تقارير وتحليلات

كيف استغل ترامب المساعدات العسكرية لابتزاز رئيس أوكرانيا.. وما هي احتمالات عزله؟

تفاصيل مكالمة دونالد ترامب مع الرئيس الأوكراني، تكشف كيف ابتز الرئيس الأمريكي نظيره الأوكراني واستخدم أموال البلاد للنيل من خصمه الرئيسي في الانتخابات جو بايدن، ولماذا يمكن أن تلحق الفضيحة الضرر بالمرشح الأبرز للديمقراطيين.

منذ توليه الحكم اتّبع الرئيس دونالد ترامب نهجاً غير تقليدي في إدارة الولايات المتحدة الأمريكية على مدار عامين ونصف مفاده «أمريكا أولاً/ المصلحة أولاً» مع حد أدنى نسبياً من العواقب السياسية.

لكن مع بدء تحقيقات رسمية ضده هذا الأسبوع لبحث إمكانية عزله من منصبه، يدخل ترامب حالياً أخطر مرحلة في حياته السياسية، حسبما ورد في تقرير لمجلة Time الأمريكية.

والآن الولايات المتحدة على وشك مواجهة أكبر اختبار لها حتى الآن بشأن مدى قدرة نظام الحكم الأمريكي على الاستمرار ومواصلة العمل في ظل فترة تتّسم بسياسات شديدة الاستقطاب، وهو أمر عانت منه الولايات المتحدة على مدار أكثر من ثلاث سنوات حتى الآن، حسبما ورد في تقرير لصحيفة

قبل الخوض في تفاصيل الخطوة التالية، من المهم تحديد النقاط الأساسية، التي أوصلتنا إلى هذه اللحظة الراهنة.

ما الذي كان يريد ترامب كشفه عن جو بايدن؟

عندما كان جو بايدن نائباً للرئيس، كان نجله، هانتر، قد أبرم عقداً مربحاً للعمل لدى شركة غاز طبيعي أوكرانية تُدعى «بوريسما»، التي كانت تدفع له ما يصل إلى 50 ألف دولار شهرياً. في ضوء هذا المبلغ، كان من المؤكد أن يأمل الأوكرانيون في شراء النفوذ (رغم عدم وجود دليل على نجاحهم في فعل ذلك). وبينما كان هانتر على قائمة رواتب الشركة الأوكرانية، دعا جو بايدن –تماشياً مع مجموعة أكبر من الجهات الفاعلة تشمل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي- إلى إقالة المُدّعي العام الأوكراني لفشله في بذل ما يكفي من الجهد للقضاء على الفساد في البلاد. وقد أقيل هذا المدعي العام في نهاية المطاف.

وبعد مرور بضعة أعوام جاء صيف عام 2019، حيث يجلس ترامب الآن في المكتب البيضاوي.

فشلت تحقيقات روبرت مولر المتعلقة بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، وحوَّل ترامب تركيزه إلى حملة إعادة انتخابه القادمة.

لقد استخدم أموال المساعدات العسكرية لابتزاز رئيس أوكرانيا وكرر طلبه 8 مرات

قرَّر ترامب تجميد مبلغ 391 مليون دولار من المساعدات العسكرية خصّصها الكونغرس الأمريكي لأوكرانيا، وذلك قبيل مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني الجديد، فولوديمير زيلينسكي، (الممثّل الكوميدي الذي قاد موجة مناهضة للمؤسسات والفساد وصولاً إلى السلطة). وطلب ترامب من نظيره الأوكراني في تلك المكالمة أن يسدي له خدمة من خلال التعاون مع المدعي العام الأمريكي، وليام بار، ومحاميه الشخصي، رودي جولياني، للتحقيق في تعاملات بايدن مع أوكرانيا.

ووفقاً لصحيفة the Wall Street Journal الأمريكية، كرَّر ترامب هذا الطلب 8 مرات في المكالمة الهاتفية.

كيف تم كشف الأمر؟

شعر أحد أعضاء مجتمع الاستخبارات بالقلق الشديد إزاء هذه المطالبات، وقدَّم شكواه إلى المفتش العام، الذي خلص إلى أنَّها مسألة «تستدعي اهتماماً عاجلاً».

لكن القائم بأعمال مدير الإستخبارات الوطنية الأمريكية لم يُطلع الكونغرس على تلك الشكوى بالمخالفة للقانون الفيدرالي الخاص بالمُبلّغين عن المخالفات (مشيراً إلى مسائل تتعلق بامتيازات منصبه التنفيذي، التي هي موضوع جلسات استماع الكونغرس الحالية).

ترامب مع الرئيس الأوكراني

هذا الأمر أثار الضجة الحالية.

اللافت أنه بعد المكالمة أمر ترامب بصرف المساعدات العسكرية المُخصّصة لأوكرانيا.

لذا فإن التصوّر بأنَّه استخدم سلطة منصبة في محاولة إجبار زعيم أجنبي على إيذاء منافس سياسي كان كافياً لدفع الديمقراطيين في مجلس النواب لإعادة تقييم شكوكهم السابقة في إمكانية عزل ترامب وإعلان تحقيق رسمي بدأ هذا الأسبوع.

حملة الديمقراطيين لعزل ترامب تقوم على اتهامه بمخالفتين كبيرتين

يمكن وصف ما حدث بعد ذلك بدراما سياسية من الطراز الأول. ثمة مجالان رئيسيان للقلق من هذه الجولة الأحدث من الإفشاءات بالنسبة للديمقراطيين، الذين يضغطون من أجل صياغة بنود اتهام ضد ترامب.

يتمثَّل الأول في ما إذا كان ترامب استخدم أموال دافعي الضرائب الأمريكيين (في شكل مساعدات عسكرية لأوكرانيا) للضغط على بلد أجنبي لإجراء تحقيق مع خصمه السياسي وتعزيز فرص إعادة انتخابه.

ويتعلق الثاني بما إذا عُرقل وصول شكوى مُقدّم البلاغ إلى أعضاء الكونغرس وكيفية حدوث ذلك، الأمر الذي ربما أعاد إحياء شكاوي عرقلة سير العدالة، التي برزت بوضوح خلال ملحمة تحقيقات مولر.

لكن ما يحدث حالياً من  إثارة تحقيقات رسمية تهدف إلى عزل ترامب يتعلق برؤية الرأي العام للأزمة أكثر من كونها تُمثّل تغييراً في طبيعة العمل، الذي تؤديه بالفعل اللجان المُسيطر عليها من جانب الديمقراطيين في التحقيق مع الرئيس الأمريكي الحالي، على الرغم من أنَّها تزودهم بمزيد من المعلومات لمتابعة تلك التحقيقات.

ما هي احتمالات عزل الرئيس؟

لم يتّضح بعد أنَّ إجراءات العزل ستمضي قدماً على نحو يتجاوز مراحل التحقيق. في غياب ما يكفي من الدعم العام، يصبح من الصعب على الديمقراطيين المعتدلين في المقاطعات المتأرجحة الرئيسية الاستمرار في دعم المضي قدماً نحو تنفيذ العزل.

يملك الديمقراطيون أعداداً كافية قد تسمح لهم بتمرير مواد الاتهام وقرار العزل في مجلس النواب بأغلبية بسيطة (وهي عملية بطيئة من المحتمل أن تستمر حتى نهاية عام 2019 على الأقل)، لكن دعم الجمهوريين المستمر لترامب في مجلس الشيوخ -مدفوعاً بشعبيته الساحقة مع قاعدة الحزب الجمهوري الانتخابية- تجعل إمكانية تنفيذ العزل الفعلي لترامب من منصبه شبه مستحيلة، لاسيما أنَّها تتطلب تأييد أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ.

كم عضواً جمهورياً يحتاجه الديمقراطيون لإقالته؟

عملية عزل الرئيس عملية مشتركة بين غرفتي الكونغرس أي مجلسَي النواب والشيوخ

وإذا وافقت أغلبية بسيطة من أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 عضواً على توجيه اتهامات للرئيس، فيما يطلق عليه «بنود المساءلة» تنتقل العملية إلى مجلس الشيوخ، الذي يعقد محاكمة لتحديد ما إذا كان الرئيس مذنباً.

وبالفعل أيَّد أكثر من 215 من الديمقراطيين البالغ عددهم 235 في مجلس النواب خطوة لفتح إجراءات عزل ترامب، مما يشير إلى أن الحزب لن يجد صعوبة كبيرة في تمرير المساءلة إذا اختار قادته ذلك المسار، إذ يحتاج إلى 218 صوتاً لتوجيه الاتهام في مجلس النواب.

وبعد توجيه الاتهام يتم عقد محاكمة يقوم أعضاء مجلس النواب بدور الادعاء وأعضاء مجلس الشيوخ بدور المحلفين (أي أنهم هم من يبرئون أو يدينون الرئيس).

بيلوسي بدأت إجراءات عزل ترامب

ويرأس جلسات المحاكمة كبير القضاة في المحكمة العليا الأمريكية. وتتطلب إدانة الرئيس وعزله موافقة مجلس الشيوخ المؤلف من 100 عضو بأغلبية الثلثين.

لكن مجلس الشيوخ يحتل فيه الجمهوريون 53 مقعداً مقابل 45 مقعداً للديمقراطيين بالإضافة إلى عضوين مستقلين يصوّتان في العادة مع الديمقراطيين.

أي أن الديمقراطيين سيحتاجون إلى ما لا يقل عن 20 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين للوصول لعتبة الثلثين لإدانته في مجلس الشيوخ.

ولكنه قد يحول الجلسات إلى مناسبة لحشد مؤيديه

ومن الممكن أن تصوّت الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ على الفور بإسقاط التهم الموجهة لترامب دون النظر في الأدلة.

ولم يحدث من قبل أن تم عزل رئيس أمريكي من منصبه كنتيجة مباشرة للمساءلة، فيما استقال رئيس واحد هو ريتشارد نيكسون من منصبه عام 1974 قبل إمكان مساءلته، في حين وجَّه مجلس النواب اتهامات لرئيسين هما أندرو جونسون في 1868 وبيل كلينتون في التسعينيات لكن مجلس الشيوخ لم يصدر قراراً بإدانة أي منهما.

قد يُعوّل ترامب على جلسات الاستماع الرامية إلى بحث إمكانية عزله في تعبئة قاعدته السياسية، وسيكون هناك مواجهة بين حملة العزل مع أجندته التشريعية وحملة إعادة انتخابه، وستعرّض مشواره السياسي للخطر.

وعلى الصعيد الخارجي، ستصعّب غمامة «العزل» على ترامب، قيادة جهود التوصّل إلى صفقة أصعب مع الصينيين في الأشهر المقبلة، وكذلك مع الإيرانيين، والكوريين الشماليين، والأفغان، والأوروبيين.. إلخ.

المشكلة أن توجيه الاتهامات لترامب لم يعد مجدياً

كل ذلك أخبار سيئة بشكل لا لبس فيه بالنسبة لترامب.

ولكن اللافت أنه قد يتأثر بها أكثر  من أي رئيس أمريكي آخر.

فقد بنى ترامب مسيرة سياسية غريبة من خلال تكرار الاتهامات الموجهة ضده لفترة طويلة وعلى نحوٍ صاخب بدرجة كافية جعلتها تصبح في نهاية المطاف أمراً معتاداً (وذلك بمساعدة من وسائل الإعلام الرئيسية التي تكرّرهم إلى ما لا نهاية).

وقد يستغل ترامب ارتباط بايدن بالأزمة لتلطيخ سمعته.

نعم، دعا بايدن إلى إقالة المدعي العام الأوكراني (ثم تباهى بذلك)، لكن بسبب فشله في التحقيق بجدية كافية في قضايا الفساد.

ولكن لا يعد هذا المستوى من الفروقات الدقيقة مهماً بالنسبة لترامب، إذ يوجد ما يكفي من الغمام، الذي قد يكون فيه ببساطة تكرار عبارات عن «بايدن» و»المدعي المفصول» و»الفساد» أمراً كافياً لإزاحة المرشح الديمقراطي الأوفر حظاً، الذي كان يتعثر بالفعل في استطلاعات الرأي.

ويعتبر هذا خبراً ساراً بالنسبة لترامب لأن بايدن الديمقراطي المنتمي إلى تيار الوسط شكّل التحدي الأكبر له في الانتخابات العامة.

وقد يكون لهذا الأمر تأثير في حال قرَّر الديمقراطيون أنَّ ثمة هناك علامات استفهام كثيرة حول بايدن وابنه وقرروا التخلي عنه كما حدث مع آل فرانكن عند اتهامه بالتحرش لتجنّب أي ظهور بمظهر غير لائق. قد يحدث ذلك.

ومصيره مرتبط بموقف الرأي العام

يعتقد 81% من الأمريكيين أنَّ أعضاء الكونغرس يتصرفون على نحو غير أخلاقي كل الوقت أو معظم الوقت أو بعض الوقت.

بعبارة أخرى، لا يتعلق مدى الدعم الشعبي للعزل بمجرَّد أنَّ أعضاء الكونغرس يقنعون الرأي العام الأمريكي بأنَّ الرئيس تصرف بشكل غير أخلاقي، بل بأنّهم أيضاً يتصرفون بنية صادقة من خلال استخدام الإجراءات الدستورية لإزالة منافس سياسي.

إنَّها معركة شاقة متصاعدة، حسب وصف المجلة الأمريكية.

لماذا يجب على الديمقراطيين شكر مولر؟

يجب أن يكون الديمقراطيون في حالة امتنان لأنَّ المحقق الفيدرالي مولر أخفق في إقناع الجمهور الأمريكي بقضية العزل والترويج لها على نحوٍ أفضل.

إذا كان مولر استطاع فعل ذلك، ما كان ترامب على الأرجح سيشعر بنفس الجرأة في محاولة الضغط على أوكرانيا بطريقة غير مسبوقة.

تعلق المجلة قائلة «من المفيد أحياناً أن تخسر معركة من أجل فرصة الفوز بالحرب».

وهناك سيناريو في صالح ترامب تماماً

إذا أدى كل هذا في نهاية المضاف إلى إقصاء بايدن عن المنافسة وأنَّ يصبح بيرنارد ساندرز مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية (المرشح الأكثر يسارية للديمقراطيين) وينجو ترامب من العزل، فإنه السيناريو الأفضل بالنسبة له

تقول المجلة الأمريكية «يكون حينها ترامب أعظم سياسي استراتيجي شهده العالم منذ نيكولا مكيافيلي».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى