تقارير وتحليلات

بلومبرج: لماذا تصمت الحكومات المسلمة على «قمع» الصين لمليون إيجوري؟

بينما تتعالى المطالبات في الولايات المتحدة وأوروبا بالضغط على الصين لوقف انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة، التي تمارسها تجاه أقلية الإيجور المسلمة، لم تتعرض بكين حتى الآن إلى انتقادٍ جاد من الحكومات في العالم الإسلامي.

وبعد مرور ثلاثة أسابيع من تحدث أحد مسؤولي الأمم المتحدة عن «تقارير موثوق بها» عن احتجاز نحو مليون فرد من الإيغور الناطقين بالتركية في معسكرات «إعادة التثقيف» الصينية.

وبحسب وكالة “بلومبرج” الأمريكية،  لم تُصدر أي دولة مسلمة بياناً جديراً بالذكر عن القضية. وبرز الصمت هذا الأسبوع أكثر بعدما طالبت مجموعة من مشرعي القوانين في الولايات المتحدة من الحزبين بفرض عقوباتٍ ضد كبار المسؤولين الصينيين.

مخاوف أميركية وأوروبية

وكتب مشرعو القوانين بقيادة السيناتور ماركو روبيو من ولاية فلوريدا، والنائب كريس سميث عن ولاية نيوجيرسي، مخاطبين وزير الخارجية مايكل بومبيو ووزير المالية ستيفن منوتشين، في يوم الأربعاء 29 أغسطس 2018: «نأمل أنَّ وزارة الخارجية سوف تسعى للمزيد من الفرص لإدانة هذه الانتهاكات، وفي نفس الوقت تشارك دبلوماسياً مع الحكومات الرافضة لتلك الانتهاكات، لنصعد هذه الأزمة الحقوقية في المنتديات والمنظمات الدولية».

وبهذا انضمَّ المشرعون الأمريكيون إلى مسؤولي الاتحاد الأوروبي الذين سبق وأعربوا عن مخاوفهم، بشأن التقارير عن المعسكرات الموجودة في شينغيانغ.

بينما العالم الإسلامي يلتزم الصمت

وعلى النقيض لم تُدلِ إندونيسيا أو ماليزيا أو باكستان بأي تصريحاتٍ عامة بخصوص هذه الحملة القمعية، وكذلك تركيا، التي سبق وقدمت سياساتٍ للتسهيل على المجموعات الناطقة بالتركية، وتستضيف مجموعةً صغيرةً من الإيجور، لكنَّها التزمت الصمت، بينما يواجه الرئيس رجب طيب أردوغان الأزمة الاقتصادية في تركيا.

فالمصالح التجارية مع الصين تسمو فوق كل اعتبار

يؤكد هذا الصمت مدى فاعلية مكانة الصين كشريكٍ تجاري رئيسي وجهة مانحة للمعونات للكثير من الدول ذات الأغلبية المسلمة، بالإضافة إلى سياستها التي تتبعها منذ أمدٍ، وتقضي بتجنب التعليق على الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وهناك عاملٌ آخر، وهو أنَّ الانتهاكات المزعومة تحدث في واحدةٍ من أبعد المناطق الحدودية في الصين، حيث توجد كثافة أمنية وشرطية كبيرة، مما يُصعِّب الحصول على أدلةٍ دامغة مثل الصور أو مقاطع الفيديو، التي قد تحرك الرأي العام في العالم الإسلامي.

وقال حسن حسن، الباحث الزميل بمركز أبحاث معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط بواشنطن: «تحظى الصين عامةً بعلاقاتٍ ودية مع معظم الدول الإسلامية، أغلبها علاقاتٌ تجارية». وأضاف أنَّ المجتمع المسلم لا يدرك إلى حدٍّ كبير الوضعَ الراهن في شينغيانغ. وأضاف: «ليست هناك تغطية لهذا الحدث في أيٍّ من وسائل الإعلام العربية تقريباً، وحتى الجهاديون لا يشغلهم هذا الأمر، بقدر ما تشغلهم الصراعات الأخرى».

كما أن بكين تُنكر وتُحذّر من التدخل في شؤونها

تنكر الصين رسمياً وجود مشكلاتٍ في شينغيانغ، وهي منطقة كبيرة في حجم ولاية ألاسكا الأمريكية، تحدها باكستان وأفغانستان، ويسكنها حوالي 10 ملايين شخص من الإيجور. وفي يوم الخميس 30 أغسطس، حذَّرت الصين مشرّعي القوانين في الولايات المتحدة من التدخل في شؤونها الداخلية.

وقالت هوا تشون يونج، المتحدثة باسم الخارجية الصينية في مؤتمرٍ صحافي في بكين: «السياسات وحقوق المساواة التي تتمتع بها الأقليات في الصين أفضل منها في الولايات المتحدة، التي لديها الكثير من مشكلات العنصرية وحماية حقوق الإنسان». وأضافت أنَّ مشرعي القوانين عليهم التركيز على القضايا الداخلية الأميركية «بدلاً من التدخل في السياسات الداخلية للدول الأخرى، ولعب دور القضاة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، والإلقاء باللوم أو حتى التهديد بفرض عقوباتٍ غير مبررة».

ما بين 10 آلاف ومليون محتجز بأوامر من الرئيس

وقالت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، في تقريرٍ أصدرته يوم الخميس 30 أغسطس، إنَّ تقديرات عدد سكان شينغيانغ المحتجزين في المعسكرات تتراوح من عشرات الآلاف إلى مليون. وطالبت اللجنة بوقف عمليات الاعتقال على الفور، وإطلاق سراح المحتجزين بالفعل، وإجراء تحقيق رسمي في مزاعم التصنيف العنصري والديني.

وجاءت هذه الحملة القمعية مدعومةً بأوامر الرئيس الصيني شي جين بينج، بشن «ضربةٍ وقائية» ضد التطرف الإسلاموي، في أعقاب الهجمات المميتة في المنطقة التي يسكنها الإيجور، والتقارير بأنَّ بعض أفراد هذه الأقلية كانوا يقاتلون بجانب الإرهابيين في سوريا. ووجهت صحيفة يديرها الحزب الشيوعي انتقاداً شديداً لمن ينتقدون هذه الحملة القمعية، مجادلةً بأنَّ هذه الحملة منعت شينغيانغ من أن تصبح سوريا أخرى.

لكن لماذا غضب المسلمون من ميانمار واتهموها بإبادة مسلمي الروهينغا!

تتناقض حالة الصمت السائدة تجاه قضية الإيجور مع حالة الغضب التي اندلعت العام الماضي، عندما فرَّ حوالي 700 ألف من مسلمي الروهينغيا من عمليات التطهير التي كانت تنفذها قوات ميانمار العسكرية، التي وصفتها الأمم المتحدة وقتها بالإبادة الجماعية. وهناك فرق واحد كبير بين القضيتين، وهو أنَّ اقتصاد ميانمار أصغر 180 مرة من اقتصاد الصين، التي هي الشريك التجاري الأكبر لـ20 دولة من الدول الـ57 الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.

ووفقاً لبيانات تتبُّع السفن التي جمعتها وكالة “بلومبرج”، فإنَّ نصيب الصين من الصادرات البترولية السعودية يصل إلى نحو 10%، ونحو ثلث الصادرات الإيرانية. والصين أيضاً هي المصدر الأول للاستثمار الأجنبي في ماليزيا.وضمنت ضخ أكثر من 60 مليار دولار من القروض في مشاريع البنية التحتية للممر الاقتصادي بين الصين وباكستان.

ويقول عمر كانات، رئيس اللجنة التنفيذية في مؤتمر الإيجور العالمي، وهي مجموعة لتمثيل الإيجور في الخارج، إنَّ الأمم الإسلامية «لا تريد تدمير علاقاتها مع الصين، وتعتبر الصين حليفاً محتملاً ضد الغرب والولايات المتحدة، ولذا تحاول التزام الصمت».

وعارضوا جهراً «ازدراء» أمريكا للمسلمين

عارضت هذه الدول جهاراً على مرِّ السنين ازدراء الولايات المتحدة للمسلمين، ومنه حظر السفر الذي فرضه ترمب عام 2017 على 7 دول ذات أغلبية مسلمة، ووصفه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأنَّه «هدية كبيرة للمتطرفين».

وأشار خبير أدلى بشهادته أمام لجنة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، في 10 أغسطس، إلى تقارير تفيد بأنَّ بكين ربما تحتجز ما يصل إلى مليون من الإيغور في معسكرات إعادة التثقيف. وسبق أن ذكرت وكالة Bloomberg، في شهر يناير، أنَّ الحكومة تجري تجارب على تقنية للتعرف على الوجه في المنطقة.

ولم تستجب حكومات تركيا أو الهند أو باكستان أو كازاخستان للمطالبات بالتعليق على هذه القصة. ولم ترد منظمة التعاون الإسلامي على العديد من المكالمات الهاتفية بغرض التعليق.

يبدو أن الأمر قد يتجاوز الحفاظ على العلاقات التجارية

بالتأكيد ليس الحفاظ على العلاقات التجارية هو المحرك الوحيد. تبغض بعض الحكومات أن تلفت الأنظار لملفها الحقير في حقوق الإنسان. ودوماً ما كانت بكين تمتنع عن إقحام نفسها في صراعات العالم الإسلامي.

وقال ديفيد بروفي، المحاضر الكبير في التاريخ الصيني الحديث في جامعة سيدني، إنَّ هذه الأمم «لا تحترم هي نفسها حقوق الإنسان، لذا يصعب التخيل أنَّها ستنتهز الفرصة لانتقاد الصين».

ومع ذلك، من الممكن أن تزداد صعوبة التزامها الصمت بينما تتطور تداعيات سياسات الصين في شيغنيانغ وتمتد إلى خارج حدودها.

ففي كازاخستان، جارة الصين وشريكها الاقتصادي الرئيسي في المبادرة التجارية الشهيرة للرئيس شي «الحزام والطريق«، شهدت مواطنة صينية من أصول كازاخستانية وصلت بطريقةٍ غير شرعية بشهادتها بأنَّها أُجبِرت على التدريس في معسكر، قبل أن تتمكن من الهرب. وسمحت لها السلطات الكازاخاستانية بالبقاء، مخاطرةً بتعريض نفسها لغضب بكين.

ويقول جيمس ميلوارد، الأستاذ بجامعة جورج تاون ومؤلف كتاب Eurasian Crossroads: A History of Xinjiang، إنَّ هذه الحادثة تبين أنَّ الحملة القمعية في الصين بدأت تتسرب إلى علاقات الصين الخارجية. وأضاف: «ما نراه هو التأثيرات السياسية للتحول الفلسفي فيما يتعلق بالتعددية الثقافية والتعددية العرقية في الصين».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى