تقارير وتحليلات

طائرات عسكرية ودوريات شرطة في الجزائر لمنع التسريبات في امتحان البكالوريا

في  زاوية قاعة المطالعة العمومية بمكتبة “تيزي نبراهم” شرق الجزائر العاصمة، يجلس يحيى بولدوار رفقة زميله في الدراسة عبد المنعم صبري وسط كومة من الأوراق والكراريس، للتحضير فيما تبقى من السويعات لاجتياز شهادة البكالوريا يوم الأربعاء يونيو/حزيران 2018.

الطالبان لم يكتفيا بالورق، بل استعانا في التحضير بكل ما هو إلكتروني من خلال تحميل مذكرات، وحوليات التحضير عبر شبكة الإنترنيت، أو تبادل الأفكار عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي مع الأساتذة والزملاء التي انتشرت فيها أخبار خطة السلطات الجزائرية لتأمين الاختبارات.

واعتبر المترشحون لشهادة البكالوريا الإجراءات المتخذة، بمثابة التحضير لدخول معترك الحرب، كما يحكي يحيى بولدوار لعربي بوست “الحديث عن طائرات عسكرية، وجيش، وشرطة، وسجن وقطع الإنترنيت، هو حديث عن حرب لا عن امتحان عادي”.

وسيتقدم لدورة 2018، 709 ألف و548 طالباً لامتحان نهاية الطور الثانوي، وهي الشهادة التي تمكن الطلبة من دخول الجامعات بمختلف تخصصاتها، وتعد مرحلة حاسمة ومهمة في حياة كل طالب جزائري.

امتحان أم حرب

“التركيز على الإجراءات المصاحبة للامتحان سيؤثر لا محالة على نفسية المترشحين، الذين بدأوا يرون في الامتحان غولاً ينتظرهم على أبواب المراكز” يقول والد الطالب يحيى بقلق.

واعتبر أنه على الوزارة أن تتحمل مسؤولية تراجع نسبة النجاح إن حدث، فذلك قد يعود إلى “الرعب الذي يصيب التلاميذ من صدمة الإجراءات المتخذة والصرامة المفرطة، والتي أخرجت الامتحان من دائرة العادي”.

وبحسب ما نشرته بعض وسائل الاعلام المحلية فإن عدد المترشحين هذا العام، انخفض مقارنة بالدورة السابقة وذلك بنسبة 7.31 بالمائة .

ومن بين المترشحين إلى هذه الشهادة 4391 محبوساً مرشحاً على مستوى 43 مؤسسة عقابية، معتمدة من طرف وزارة التربية الوطنية كمراكز للامتحانات الرسمية، وتم اختيار مؤسسة إعادة التربية والتأهيل بالحراش لانطلاق الامتحان.

هذه الامتحانات يتم إجراؤها تحت إشراف الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات ويؤطرها موظفو قطاع التربية الوطنية وفقاً لأحكام الاتفاقية التي تربط وزارة العدل بوزارة التربية الوطنية.

الخير بن قشي مفتش جهوي بوزارة التربية  يؤكد لعربي بوست بأن الوزارة الوصية قد أنهت كل الإجراءات المتعلقة بهذا الامتحان المصيري، من خلال تجهيز مراكز الامتحان، وتوزيع المؤطرين.

ولأجل إنجاح الامتحان يضيف “تم تجنيد 85215 أستاذاً أوكلت لهم مهمة حراسة التلاميذ أثناء الامتحانات الموزعة عبر 2540 مركز عبر التراب الوطني، بينما تم تعيين 4420 ملاحظاً يرافقون عملية الامتحان.

وبخصوص فترة التصحيح يضيف “فقد تم تسخير 33637 أستاذاً مصححاً يتوزعون على 48 مركزاً، حيث تتم عملية التصحيح بحضور 11500 مؤطر يشرعون في العمل، عقب جمع أوراق التلاميذ الممتحنين عن طريق مراكز الجمع البالغ عددها 09 مراكز”.

طائرات عسكرية لنقل المواضيع

وتعطي الجزائر أهمية كبيرة لامتحان شهادة البكالوريا، لذا فهي تعمل بكل الوسائل قصد الحفاظ على وزنها، ومصداقيتها كما قال المفتش الجهوي الخير بن قشي لعربي بوست.

وكانت وسائل إعلام محلية قد تحدثت عن تسخير طائرات عسكرية مؤطرة من قبل الجيش الشعبي الوطني وعناصر من الدرك، توكل لهم مهمة نقل مواضيع الامتحان الى مختلف ولايات الجمهورية.

هذه المواضيع بحسب المصدر تكون في صناديق وظروف مشمعة، انطلاقاً من الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات، وتكون تحت أعين رجال الأمن والجيش حتى وصولها إلى مراكز إجراء الامتحانات.

ويؤكد الخير بن قشي المفتش الجهوي بالوزارة الوصية “أن هذه الإجراءات تأتي لمنع تسريب المواضيع، او الاعتداء على الأطقم الناقلة لها، وبالتالي الحرص على الحفاظ على قيمة البكالوريا محلية، عربياً وعالمياً”.

واستعمال الطائرات العسكرية خاصة منها العمودية بحسب المتحدث “معمول به منذ سنوات وبسرية تامة، ويكون خاصة للولايات البعيدة، كالهضاب العليا والجنوب”.

18 ألف شرطي لتأمين الامتحان

الإجراءات الصارمة للحفاظ على قيمة الشهادة، لم تتوقف عند طريقة نقل المواضيع، وتسخير العدة والعتاد لذلك، بل تمتد لتشمل أيام الامتحان الممتدة من 20 إلى غاية 25 يونيو/حزيران 2018.

وقد وضعت المديرية العامة للأمن الوطني في الجزائر مخططاً وقائياً لضمان التغطية الأمنية لمجريات الامتحانات بتسخير أكثر من 18000 شرطي من مختلف الرتب، سيكون توزيعهم عبر جميع مراكز الامتحان.

المهمة الأمنية هذه ستشمل 2108 مراكز امتحان عبر قطاع اختصاص الأمن الوطني بالمراكز الحضرية، و 14 مركز تجميع، زيادة على 70 مركز تصحيح، ومركزي طبع وأماكن حفظ المواضيع والبالغ عددها 66 مركزاً.

كما سيسخر جهاز الأمن كافة آليات الوقاية لتسهيل سيولة الحركة المرورية بالقرب من مراكز الامتحانات التي تشهد توافد التلاميذ والأولياء، والحفاظ على سلامة الممتحنين عن طريق وضع نقاط مراقبة ثابتة وأخرى متحركة، إلى جانب مكافحة ظاهرة التوقف العشوائي قرب هذه المراكز.

دورية كل 5 دقائق

الإجراءات ازدادت صرامة هذه السنة، لمنع محاولات الغش أو تسريب الأسئلة باستعمال وسائل الإنترنيت الحديثة، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي هذا الصدد تحدثت جريدة النهار الجزائرية، عن ميلاد لجنة تفتيش جديدة عبر مراكز إجراء الامتحان، توكل لها مهمة المرور على الحجر والأقسام، كل 05 دقائق، على طول أيام الامتحان.

الإجراء حسب الصحيفة جاء بالتنسيق بين وزارة التربية والديوان الوطني للامتحانات والمسابقات، وغرضه ليس مراقبة التلاميذ فحسب بل حتى تشديد الرقابة على الأساتذة الحراس المكلفين بعملية حراسة التلاميذ طوال فترة الامتحان.

دوريات المراقبة حسب المصدر بها مراقبان اثنان يعملان على دخول قاعات الامتحان ومراقبة التلاميذ، وكذا الأساتذة على حد سواء بشكل مفاجئ، ويتم منح هؤلاء المراقبين كل الصلاحيات من تفتيش ومراقبة، وكذا التجول في القاعات إذا تمت ملاحظة شيء غريب يحصل بداخلها.

ويؤكد المفتش الجهوي الخير بن قشي لعربي بوست “أن هذا الجهاز كان مدمجاً في الأمانة العامة للمركز في الدورات السابقة للامتحان، لكنه هذه السنة سيلحق بمهمة التفتيش والمراقبة لمنع الغش وتسريب المواضيع.

قطع الإنترنيت

وزارة البريد وتكنولوجيا الاتصال في الجزائر هي الأخرى، دخلت خط امتحان شهادة البكالوريا، من خلال التنسيق بينها وبين وزارة التربية من أجل التصدي لكل محاولات تسريب المواضيع.

وكشفت الوزيرة هدى إيمان فرعون عن مخطط لقطع الإنترنيت كل أيام الامتحان، بمعدل ساعة واحدة عن كل امتحان مادة، وردت الإجراء إلى الحفاظ على مستوى الشهادة وترك التلاميذ يركزون في الامتحان بدل التفكير في المواضيع والإجابات التي قد تصلهم.

وكانت مديريات التربية عبر ولايات الوطن، قد باشرت ومنذ فترة العمل بتعليمات الوزارة، وتنصيب كاميرات مراقبة، وأجهزة التشويش لمنع استعمال الهاتف النقال وشبكة الإنترنيت.

الإعلام ممنوع

“لا يسمح للإعلاميين والصحفيين الدخول إلى مراكز إجراء الامتحانات طيلة أيام البكالوريا المحددة من 20 إلى 25 يونيو/حزيران 2018″ ، هو ما جاء في نص رسالة من وزارة التربية مرسلة إلى جميع المديريات التنفيذية.

عماد سلامي من خلية الإعلام والاتصال بمديرية التربية لولاية سطيف يؤكد لعربي بوست بأن الرسالة تنص على منع كل الإعلاميين إجراء تغطيات مباشرة وميدانية من مراكز إجراء الامتحانات”

وعلى كل إعلامي يضيف “يريد إجراء تغطية لمجريات الامتحان، ما عليه سوى الصبر إلى غاية خروج جميع التلاميذ المترشحين، والعمل معهم خارج أسوار المركز المخصص للامتحان”.

واعتبر المتحدث “ما ينشر عبر شاشات التلفاز، أو ما يبث عبر أمواج الإذاعات والمواقع الإخبارية عن طبيعة المواضيع ومحتوياتها هو جزء من التسريب غير المباشر”.

الوزيرة تطمئن

وزيرة التربية في الجزائر نورية بن غبريت وعشية الامتحان، نشرت عبر صفحتها الرسمية بفيسبوك، مقطع فيديو لطمأنة التلاميذ، وحثهم على العمل بعيداً عن الضغط والإشاعات.

وطالبت من التلاميذ عدم الانقياد وراء الانحرافات قاصدة بذلك التسريبات والغش، معترفة بوجود نوع من الخوف والاضطراب لدى التلاميذ لكن ذلك كما قالت “لا يكون عائقاً أمام الأمل والتحدي والنجاح”.

 

نكسة 2016 و2017

كل الإجراءات التي تقوم بها وزارة التربية بحسب المفتش الجهوي للتربية والتعليم الخير بن قشي تأتي لمنع تكرار سيناريو العامين المنصرمين 2016 و2017، بعد تسريب مواضيع عدد من المواد عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ففي عام 2016 شهدت دورة يونيو/حزيران تسريباً لمواضيع البكالوريا ساعات قبل الامتحان، وهو ما ضرب مصداقية الشهادة، وأرغم المسؤولين على إدراج دورة استثنائية بعدها بشهر، بعد ضغط أولياء التلاميذ.

وفي يونيو/حزيران 2017  ورغم الإجراءات التي قامت بها الوزارة، بالقطع الجزئي للإنترنيت وسحب الهواتف النقالة، إلا أن مواضيع عدد من المواد انتشرت عبر فيسبوك دقائق فقط عن انطلاق الامتحان.

لذا فوزارة التربية لا تريد تكرار السيناريو، بل إنقاذ الشهادة من الفضائح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى