تقارير وتحليلات

الفصل الأخير بقضية نجيب رزاق .. فضيحة دولية ضخمة جلبت العار لماليزيا

تنطلق، الثلاثاء بإحدى المحاكم في العاصمة الماليزية كوالالمبور، ما باتت معروفة بأنَّها » أكبر قضية فساد حكومي في العالم»، فهي حكاية تتشابك أطرافها لتضم مشاهير هوليوود، وسياسيين ماليزيين، ويخوتاً فاخرة، ولوحات للفنان بيكاسو، ومبالغ خيالية من الأموال المسروقة.

وحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية، يبدأ الفصل الأخير في أكبر قضية فساد لم تشهد اختفاء مليارات الدولارات من أموال الدولة الماليزية فحسب، بل تضمنت أيضاً تورُّط النجم الأمريكي ليوناردو دي كابريو وباريس هيلتون وعارضة الأزياء الأسترالية ميراندا كير، واشتملت على عمليات تمويل غير مشروعة لإنتاج فيلمين في هوليوود وشراء عقارات فاخرة بجنوب كاليفورنيا ونيويورك، ولطخت سمعة أحد أكبر البنوك الاستثمارية في العالم بالوحل.

قضية فساد صندوق الاستثمار الحكومي الماليزي

من المقرر مثول رئيس الوزراء الماليزي السابق، نجيب رزاق، أمام محكمة في كوالالمبور، بسبب دوره المزعوم في قضية فساد صندوق الاستثمار الحكومي الماليزي «1.إم.دي.بي»، وما سيقوله المُدَّعون العامون بشأن محاولات مُستفيضة للتستُّر عليه.

نجيب، الذي ينفي باستمرارٍ جميع التهم الموجهة إليه، هو أول رئيس وزراء ماليزي سابق يواجه اتهامات بالفساد في أثناء شغله المنصب. وتنتظر ماليزيا على أحر من الجمر، الكشف المتوقع عن عملية غسل أموال سياسية قذرة في المحكمة، خلال الأشهر القليلة المقبلة، لا سيما الطريقة التي أنفق بها نجيب وزوجته ملايين من الأموال المختلسة.

وبهذا الصدد، قالت بريدجيت ويلش، أستاذة مساعدة في العلوم السياسية بجامعة جون كابوت الإيطالية وخبيرة في الشأن السياسي الماليزي: «هذه المحاكمة مهمة للغاية بالنسبة لماليزيا. هذه ليست مجرد قضية مساءلة، إنَّها فضيحة دولية ضخمة جلبت العار لماليزيا حقاً».

محاكمة ستكون لها تداعيات على العالم كله

سَيُشعر بتداعيات تلك المحاكمة ليس فقط في ماليزيا، بل على مستوى العالم كله. كانت المُدَّعية العامة الأمريكية، لوريتا لينش، هي مَن وصفت قضية صندوق «1.إم.دي.بي» بأنَّها «أكبر قضية فساد حكومي في العالم، وتجرى التحقيقات الخاصة بهذه القضية في 12 دولة.

اتهمت وزارة العدل الأمريكية اثنين من المصرفيين السابقين في بنك Goldman Sachs الأمريكي بالتآمر، لغسل مليارات الدولارات المختلسة من صندوق  «1.إم.دي.بي» الماليزي.

وقالت بريديجت ويلش: «محاكمة أكبر قضية فساد لا تتضمن ماليزيا ونجيب فحسب، بل النظام المالي العالمي بأكمله والأشخاص الذين تلاعبوا بذلك النظام لتحقيق مصالحهم الخاصة».

بدأت فضيحة صندوق «1.إم.دي.بي» في عام 2009، عندما قرر نجيب، الذي كان قد تولَّى المنصب حديثاً، إنشاء صندوق تمويل حكومي والإشراف عليه، والذي كان الغرض منه هو المساعدة في جذب الاستثمار الأجنبي إلى ماليزيا.

لكن بدلاً من جذب الاستثمارات، جرى اختلاس مليارات الدولارات من أموال الصندوق على مدار السنوات الـ5 التالية، وتهريبها إلى خارج البلاد، أو إدخالها في عمليات غسل أموال من خلال شركات فرعية، على يد أولئك الذين كانوا يديرون الصندوق.

خاصة مع تورط مشاهير وأسماء معروفة عالمياً

ويُقال إنَّ نحو ربع الأموال المسروقة في أكبر قضية فساد جكومي انتهى بها المطاف في حساب بنكي شخصي لنجيب، حيث كان يصرف من خلاله ببذخ على مشتريات باهظة الثمن له ولزوجته، روسمة منصور.

وتمثَّل الجانب الأكثر إسرافاً في إنفاقات الممول الماليزي لو تيك جو، صديق ابن زوجة نجيب، رضا عزيز، الذي عمل مستشاراً غير رسمي في الصندوق.

وزُعم أنَّه سحب مليارات من الصندوق لشراء كميات هائلة من العقارات بجنوب كاليفورنيا ونيويورك، ومجوهرات بقيمة 8.1 مليون دولار، وبيانو زجاجي لعارضة الأزياء الأسترالية ميراندا كير، ولوحة الفنان بابلو بيكاسو.

إضافة إلى تمثال أوسكار لليوناردو دي كابريو، ويخوت فاخرة، وتنظيم حفلات مُتباهية حضرها مشاهير عالميون مثل باريس هيلتون وليندسي لوهان وجيمي فوكس. حتى إنه موَّل فيلماً سينمائياً في هوليوود بعنوان The Wolf of Wall Street.

وكانت لينش قد قالت في عام 2016، إنَّ «عدداً من المسؤولين الفاسدين في الصندوق تعاملوا مع هذه الثقة العامة باعتبارها حساباً مصرفياً شخصياً».

ويقول محققون دوليون في أكبر قضية فساد حكومي إنَّ 4.5 مليار دولار على الأقل سُرقت من الصندوق. وقد صدر أمر اعتقال بحق لو تيك جو -الذي اختبأ بعد أن خسر نجيب الانتخابات، ويعتقد الكثيرون أنَّه في الصين- ولم تعثر عليه السلطات الماليزية حتى الآن.

كيف اكتُشفت أكبر قضية فساد حكومي؟

كانت الصحفية البريطانية كلير ريكاسل براون أول مَن كشف فضيحة فساد الصندوق الماليزي في أوائل عام 2015، على موقعها الإلكتروني The Sarawak Report.

وفي وقتٍ لاحق، دبَّر نجيب إصدار مذكرة اعتقال بحق ريكاسل براون، وأقال المُدّعي العام الذي كان يحقق في فساد الصندوق، وجعل ما جاء بالتقرير المُدين خاضعاً لقانون الأسرار الرسمية، وأقال جميع ضباط مكافحة الفساد، الذين شاركوا في التحقيق.

وأُعلنت براءة نجيب من جميع التهم في تحقيق لاحق، بشأن مزاعم فساد الصندوق، أُجرى تحت إشراف نجيب ومراقبته! ونُظر إلى هذا التحقيق على نطاق واسع باعتباره مهزلة.

بالنسبة للصحفية ريكاسل براون، كانت احتمالية رؤية نجيب -الذي استمر في السلطة 9 سنوات قبل الإطاحة به في انتخابات أُجريت في شهر مايو/أيار 2018- يخضع للمحاكمة بعد سنوات طويلة من الاضطهاد، الذي تعرَّضت له على يد إدارته في سعيها لكشف فساد صندوق «1.إم.دي.بي«- أشبه بالحلم.

وقالت ريكاسل براون: «إنَّه شيء جميل رؤيته الآن بقفص الاتهام، على الرغم من أنني لست سعيدة بسقوطه. ويرجع الفضل في ذلك إلى قوة الرأي العام، الذي فشل نجيب في تقديرها».

وحتى قبل أن تصل قضية أكبر فساد حكومي إلى المحكمة العليا الماليزية، كان التحقيق المُثار مجدداً بشأن فساد الصندوق، والذي حفّزته الحكومة الجديدة فور توليها السلطة في مايو/أيار 2018، قد استحوذ على اهتمام البلاد بالفعل.

وفي مداهمات طالت ممتلكات نجيب، ضبطت الشرطة مخبأً يضم سلعاً فاخرة تصل قيمتها إلى 273 مليون دولار، من بينها 1400 قلادة، و567 حقيبة يد فاخرة، و423 ساعة يد، و2200 خاتم، و1600 دبوس زينة، و14 تاجاً، في أكبر عملية مصادرة من نوعها بالتاريخ الماليزي.

42 تهمة تنتظر نجيب رزاق أمام المحكمة

وأُلقى القبض على نجيب في وقتٍ لاحق، في 4 مرات منفصلة، كان آخرها يوم الجمعة 8 فبراير 2019، عندما كان جالساً يتناول العشاء مع زوجته.

يواجه نجيب إجمالي 42 تهمة تتعلق بقضية الصندوق، تتراوح بين الفساد وغسل الأموال إلى إساءة استخدام السلطة، وأخذ رِشا غير قانونية، وجريمة خيانة الأمانة. وتواجه زوجته 16 تهمة جنائية.

وقد أقرَّ كلاهما بأنَّهما غير مذنبَين في جميع التهم. وقال نجيب للصحفيين، في حديثه بعد إلقاء القبض عليه للمرة الثانية في سبتمبر 2018: «لست لصاً، لكنني سعيد لأن لدي الآن الفرصة لتبرئة اسمي بشأن هذه القضية للأبد».

جدير بالذكر أنَّه إذا أُدين نجيب وصدرت بحقه أحكام قضائية بشأن قضايا متتابعة، فقد يواجه رئيس الوزراء السابق، البالغ من العمر 65 عام،اً قضاء أعوام خلف القضبان، إن لم يكن مدى الحياة.

وتُعد محاكمة، الثلاثاء 12 فبراير 2019، هي أول محاكمة من بين 3 محاكمات ذات صلة بقضية الصندوق، من المقرر أن يواجه فيها نجيب 3 اتهامات بغسل الأموال، و3 بخيانة الأمانة، وواحدة بسوء استخدام السلطة من خلال الاستحواذ على مبلغ 42 مليون رينغيت ماليزي (10 ملايين دولار)، جرى تحويله من حساب شركة SRC International التابعة للصندوق إلى حسابات بنكية شخصية لنجيب.

إضافة إلى اختلاس أموال من حزبه

ومن المقرر أن يواجه نجيب، في وقتٍ لاحق، محاكمتين أخريَين في قضية الصندوق: الأولى تتعلق بمبلغ 681 مليون دولار، ادَّعى نجيب أنَّه كان هدية من أمير سعودي، والثانية تتعلق باتهامات متعددة بسوء استخدام السلطة.

وبمعزل عن قضية الصندوق، من المقرر أن يواجه نجيب محاكمة بشأن تهم تتعلق بأموال مختلسة من حزبه، حزب المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة (أمنو). وقد أقر بأنَّه غير مذنب في جميع التهم.

في الوقت نفسه، سعى نجيب إلى تصوير نفسه على أنه ضحية لعملية انتقام سياسية، وصوَّر محاكمته في أكبر قضية فساد حكومي على أنَّها أداة ثأر سياسية، حيث شرع في حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، كان من ضمنها نشره مؤخراً مقطع فيديو مُسجَّلاً مع كورال لأغنية Kiss and Say Goodbye التي كانت رائجة في السبعينيات، لكن مع إدخال تغييرات على كلمات الأغنية، لانتقاد الحكومة الجديدة والدفاع عن براءته.

ومع ذلك، كانت بريدجيت ويلش، الخبيرة في الشأن السياسي الماليزي، مُتشكَّكة في مدى تأثير هذه الحملة، الذي حاول أيضاً من خلالها استقطاب البلاد على أساس الانتماءات العرقية المتقلبة، في تحويل محكمة الرأي العام لمصلحة رئيس الوزراء السابق. وقالت: «أعتقد أن الناس ستفهم في نهاية المطاف مدى الضرر الذي أحدثه نجيب لماليزيا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى