منتدى الفكر الاستراتيجي

نيويورك تايمز: البنتاجون يبني قوة ردع لصد هجوم إيراني محتمل

تؤسس وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) قوة ردع كبيرة لصد أي هجوم إيراني محتمل، على أهداف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط،وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

وفي أحدث تحرك لها، قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إنَّها ستنشر بطارية صواريخ باتريوت مضادة للصواريخ في الشرق الأوسط لتعزيز الدفاعات ضد التهديدات الإيرانية، وهو جزءٌ من سلسلة عمليات انتشار مُحدَّدة بعناية تهدف لردع هجمات القوات الإيرانية ووكلائها، بحسب وكالة رويترز.

وستعود بطارية باتريوت واحدة مضادة للصواريخ إلى الخليج العربي، بعد أشهرٍ قليلة فقط من سحب أربع بطاريات من المنطقة. وقال البنتاغون أيضاً إنَّه سيُبدِّل سفينة واحدة موجودة في المنطقة بسفينة أكثر قوة، سفينة «أرلينغتون»، وهي سفينة برمائية مصممة لحمل قوات مشاة البحرية (المارينز) ومروحيات قتالية.

وقال المسؤولون إنَّ عمليات الانتشار تُمثِّل جزءاً من الطلب الأساسي الذي قدَّمته القيادة المركزية بالجيش الأمريكي الأسبوع الماضي بعدما قالت إدارة ترامب إنَّ معلوماتٍ استخباراتية جديدة تُظهِر أنَّ إيران تحشد مجموعات وكيلة في العراق وسوريا لمهاجمة القوات الأمريكية.

ويوم الإثنين الماضي، كشف مسؤولون من الولايات المتحدة عن قائمة أهداف قالوا إن إيران حددتها لاستهداف المصالح الأمريكية، والتي كانت سبباً في إرسال واشنطن قوات لها إلى الشرق الأوسط بهدف ردع أي تحرّك محتمل لطهران.

ونقلت صحيفة “ول ستريت جورنال” الأمريكية، عن مسؤولين أمريكيين لم تسمّهم، قولهم إن المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها واشنطن، أفادت بأن إيران كانت تخطط لضرب مصالح أمريكية في عدة دول بالشرق الأوسط.

ونتيجة لذلك، أرسل البنتاغون قاذفات من طراز B-52 هذا الأسبوع إلى قاعدة العديد الجوية بقطر، وعبرت حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» قناة السويس في طريقها إلى الخليج.

ويُراد من الخطوات الجديدة أن تكون موزونة ومحدودة جزئياً، لأنَّ تحليلاً استخباراتياً جديداً من الاستخبارات الأمريكية والاستخبارات الحليفة خلُصت إلى أنَّ الحكومة الإيرانية، التي تتراجع شعبيتها وسط مشكلاتٍ اقتصادية، تحاول استفزاز الولايات المتحدة لاتخاذ رد فعل عسكري مُبالِغ من أجل تعزيز قبضتها على السلطة، وذلك بحسب مسؤولي استخبارات أمريكيين وحلفاء. ولم يُجرِ مجتمع الاستخبارات الأمريكي حتى الآن تقييماً رسمياً أوسع من شأنه أن يضم وجهات نظر من عدة وكالات.

خلافات داخل الإدارة

ومع ذلك، تزداد الانقسامات داخل إدارة ترامب بين المسؤولين الداعين لفرض قيود صارمة على عمليات الانتشار العسكري ومعسكر أكثر صقورية يعتقد أنَّ الولايات المتحدة لابد أنَّ تكون مستعدة لمعركة أكبر نطاقاً مع إيران، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وقال مسؤولان أمريكيان إنَّ المُخطِّطين العسكريين وُجِّهَت لهم الأوامر هذا الأسبوع ببدء الاستعداد لاحتمالية عملية انتشار أكبر بكثير في المنطقة، في حال وقوع صراع عسكري مع إيران. ومن شأن تلك الخطط أن تتجاوز كثيراً الخطوات المحسوبة التي اتخذها البنتاغون هذا الأسبوع، وفقاً لما ذكرته الصحيفة الأمريكية.

وأضاف المسؤولان إنَّ تلك الخطط، التي لا تزال في مراحلها المبكرة، يمكن أن تستدعي في نهاية المطاف عشرات الآلاف من القوات الإضافية لإرسالها إلى الشرق الأوسط. ومع ذلك، حذَّر مسؤولون من أنَّ جهود التخطيط الجارية لا تزال مبدئية تماماً ولم يتصوَّروا حدوث عملية برية كبيرة النطاق ضد إيران.

ونقلت الصحيفة أيضاً عن مسؤولين قولهم، إنَّ جهود التخطيط مثيرة للجدل داخل الجيش، خصوصاً بسبب إشارة التحليل الاستخباراتي إلى أنَّ طهران تحاول إثارة رد فعلٍ مُبالَغ فيه (من الولايات المتحدة). وأشار المسؤولون إلى أنَّ أي عملية انتشار كبيرة النطاق ستكون متعارِضة مع رغبة الرئيس دونالد ترامب في الحد من عمليات انتشار القوات خارج البلاد.

مخاوف أمريكية

وجاءت عمليات الانتشار الحديثة وجهود التخطيط والتحليل الاستخباراتي، واعترضت أجهزة الاستخبارات الأمريكية والحليفة اتصالاتٍ بين الحكومة الإيرانية وقواتها الوكيلة فسَّرها المحللون باعبارها تُشجِّع على شن المجموعات الإرهابية المدعومة إيرانياً هجماتٍ على القوات والقواعد  الأمريكية في الشرق الأوسط.

وقال مسؤول بالبنتاغون، أمس الجمعة، إنَّ الولايات المتحدة رصدت «نشاطاً بحرياً غير اعتيادي» من جانب قوات الحرس الثوري الإيراني والسفن التجارية التي يُشتَبَه بحملها صواريخ وعتاداً عسكرياً آخر.

ووفقاً لمسؤولي استخبارات أمريكيين وحلفاء، قال التحليل الاستخباراتي الجديد إنَّ الرئيس الإيراني حسن روحاني يعتقد أنَّ أي هجوم من جانب القوات الوكيلة، أو وجود تصوُّر (لدى الجانب الأمريكي) بأنَّ تلك القوات تستعد لتوجيه ضربة، قد يدفع الولايات المتحدة لتوجيه ضربة لهدفٍ عسكري إيراني، مثل سفينة بحرية أو قاعدة.

وقال التحيل إنَّ الاستراتيجية الإيرانية تتمثَّل في دفع أمريكا إلى سوء تقدير أو رد فعل مُبالَغ فيه. ولا يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنَّ إيران تريد حرباً أو حتى صراعٍ كبير النطاق. لكنَّ التحليل قال إنَّ توجيه الولايات المتحدة ضربة أكثر محدودية قد يخدم الإستراتيجية الإيرانية.

وكثيراً ما كانت التحليلات والتقييمات الاستخباراتية في الشرق الأوسط مشحونة، ولها سجل مقلق. فحذَّر مسؤولون من أنَّ أي تحليلٍ استخباراتي يستكشف دوافع الخصوم هو مسعى صعب للغاية، وفقاً لـ The New York Times.

لكنَّ المسؤولين أشاروا إلى أنَ التقييم الذي يرى أنَّ إيران تحاول استفزاز الولايات المتحدة لتحقيق أهداف سياسية خاصة بها يُمثِّل رؤية مهمة يمكن أن تساعد إدارة ترامب على تفادي تصعيدٍ لا داعي له مع إيران.

تصاعد التوتر

وفي الوقت الراهن، يستمر تراكم التوتُّر بين واشنطن وطهران، يُعزِّزه الخطاب الغاضب من الساسة في كلا الطرفين. ففي الحكومة الأمريكية يُنظَر إلى مستشار الأمن القومي جون بولتون باعتباره يتخذ نهجاً متشدداً تجاه إيران، وبعث بموظفيه هذا الأسبوع لإيصال رسالة بشأن «التهديد المستمر» للطموحات النووية الإيرانية.

لكنَّ ترامب أشار إلى نهجٍ محتمل أكثر ليونة. فقال أول أمس الخميس 9 مايو، مُتحدِّثاً عن قادة إيران، إنَّه «سيحب أن يراهم يهاتفونه»، وهي دعوة رفضها في اليوم التالي قائدٌ إيراني كبير، بحسب ما ذكرت وكالة رويترز.

ووفقاً لمسؤولين أمريكيين اثنين، التقى بعض الأعضاء البارزين بمجلس الأمن القومي الأمريكي في منتصف نهار الجمعة للتباحث حول إيران. واقترح البعض في وزارة الدفاع تقديم مساعدة إنسانية لضحايا الفيضانات الإيرانيين وتخفيف بعض العقوبات مقابل إنهاء إيران دعمها لحزب الله اللبناني والمقاتلين الحوثيين في اليمن. ووفقاً لمسؤولٍ كبير بالإدارة، ينظر موظفو مجلس الأمن القومي إلى المقترح بتشكُّك.

ويعود هذا جزئياً إلى الضغط من جانب الولايات المتحدة، وآثار العقوبات القاسية، وتعثُّر الاقتصاد الإيراني. ووفقاً للمسؤولين الأمريكيين والحلفاء، فإنَّه في ظل التضخُّم الجامح، والمشكلات الاقتصادية الواسعة، والاضطرابات العمالية، تعتقد الحكومة الإيرانية أنَّ شعبيتها تتراجع.

استياء في إيران

وتتصاعد مشاعر الاستياء والبغض للحكومة بين الإيرانيين، خصوصاً بين الطبقة الوسطى ورواد الأعمال، المُحبَطين من تقديم الدعم لقوات الوكلاء ويشعرون أنَّ البلاد لم تجنِ إلا القليل من مغامراتها الخارجية.

ووفقاً للمسؤولين الأمريكيين والحلفاء، يعتقد روحاني أنَّ قبضة حكومته على السلطة تحتاج إلى جعل الولايات المتحدة تبدو باعتبارها مُعتدية عسكرياً على إيران.

وقالت إليزابيث روزنبرغ، المحللة بمركز الأمن الأمريكي الجديد، إنَّ حملة الضغط من جانب إدارة ترامب أثبتت فعاليتها في الإضرار بالاقتصاد الإيراني. وأظهرت إدارة ترامب أنَّ بإمكانها استخدام العقوبات الأحادية لتحويل النظام المصرفي الدولي إلى سلاح «والتسبُّب في كثيرٍ من الألم».

وأضافت: «هناك حاجة سياسية في إيران للرد على الأفعال الأمريكية الأخيرة، التي كان لها تأثيرٌ جدي في إيران وتسبَّبت في إحباط وغضب. يحتاج السكان إلى رؤيتهم يردون باستعراضٍ للقوة».

مع ذلك، حتى لو أخفقت استراتيجية إيران في استفزاز الولايات المتحدة أو حشد التعاطف الدولي، فإنَّ مجرد إظهار حالة الغموض الإقليمي يمكن أن يساعد إيران  بطرق أخرى.

أزمة النفط

وقال مسؤولون حاليون وسابقون في مقابلاتٍ أُجريَت هذا الأسبوع إنَّ إيران ربما تهدد سراً بشن هجمات على الولايات المتحدة وتعلن على الملأ عزمها الانسحاب من أجزاء من الاتفاق النووي على أمل رفع أسعار النفط.

وفي ظل زيادة العقوبات الأمريكية من صعوبة مهمة بيع أكبر قدر ممكن من النفط الإيراني، سيجعل ارتفاع الأسعار النفط الذي يمكن لإيران بيعه أو تهريبه قيِّماً أكثر.

وقالت روزنبرغ، المسؤولة البارزة سابقاً في وزارة الخزانة في عهد إدارة أوباما: «إنَّهم يريدون كسب أكبر قدر ممكن من كل برميل يمكنهم بيعه. والتهديد بأعمال عدائية يؤدي إلى ضغطٍ تصاعدي على أسعار النفط».

وحتى الآن في هذا الشهر، تفاعلت أسعار النفط مع أنباء التقدُّم والتعثُّر الذي تشهده المفاوضات التجارية الأمريكية مع الصين بصورة أكبر بكثير من تفاعلها مع التوتُّرات بين إيران والولايات المتحدة.

ووفقاً للمسؤولين الحاليين والسابقين، يُعَد التسبُّب بأزمة دولية وتصعيد التوتُّرات ورفع أسعار النفط هي دوماً أساليب إيران لكي تظهر لترامب التكلفة السياسية لحملة الضغط التي يشنها. ووفقاً للمسؤولين السابقين، أوضح ترامب الأهمية السياسية التي يضعها على انخفاض أسعار النفط، والحكومة الإيرانية تعي ذلك جيداً.

وساعد التحليل الاستخباراتي في رسم الرد العسكري. إذ يُعَد عدد الأصول العسكرية التي تحرَّكت إلى الخليج –أربع قاذفات، وحاملة طائرات، وسفن مرافقة- كبيراً بما يكفي لإرسال رسالة ردع، لكنَّه لا يزال صغير نسبياً.

وكانت حاملة الطائرات أبراهام لينكولن في طريقها بالفعل إلى المنطقة، وكل ما حدث ببساطة هو أنَّها اختصرت زياراتها للموانئ الأوروبية. وتحل سفينة أرلينغتون محل سفينة مماثلة ولكن أقل قوة.

وقالت The New York Times إن الإجراءات الأمريكية الحالية تذكرنا بتحرُّكٍ محسوب من إدارة أوباما قبل أربع سنوات، بعدما رصدت الولايات المتحدة  شحنة أسلحة إيرانية متجهة إلى بعض القوات الوكيلة لطهران. ففي أبريل/نيسان 2015، أَمَرَت إدارة ترامب حاملة الطائرات ثيودور روزفلت بالتحرُّك باتجاه اليمن فياستعراضٍ للقوة من أجل ردع شحنة إيرانية. وكان يُعتَقَد أيضاً أنَّ تلك الشحنة تحتوي على صاروخٍ باليستي أو مكونات صاروخية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى