تقارير وتحليلات

بلومبيرج: كورونا عزز من بحث الدول عن تحقيق الأمن الغذائي على حساب العولمة

ماذا يحدث عندما يصبح الخبز نادرا، ويقرر مصدرو القمح الحديث بصراحة؟

تجيب كارولين ألكسندر وأزنيسكا دي سوسا، أن تخزين المواد الغذائية وحبس الناس أثار عددا من الأسئلة حول مصدر الطعام، خاصة الخبز، فعندما يدور حوار حوله يتحول إلى موضوع سياسي مشحون. فمنذ الثورة الفرنسية إلى الربيع العربي، كانت زيادة الأسعار ونقص الغذاء سببا في النزاعات والإطاحة بالزعماء وتغيير الأنظمة.

وفي مخاض وباء يحدث مرة في كل قرن، فإن عناوين الأخبار في عدد من الدول الغربية تصرخ حول الرفوف الفارغة في المتاجر وحالة الفزع التي انتابت الناس لشراء المواد الغذائية بكميات كبيرة.

وقررت دول فقيرة مثل أوكرانيا التي تعد سلة غذاء، الحد من تصدير القمح، وكذا منعت فيتنام التي تعتبر ثالث مصدّر للأرز في العالم، تصديره.

ولم يترك فيروس كورونا أثره على إرباك شبكة الإمداد فحسب، بل أعاد النقاش حول الاكتفاء الذاتي المشوب بنزعة قومية. وقامت 10 دول على الأقل بفرض قيود على مبيعات القمح والأرز من منتصف مارس حسب المعهد الدولي لأبحاث سياسة الغذاء في واشنطن، وفقا لوكالة “بلومبرج” الأمريكية.

 

ومع أن هذه القرارات قد تكون مؤقتة، إلا أن الوباء كان بمثابة صيحة إنذار للحكومات. وكما يقول جوزيف غلوبير، من المعهد نفسه: “يعتبر الطعام موضوعا مثيرا للمشاعر عندما لا يتوفر منه ما يكفي”. وحتى بالنسبة للدول المتطورة والتي تعتمد على القمح والأرز المستورد مثل سنغافورة وبريطانيا، فقد باتت المشكلة ملّحة سياسيا. ويقول تيم بنتون، مدير المخاطر البارزة في تشاتام هاوس: “الثراء لم يعد يضمن لك القدرة على توفير ما تريده لأسواقك”.

ويقول خبراء التغذية، إن هناك الكثير من القمح ومخزون منه الحبوب في العالم. ولكن ما يؤدي إلى نقص المنتجات مثل الباستا في محلات بيع التجزئة، هو التوزيع الذي ضاق بسبب عمليات الإغلاق. ومن هنا فندرة المواد الأساسية مثل القمح والأرز قد تدفع بعض الدول لتعزيز قطاعها الزراعي.

وقام تيم لانج، أستاذ التغذية في سيتي يونيفرستي بلندن، بقرع جرس الإنذار في كتابه “إطعام بريطانيا” الصادر هذا العام، وقال فيه إن بريطانيا تعاني من عيب، وهو أنها تستورد كميات كبيرة من الطعام يمكنها إنتاجها بنفسها. وقالت سنغافورة إنها أنشأت لجنة مهام خاصة لزيادة الإنتاج المحلي من الغذاء بحلول 2030.

ويقول رامي زريق، البروفيسور بالجامعة الأمريكية في بيروت: “سنرى أنظمة غذائية قومية الطابع ومحاولات لتحقيق الاكتفاء الذاتي”، مشيرا إلى أن هذه المحاولات “سياسية، وترسل رسائل إلى الشعب أن الحكومة تقوم بحمايتهم، وأنها تفعل ما بوسعها لتحقيق الأمن الغذائي، وبالنسبة للكثير من الدول فالاكتفاء الذاتي هو مجرد وهم”.

وكانت آخر مرة استعيد فيها مفهوم “سيادة الغذاء” خلال أزمات الطعام في العقد الماضي، عندما وجدت دول مثل قطر والسعودية أن الاحتياطات المالية الهائلة التي جاءت من مبيعات النفط لم توفر لهما منفذا على المواد الغذائية.

واليوم يقوم القوميون باستخدام الفرصة لتصفية الحسابات. فمع تعرض النظام المتعدد الأطراف لحصار، وسيطرة الشعبويين على مراكز الزراعة العالمية من الهند إلى البرازيل، فقد أصبح موضوع السيادة الغذائية والأمن الغذائي محلا للنقاش المستمر.

ففي مقاطعة كيبيك الناطقة بالفرنسية في كندا، أصدر رئيس الوزراء القومي وحاكم المقاطعة أصواتا حول ضرورة زيادة زراعة الفواكه والخضروات لتحقيق الاستقلال الذاتي.

ودعت رموز مهمة في صناعة الغذاء، الدولَ لمواصلة التبادل التجاري لمنع زيادة الجوع، فيما حثت الأمم المتحدة الدولَ للعمل معا لتجنب سيناريو سياسات “إفقار الجار”.

وهناك منطق وراء حديث الدول المتزايد عن تقييد عمليات تصدير الغذاء، ففي رومانيا وقازخستان اللتان كانتا جزءا من المنطومة السوفييتية، وزادتا من محاصيل الحبوب في السنوات الأخيرة، فإن حديثهما عن تقييد التصدير مرتبط بذكريات ندرة الطعام خلال الحقبة الشيوعية وبداية التسعينات من القرن الماضي.

ويأتي استعراض القوة في وقت تبدو فيه الدول الكبرى مهتمة بنفسها. فقد اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين بأنها لم تعمل ما فيه الكفاية لوقف انتشار فيروس كورونا، وهي أسباب تدفع للقلق حول الأمن الغذائي.

وفي ثلاث سنوات وعبر عام 2010 زادت أسعار الحبوب عندما أصيبت الدول المنتجة والمصدرة للحبوب مثل روسيا بالفزع بعد فشل المحصول وحدّت من تصديرها. كما أن عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي الذي انتشر في القارتين الإفريقية والآسيوية، جعل الناس غير قادرين على التحمل، وهو قاد إلى انتفاضات الربيع العربي وأنتجت معها أزمة لاجئين فككت السياسات التقليدية وعززت القوى المعادية للمؤسسة في أوروبا وما بعدها.

وانتشر وسط كل هذا سوء التغذية. وخرج مسؤول التجارة في الإتحاد الأوروبي فيل هوغان عن دبلوماسيته في اجتماع مع 20 من نظرائه، بعدما قررت روسيا تحديد الصادرات، قائلا: “لا يوجد نقص في الإمداد الدولي وهذه السياسات غير مبررة” مع أن الإتحاد الأوروبي يبحث عن حماية نفسه اليوم في ظل أزمة كوفيد- 19، وتعزيز “استقلالية استراتيجية”.

فيما تقول رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إنها تناقش طرق تخفيف التبعية من خلال “تقصير وتنويع شبكات الإمداد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى