تقارير وتحليلات

أيتام من تركيا مشردون في العراق بعد مقتل آبائهم

اصطحب المقاتلون الأتراك الذين انضموا لتنظيم ما يعرف بالدولة الاسلامية منذ سنوات ذويهم إلى سوريا والعراق، وبعد طرد المسلحين من المدن العراقية أصبحت السلطات هناك في حيرة من أمرها حيال ما ينبغي أن تفعله مع المئات من الزوجات والأيتام الذين خلفهم المقاتلون.

وتحاول سيلين غريت الوقوف على حقيقة الأوضاع التي تعيشها هذه الأسر بعد فقد ذويهم من مقاتلي تنظيم الدولة.

وتقول أم كلثوم، خالة اثنتين من الفتيات اصطحبهما أبوهما إلى العراق بعد انضمامه للتنظيم: “كل ما أعرفه عنهما أنهما يتيمتان الآن في العراق.”

وتستعرض الخالة صورا تظهر سعادة الطفلتين في الماضي وهي ممسكة بالصور بعناية وكأنها لوحات مقدسة.

وغادر والدا الطفلتين تركيا للانضمام إلى تنظيم الدولة في سوريا، وهو ما أقدم عليه جدهما، وجدتهما، وعمهما أيضا.

و قد لقي الأب مصرعه في الرقة في سوريا بينما لقيت الأم حتفها في انفجار قنبلة نجت منه الطلفتان في مدينة تل عفر العراقية ولم يبق على قيد الحياة من هذه العائلة سوى الجدة التي لا يمكنها أن تقدم شيئا لهما لوجودها خلف القضبان في أحد السجون العراقية.

ولأنهما وحيدتان ليس لديهما مكان تلجآن إليه أو فرد من العائلة في العراق ليعتني بهما، أودعت الفتاتان دارا لرعاية الأيتام في بغداد، وهما الآن في انتظار الترحيل إلى بلادهما.
ولم تتوصل خالة الطفلتين إلى مكانهما إلا بعد عدة أشهر من فقدهما جميع أفراد العائلة. وقالت أم كلثوم: “عندما أذهب للتسوق وأشاهد ملابس الفتيات، أشعر بالألم.”

وأضافت: “لا أزال أحتفظ بملابسهما بعد السفر إلى سوريا، ولدي صورهما أيضا التي أنظر إليها كلما افتقدتهما بقوة ثم أعيدها إلى مكانها ثانية وأبكي.”

دار الأيتام
تضم دار الأيتام التي أودعت الطفلتان بها على 15 طفلا من تركيا بدأت السلطات العراقية بالفعل إجراءات ترحيلهم إلى بلادهم، وفقا لتصريحات أدلى بها مسؤول بوزارة الخارجية العراقية لبي بي سي، ورغم ذلك، لا يطيق أقارب الطفلتين صبرا حتى تصلا إلى تركيا.

وفي ديسمبر / كانون الأول الماضي، أُعيد طفل تركي يبلغ من العمر سبع سنوات إلى تركيا بعد أن اصطحبه أبوه، أحد مقاتلي تنظيم الدولة، إلى العراق، وذلك بعد جهود مكثفة بذلتها وزارة الخارجية والمخابرات التركية.

وعلمت السلطات التركية أن الأب قُتل أثناء الحرب في صفوف تنظيم الدولة في العراق. واستغرقت المفاوضات الدبلوماسية أربعة أشهر حتى تمكن الطفل من رؤية أمه للمرة الأولى بعد غياب استمر ثلاث سنوات.

وقالت أم كلثوم: “نحن سعداء بلم شمله على أمه، لكننا أيضا نريد أن نرى فتياتنا.”

وأضافت “هم جميعا أطفال، فلماذا إذن لم تعد ابنتا أختي إلى البلاد؟ أصلي من أجل اليوم الذي أراهما فيه مرة ثانية.”

عذاب لا ينقطع
عندما سيطر الجيش العراقي على مدينة تل عفر من أيدي مسلحي تنظيم الدولة استسلم 1700 من النساء والأطفال الأجانب للسلطات العراقية.

وأطلقت عليهم السلطات اسم “عائلات تنظيم الدولة”. وواجه أغلب النساء، من ألمانيا وفرنسا وروسيا، اتهامات بمساعدة التنظيم ويواجهن في الوقت الراهن أحكاما مشددة.
وتسمح قوانين مكافحة الإرهاب في العراق بالحكم بالإعدام على من يساعدون التنظيمات الإرهابية دون اشتراط تنفيذ أعمال إرهابية بأنفسهم.

لكن ناشطينن انتقدوا المحاكمات إضافة إلى منظمات حقوقية، أبرزها هيومان رايتس ووتش التي قالت إن هناك قضايا كثيرة لا تستند إلى أدلة على أن النساء اللواتي تُحاكمن قد تورطن في ممارسة العنف.

ويعتقد أن حوالي 300 امرأة و600 طفلا من تركيا محتجزون في السجون العراقية في الوقت الراهن، بينهم 50 امرأة على الأقل حكم عليهن بالإعدام في حين صدرت أحكام بالسجن مدى الحياة على 18 امرأة من حاملات الجنسية التركية.

وتقدمت عائلات هؤلاء النسوة بالتماسات بدعم من حكومة أنقرة لترحيلهن إلى تركيا، لكن السلطات العراقية تعاملت معهن بقدر أقل من التعاطف مقارنة بالأطفال.

فادايم، امرأة تركية تقبع ابنة أخت لها في سجن عراقي مع طفلتها البالغة من العمر سبع سنوات وطفلها البالغ من العمر سنتين.

وقالت فادايم: “بالنسبة لنا، كل يوم يمر يضيف إلينا المزيد من العذاب. ونتسائل هل ابنة أختي حية أم ميتة؟ وكيف حال أطفالها؟ لا يمر يوم إلا وتدور هذه التساؤلات بداخلنا.”

وأنجبت ابنة أخت فادايم، البالغة من العمر 32 سنة، ابنا ثالثا في سوريا ثم قتل زوجها مع ابنين آخرين في انفجار وقع في تل عفر بعد أشهر قليلة من ميلاد الطفل الأخير.

 

“لا ننام”
وأبدت فادايم استيائها من سهولة السفر إلى سوريا، قائلة: “كان مثل الذهاب إلى السوق عندما سافر الأطفال إلى سوريا، كان سهلا في ذلك الوقت، لكن الآن بُنيت الجدران، وأنا أتسائل لماذا سمحوا لكل هؤلاء الناس بالذهاب إلى هذا المكان من البداية؟”

وقاتل الآلاف من الأجانب في صفوف تنظيم الدولة في سوريا والعراق منذ 2014 على الأقل، كما انضمت الكثيرات من النساء الأجنبيات إلى المسلحين.

وحكم بالإعدام على امرأة ألمانية في وقت سابق من العام الجاري بتهمة الانضمام إلى التنظيم علاوة على تسليم السلطات العراقية أربعة نساء و27 طفلا إلى روسيا يشتبه في صلتهم بالجماعة الإرهابية.

وقالت فادايم: “ينبغي أن يُحاكم الرجال، لكن النساء لم تكن مسلحات كما أن هؤلاء الأطفال أبرياء.”

وتسائلت: “ما الذي يحدث لهؤلاء الأطفال إذا أُعدمت أمهاتهم أمام أعينهم؟ لقد جعلهم آباؤهم ضحايا بأيديهم، ما يحرمنا من النوم كل ليلة من التفكير في مصير هؤلاء الأطفال. نحن نعيش عذابا بسببهم، عذاب وألم وخوف”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى