وجوه

ابن حزم أكثر الشخصيات الجدلية في تاريخ الإسلام

 

كان ابن حزم الأندلسي، واحداً من أهم رموز الحضارة الإسلامية عموماً، والأندلسية المغربية منها على وجه الخصوص.

الفقيه الظاهري، كان من أكثر الشخصيات الجدلية في تاريخ الإسلام، وذلك لمنهجيته الفقهية المتفردة، وعلاقته المتوترة بالسلطة والمجتمع في الأندلس، وقبل ذلك كله، لصفاته الشخصية المتأرجحة ما بين الرومانسية والخشونة.

ابن حزم والأرستقراطية الأموية
تتفق معظم المصادر الإسلامية على أن الأصول الفارسية لابن حزم، حيث يذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء، أن جد ابن حزم الأكبر، يزيد، كان مولى للأمير الأموي يزيد بن أبي سفيان والي دمشق زمن خلافة عمر بن الخطاب، أما جده الثاني خلف بن معدان، فكان من أوائل من صحبوا الأمير الأموي عبد الرحمن بن معاوية بن هشام إلى الأندلس، فدخلها معه وكان من كبار أتباعه وقت تأسيس الدولة الأموية بقرطبة في ثلاثينيات القرن الثاني الهجري.

العلاقة بين ابن حزم والأمويين، لم تتوقف على الناحية التاريخية فحسب، بل إنها امتدت عبر السنين، لتصل إلى أبيه الذي كان وزيراً عالي المقام والشأن في دولة الحاجب المنصور بن أبي عامر والخليفة الأموي هشام المؤيد بالله.

تلك التحالفات المستمرة ما بين أجداد ابن حزم وأباءه من جهة وأمراء وخلفاء بني أمية من جهة أخرى، أثرت كثيراً في الانتماء السياسي لفقيه قرطبة، بحيث جعلته دائم الدعم للأمراء الأمويين الذين دعوا الناس لبيعتهم عقب اندلاع أحداث الفتنة في الأندلس.
الغريب أن ابن حزم، ومع مساندته القوية للأمويين الذين كانوا في ذلك العصر يمثلون صفوة الطبقة الأرستقراطية الحاكمة، فإن مواقفه الفكرية لم تتأثر كثيراً بذلك، فنجده ومع دعمه لبني أمية، يدعو إلى بعض الأفكار التي لم يسبقه إليها أحد من العلماء المتماهين مع السلطة في المشرق الإسلامي أو في مغربه.

من تلك الأفكار، احترامه لمكانة النساء العلمية، حتى أنه في كتابه “الفصل في الأهواء والملل والنحل”، يصرح بجواز نبوة النساء، ويضرب على ذلك يعض الأمثلة من القرآن الكريم، منها مريم بنت عمران، وسارة زوجة إبراهيم وأم موسى.

وفي الوقت نفسه، فقد أجاز ابن حزم أن تلي المرأة القضاء، واستدل على ذلك بأنه لما كانت الزوجة راعية في مال زوجها ومسؤولة عن رعيتها، كما جاء في الحديث الصحيح، فإنه ليس هناك ما يمنع من أن تلي بعض الأمور الأخرى ذات المسؤولية الأعلى.
تحرر فكر ابن حزم، لم يقف عند المرأة فحسب، بل إنه تعداه للمناداة بحقوق العبيد والأرقاء، وظهر ذلك في كتابه المشهور المُحلى، والذي رد فيه على الفقهاء الذين رفضوا الإقرار بحق العبد إن ظُلم أو أهين، بقوله “… وأما قولهم لا حرمة للعبد، ولا للأئمة، فكلام سخيف والمؤمن له حرمة عظيمة، ورب عبد جلف خير من خليفة قرشي عند الله تعالى”.

الجانب الرومانسي في شخصية ابن حزم
أحد أهم الملامح والسمات التي من الممكن أن نلحظها في شخصية فقيه الأندلس ومفكرها الأشهر، تلك السمة المتعلقة بحسه المرهف ومشاعره الرومانسية الرقيقة، التي يؤثر فيها الحب والغرام.

فالبيئة الثرية المترفة التي نشأ فيها ابن حزم وتربى فيها، ساعدت كثيراً في صياغة رومنسيته المفرطة، واسهمت في تشكيل شخصيته الحساسة الميالة للمشاعر الجياشة، فابن حزم ولد وعاش في قرطبة، حاضرة الأندلس الكبرى في عهد الأمويين، وتربى بين جنبات قصورها العامرة الفخمة، وترعرع في حجرات ومخادع النساء والجواري اللاتي ملئن قصر أبيه وأقربائه، ولذلك فقد كان ميله المبكر للحديث عن الحب والهوى، أمراً طبيعياً لا استغراب فيه ولا تعجب.

كل تلك الرومانسية، تفجرت بشكل واضح في كتاب ابن حزم الشهير، المعروف باسم “طوق الحمامة في الألفة والإيلاف”، والذي يعتبره بعض النقاد الأدبيين أول الكتب التي شرحت أبعاد الحب الإنساني في الحضارة العربية الإسلامية، ويحكي فيه الفقيه القرطبي، عدداً من قصص الحب العذري العفيف، التي وقعت معه، أو مع غيره من الشعراء والأدباء والأعيان.
ويرجح الدكتور إحسان عباس، في كتابه “ظاهرة ابن حزم في تاريخ الفكر الأندلسي”، أن الفقيه الشاب قد كتب هذا الكتاب في مرحلة مبكرة من حياته، وبالتحديد عقب خروجه من قرطبة، حيث تُظهر نصوص الكتاب، مشاعر ابن حزم الحزينة على نكبة أسرته ومصير الأمويين، وتبدو شجونه واضحة جلية عبر صفحاته.

وقد قسم ابن حزم كتابه على 30 فصلاً، كل واحد فيهم يتعلق بموضوع معين من موضوعات الحب والغرام، ويفيض الكتاب بالكثير من العبارات الرقيقة، التي يصف بها العالم الأندلسي الحب بأعذب الكلمات، منها قوله واصفاً سلطان الحب على نفوس المحبين:

إنّ “للحب حكماً على النفوس ماضياً، وسلطاناً قاضياً، وأمراً لا يُخالف، وحداً لا يُعصى، وملكاً لا يُتعدى، وطاعة لا تُصرف، ونفاذاً لا يُرد”.

كما أن ابن حزم في موضع أخر من الكتاب، يصف لذة الحب، فيصيغ وصفه بكلام لم يقرب منه وصف أعظم الشعراء والأدباء الرومانسيين في زمانه، عندما يقول:

“ولقد جربت اللذات على تصرفها، وأدركت الحظوظ على اختلافها، فما للدنو من السلطان، ولا الأوبة بعد طول الغيبة، ولا الأمن بعد الخوف، ولا التروح على المال، من الموقع في النفس ما للوصل، لا سيما بعد طول الامتناع وحلو الهجر حتى يتأجج عليه الجوى، ويتوقد لهيب الشوق وتنضرم نار الرجاء”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى