقي الرأس في أواخر عام 1989.

وقال: «مهما كانت تفاصيل تلك الحادثة، فقد كانت نهاية عهد البراءة».

ورأى د. سبونلي أن الجماعات اليمينية المتطرفة جاذبة بشكل خاص للشباب الذكور من الفئة العاملة.

وقال: «إنهم يشعرون بأنهم يفقدون مكانتهم كمجموعة مهيمنة، وأن ثقافتهم مهددة بسبب التعدد الثقافي. وما حدث منذ 11/9 أنه أصبح هناك نظرية مؤامرة عالمية كبيرة تفيد بأن المسلمين هم التهديد الأكبر».

وأضاف: «إنهم يعتقدون أن المسلمين يقوّضون ثقافتهم وهويتهم ويهاجمونهم أيضاً وأن عليهم الرد بالمثل. إن الأمور التي يفكر بها هؤلاء الأشخاص ويكتبونها عن الأقليات العرقية والدينية مروّعة وبغيضة».

وقال سبونلي إن هذا التطرف اليميني تزايد بشكل ملحوظ في نيوزيلندا خلال الأعوام القليلة الماضية.
وأشار إلى الشعبية التي يتمتع بها متحدثون معادون للإسلام مثل ستيفان مولينو، والذي خطط لإلقاء ندوة هنا في أغسطس الماضي.

وذكر د. سبونلي خلال تجمع لحرية التعبير في يوليو/تموز، بعد رفض العمدة فيل غوف السماح لمولينو بالحديث في المجلس، رفع متظاهرون لافتات تحمل كلمة «الحرية لتومي»، إشارة إلى تومي روبنسون، الناشط العنيف المناهض للمسلمين في المملكة المتحدة.

وقال: «قد يبدو ذلك مخالفاً تماماً لثقافة نيوزيلندا السياسية، ولكنني قمت بعمل كاف خلال السنوات الأخيرة لأعرف أن هناك بعض المجموعات والأفراد المتطرفين جداً وهم قادرون دائماً على القيام بمثل هذه الأعمال».

وأكد سبونلي أن ردود الأفعال ستكون اختباراً لثقافة نيوزيلندا. وقال: «علينا أن نقبل بأن هناك مشكلة نحتاج للعمل عليها في مجتمعاتنا، وهي التماسك والتقدير الاجتماعي، وتصاعد الكراهية عبر الإنترنت. ها نحن نختبر بعضاً مما يواجه بقية العالم».

التطرف الديني المسيحي

وقال دوغلاس برات، الأستاذ بجامعة أوكلاند، وخبير دولي في الإرهاب الديني ومؤلف كتاب الدين والتطرف: إن اللغة والعبارات والرؤية العالمية لبيان المسلح المشتبه به تشير إلى أنه أحد أشكال الإرهاب المسيحي.

وقال برات: «الأمر ليس سياسياً، إنه تطرف ديني عميق ومتأصل».

وأضاف: «يتصرف هؤلاء الأشخاص على أساس أن المسلمين هم من يتوجب عليهم الخوف لأنهم يُنظر إليهم على أنهم متطرفون، ويعتبر هذا الهجوم بمثابة ضربة استباقية».

وقال برات، المتتبع لمثل هذا النوع من الإرهاب منذ تفجيرات لندن، إن هناك خيوطاً خفية تحت الأرض لمثل هذه الأمور دائماً في نيوزيلندا. وهي تتشابك مع معتقدات اليمين الأبيض المتطرف.

ويوّضح برات الأسباب قائلاً: «كلما أصبحنا أكثر علمانية، توغل الدين أكثر تحت الأرض، بما في ذلك الأشكال المتطرفة منه. وكنت أتوقع أن تنفجر هذه الأفكار في مرحلة ما بشكل عنيف».

وقال أنه يهتم كثيراً بمعرفة إذا كان المشتبه بهم نشأوا في نيوزيلندا أم جاؤوها من الخارج.

وأضاف: «إننا جزء من عالم أصبح صغيراً. إذا كانت هذه الجريمة حدثت من قبل محليين، فهذا يعني أنهم استقوا هذه الأفكار المتطرفة عبر الإنترنت. حيث أصبح الأشخاص يتواصلون عبر الحدود بسهولة».

وقال إن هذا الحادث بمثابة «جرس إنذار» لنيوزيلندا لتهتم بشكل أكبر بما يعنيه التنوع الديني.

كما دعا الأشخاص لدعم المجتمع المسلم. وقال: «نحتاج للاحتشاد حول المجتمع المسلم، إنهم المستهدفون، وليس النيوزيلنديون. الغالبية العظمى منهم أشخاص محبون للسلام يرغبون بممارسة شعائرهم الدينية بأمان».

واختتم كلامه قائلاً: «إحدى مغالطات اليمين المتطرف هي الخلط بين الإسلام والإرهاب، وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى