منتدى الفكر الاستراتيجي

ترامب يحشد 60 دولة لتأديب إيران بوارسو .. وقادة أوروبا يرفضون ونتنياهو أكبر المستفيدين

تحتضن العاصمة البولندية وارسو مؤتمراً يضم وزراء وممثلين من 60 دولة في العالم، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لكن يغيب عن هذا التجمع ممثلون لأكبر دولتين  أوروبيتين هما فرنسا وألمانيا.

الهدف المعلن من هذا التجمع هو «دعم مستقبل سلام وأمن الشرق الأوسط»، كما تقول أجندته العامة، لكنْ هناك أهداف أخرى تسعى واشنطن لتحقيقها من هذا المؤتمر وهي ممارسة مزيد من الضغط على إيران، وفي نفس الوقت دمج إسرائيل بشكل أكبر في الشرق الأوسط عبر تحالف يُعادي طهران يضم معه دولاً عربية وخليجية.

ويبدو أن الأجندة الخفية للمؤتمر لم تكن محل ترحيب دول عديدة لها وزنها الاستراتيجي مثل: روسيا، وألمانيا وفرنسا، وكذلك المفوضية الأوروبيةوالفلسطينيون وتركيا وقطر، فيما كان تمثيل بعض الدول مثل مصر متواضعاً.

لماذا غابت القوى الأوروبية الهامة؟

لعلّ ما يقلق الأوروبيين من هذا التجمع هو الرغبة الأمريكية الجامحة في فرض مزيدٍ من العقوبات على إيران ومحاولة حشرها في الزاوية، بسبب «ممارستها» التي تعتبرها واشنطن داعمة للإرهاب، فيما ترى أوروبا أن طهران ما زلت تفي بكل ما عليها فيما يتعلق بالاتفاق النووي الذي مزقته الإدارة الأمريكية بعد وصول ترامب مباشرة.

المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

فالقادة الأوروبيون الرئيسيون، مثل ألمانيا وفرنسا، الذين راعوا الاتفاق التاريخي الذي وُقع عام 2015 بين إيران والقوى الدولية بوقف برنامج طهران النووي، عبروا عن انزعاجهم أكثر من مرة من قرار ترامب أحادي الجانب بتمزيق الاتفاق، معتبرين أن الاتفاق لا يخصّ واشنطن وحدها ومن ثم لا يمكن لترامب أن يفعل ذلك بشكل منفرد.

أيضاً عقب الاتفاق هرعت شركات فرنسية وألمانية إلى توقيع اتفاقيات اقتصادية هامة مع إيران في مجالات الطيران والنفط والبنية التحتية، لكن كل ذلك أصبح في مهب الريح بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، وفرض الإدارة الأمريكية عقوبات على المتعاملين مع إيران، ومن ثم باتت مصالح هذه الدول معرّضة للضرر بشكل مباشر، فلعل غياب هذه الدول عن القمة أرسل رسالة هامة لترامب بأن سياسات الإدارة الأمريكية تسببت في ضرر مباشر لهذه الدول الأوروبية، وأن فكرة التحالف المتين بين أوروبا والولايات المتحدة باتت مهددة بالخطر بسبب تغول المصالح الأمريكية على نظيرتها الأوروبية.

حضر الخليجيون وغابت قطر

الصراع المستمر منذ 40 عاماً بين بعض دول الخليج مثل السعودية والإمارات كان حاضراً في هذا المؤتمر، فهذه الدول ترى أن الإدارة الأمريكية الحالية قد تكون فرصة لن تتكرر في العداء والخصومة مع إيران، فلابد من تحقيق الاستفادة القصوى من الوضع الإقليمي والدولي الراهن.

فبالنظر للعداء التاريخي المذهبي بين السعودية التي ترفع لواء المذهب الوهابي السني، وبين إيران صاحبة المذهب الشيعي الاثني عشري قد تكون الإدارة الأمريكية الحالية هي الحل أمامها للتشفي من الغريم الإقليمي وتوجيه ضربة قوية له قد تعطل خططه لسنوات.

عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودية

الرياض ترى أن طهران تمثل لها خطراً كبيراً في العديد من الملفات الهامة مثل لبنان والبحرين وسوريا وأخيراً اليمن التي تدفع السعودية ثمناً باهظاً منذ 4 سنوات في ما يُعرف بعملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين الذين انقلبوا على الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي.

الأمر نفسه بالنسبة للإمارات، الحليف الهام للسعودية، بسبب العلاقة الخاصة بين وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي محمد بن زايد، فالخلاف حول الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسي) التي تحتلها إيران في الخليج العربي يثير مشاكل متكررة بين البلدين رغم التعاون الاقتصادي الخفي بين إمارة دبي وإيران. وحضور مثل هذا المؤتمر قد يؤدي إلى مزيد من الضغط على إيران وفي نفس الوقت يأتي في إطار التعاون مع إدارة ترامب.

عُمان والتقارب مع إسرائيل

سلطنة عمان هي الأخرى حضر وزير خارجيتها  يوسف بن علوي المؤتمر، لكن ربما ليس الهدف من هذا الحضور الضغط على إيران، فسلطنة عمان ليس بينها وبين إيران عداء بل بالعكس في الكثير من الأوقات تسبب العلاقة الحميمية بين مسقط وطهران توتراً مع الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات، لكن الهدف العماني كان واضحاً وهو مزيد من التقارب مع إسرائيل.

فقبل نهاية عام 2018، فأجا رئيس الوزراء الإسرائيلي الجميع بزيارة خاصة إلى سلطنة عمان ومقابلة سلطانها قابوس بن سعيد، الأمر الذي أثار موجة من الجدل حول بداية حقبة التطبيع الخليجي مع إسرائيل، والذي بات ربما هدفاً استراتيجياً للإدارة الأمريكية بتغيير بوصلة العداء في الشرق الأوسط ضد إيران والمنظمات «الإرهابية» وليس إسرائيل.

ولعل الصور التي سربتها وسائل إعلام عالمية لوزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بعد مقابلته رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش هذه القمة تصبّ في هذا الاتجاه أيضاً.

أما بالنسبة لقطر التي فرضت عليها 3 دول خليجية، إضافة إلى مصر حصاراً برياً وبحرياً وجوياً بتهم دعم الإرهاب والعلاقة مع إيران، فقد غابت عن هذا التجمع؛ إذ لا ترى فيه ناقة ولا جمل لها، ولا يمكن أن يحقق لها أي مكاسب سياسية أو شعبية.

فعقب فرض الحصار في 5 يونيو 2017 على الدوحة عرضت عليها إيران وتركيا مدّها بالمواد الغذائية لمواجهة هذا الحصار، فيما تتشارك طهران والدوحة في حقل غاز الشمال، كما تربط البلدان علاقات اقتصادية وتجارية قوية، فإذا كان الهدف من هذا المؤتمر ممارسة مزيدٍ من الضغط على إيران فلن يمثل ذلك أهمية قصوى بالنسبة للدوحة، وأيضاً فيما يتعلق بالتطبيع العربي مع إسرائيل، ترفض قطر هذا الأمر بشكل قاطع، فإذاً لا حاجة للدوحة في حضور هذا المؤتمر.

نتنياهو يريد «اللَّقطة»

قد يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو أسعد الحاضرين في هذا المؤتمر فالرجل قد يخرج من التجمع بعدة فوائد لم يكن يتخيلها قبل سنوات، فلأول مرة يجلس نتنياهو على طاولة واحدة مع عدد لا بأس به من المسؤولين العرب، كما أن التجمّع بالكامل يهدف إلى دمج إسرائيل بشكل أكبر في المنطقة العربية، وكذلك ممارسة المزيد من الضغط على إيران التي باتت صواريخها قريبة من إسرائيل في سوريا، وحدثت بينهما مناوشات عديدة قبل أشهر.

وفي أول تصريح له أبدى نتنياهو تفاؤله بالمؤتمر، واعتبره «فرصة» للعمل مع الدول العربية لتعزيز «المصلحة المشتركة» في الحرب على إيران.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

وقال إنه سيجتمع في وارسو مع 60 من وزراء الخارجية ومبعوثي الدول من جميع أنحاء العالم «ضد إيران».

وأضاف: «المهم في هذا الاجتماع -وهو ليس سراً؛ لأن هناك الكثير من هذه الاجتماعات- هو أنه لقاء مفتوح مع ممثلي الدول العربية الرائدة التي تجلس جنباً إلى جنب مع إسرائيل من أجل تعزيز المصلحة المشتركة الحرب مع إيران».

أما داخلياً فإن نتنياهو قد يحقق أهدافاً هامة من حضوره، وهي كسب مزيد من التأييد في الداخل، لا سيما أنه مقبل على انتخابات مبكرة في أبريل القادم ويريد أن يحقق فوزاً سهلاً في هذا الاقتراع، فحضوره هذا المؤتمر قد يمنحه الفرصة الكافية لشرح «الخطر الإيراني» أمام عدد كبير من الدول، خاصة أن هذا «الخطر» بات يقلق الإسرائيليين بشكل كبير بسبب الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران في سوريا.

كما أن نتنياهو قد يقدم نفسه أمام مؤيديه على أنه الزعيم الإسرائيلي الأكثر قبولاً لدى الدول العربية التي تهرول إلى التطبيع مع تل أبيب، كما أنه يحاول الهروب إلى الأمام في قضايا الفساد التي تلاحقه داخلياً.

لكن يبقى في النهاية سؤالان هامان وهما: هل تنجح الولايات المتحدة في معاقبة إيران في ظل رغبة أوروبية كبيرة في التحرك بعيداً عن أهداف وقرارات واشنطن الأحادية؟ وكذلك هل بالفعل سيكون هذا الاجتماع بداية علنية للتطبيع العربي مع إسرائيل أم أن الأمر مجرد دعاية فقط؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى