تقارير وتحليلات

لماذا أيَّد ترامب الانقلاب في فنزويلا؟

بدأ الأمر عندما انتشر مقطع فيديو لعسكريين في فنزويلا يسيطرون على منشأة عسكرية، تلاها بيان من الحكومة الفنزويلية يعلن القبض على عسكريين قاموا بسرقة أسلحة تابعة للحرس الوطني.

لم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، فقد أعلن «خوان جوايدو»، قائد المعارضة، نفسَه رئيساً للبلاد، وقد أيَّدته أمريكا وعدة دول أخرى، بينما عارضته دول أخرى على رأسها روسيا وتركيا.

لكنّ العلاقات بين فنزويلا وأمريكا تتميّز بذوقٍ خاص، فمنذ وصل الرئيس اليساري هوغو شافيز، الذي كان دائم الصراع مع أمريكا، للحكم، حتى بدأت الأمور تأخذ منحنى آخر.. فهل تساءلت بعد هذه المعلومات عن دراما العلاقات بين البلدين؟

انقلاب ناجح لمدة ثلاثة أيام.. وأصابع الاتهام توجَّه لأمريكا

حافظت أمريكا على مصالحها الاقتصادية والقومية في حديقتها الخلفية «أمريكا اللاتينية» بطرقٍ مختلفة، كان أبرزها الانقلابات العسكرية.

فقد أيدت ورتّبت انقلاباتٍ عسكرية عديدة في البرازيل وبنما وتشيلي والأرجنتين، قاد أغلبها البلاد لمجازر راح ضحيتها آلاف المدنيين.

هذه المرة كان الموعد مع هوغو شافيز، وصل هوغو شافيز للسلطة عام 2000 في انتخابات ديمقراطية، بعدما حاول سابقاً الاستيلاء على السلطة عبر الانقلاب العسكري عام 1998، ولكن محاولته باءت بالفشل.

عندما وصل شافيز للحكم عبر انتخابات ديمقراطية بدأت تظهر أجندته اليسارية في سياساته وخطاباته، فالرجل الذي هاجم حرب العراق هو نفسه الذي حاول فرض ضرائب أكثر على شركات البترول في فنزويلا، التي أغلبها أمريكي بطبيعة الحال.

بدأ الانقلاب بمظاهرات شعبية في الشوارع، اتَّجهت للقصر الرئاسي، لكنَّ الأمر تطوَّر حين طالب الجيش شافيز بالاستقالة، وأعلن رئيس أكبر رابطة رجال أعمال في فنزويلا «بيدرو كارمونا» نفسه رئيساً للحكومة الانتقالية في فنزويلا.

استطاع شافيز -أثناء محبسه في ثكنات الجيش- أن يتواصل مع بعض القادة الموالين له، وعلى الجانب الآخر بدأت مظاهرات مؤيده له يقودها مؤيدوه، واستطاع إفشال الانقلاب في وقت قصير.

بعد عودة شافيز للحكم، صرّحت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس أنّ «على شافيز أن يعلم أنّ العالم يراقبه، وأن يستفيد من هذه الفرصة لقيادة السفينة بشكلٍ جيد». وكذلك أعلن جورج بوش أن أمريكا لم تكن ضالعة في الانقلاب.

لكنَّ هذه التصريحات لم تجعل شافيز يقتنع بالأمر أبداً، فطالما اتهم أمريكا بالترتيب والضلوع في الانقلاب، خصوصاً أن أمريكا أيضاً كانت متهمة باغتيال حليفه الوثيق فيديل كاسترو، رئيس كوبا.

كما أنَّ الصحافة أيضاً كشفت الأمر، فقد كان بعض أعضاء إدارة جورج بوش الابن ضالعين في ترتيب الانقلاب منذ شهور، عندما قابلوا «بيدرو كارمونا» وبقية قادة الانقلاب في أمريكا.

أحد المدبرين للانقلاب «أوتو رايش» الذي كان سفيراً سابقاً في فنزويلا، وأصبح لاحقاً المسؤول عن صياغة سياسة أمريكا تجاه أمريكا اللاتينية، كذلك «إيليوت أبرامز» المساعد الخاص للرئيس الأمريكي، والمدير الأعلى لمجلس الأمن القومي لـ «الديمقراطية»، وفقاً لمصادر صحيفة الغارديان.

في فنزويلا أكثر من 20 محاولة انقلاب وفقاً لمادورو: كلها من تدبير أمريكا؟

وفقاً لادعاءات مادورو نفسه، فخلال سنوات حكمه من 2013، قامت 20 محاولة انقلابفاشلة ضده، ويتهم دائماً أمريكا بتدبير تلك المحاولات مع المعارضة اليمينية.

مادورو

ما يعطي كلامه بعض المصداقية لدى مؤيديه أنَّ أمريكا كانت ضالعة في محاولة الانقلاب على أستاذه وصديقه، الذي وصَّى الشعب الفنزويلي بالتصويت لمادورو بعد وفاته، وأنَّ ترامب أعلن تأييده لموقف «خوان غوايدو» بإسقاط مادورو، ما يعيد للأذهان ذكرى انقلاب «بيدرو كارمونا»، في 2002 على شافيز.

وهذه أبرز المحاولات للانقلاب عليه

ناهيك عن محاولة خوان غواديو، التي قال مادورو عنها إن «كل شيء يشير» إلى مؤامرة يمينية تقول التحقيقات المبدئية إنها مرتبطة بكولومبيا وولاية فلوريدا الأمريكية، حيث يعيش منفيون فنزويليون كثيرون.

2016.. مادورو معرَّض للإطاحة به

في عام 2016، أعلن مادورو أن هناك محاولة فاشلة حدثت في شهر فبراير/شباط، وكان يقف وراءها ضباط سلاح الجو، وكالعادة اتهم أمريكا بالوقوف وراء المحاولة. في تلك الفترة قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» إنه وفقاً لمحللين فإن مادورو ما زال معرَّضاً بشدة للإطاحة به في انقلاب داخل قصره.

تمرُّد جديد بعد سنة

كذلك قبل سنةٍ ونصف السنة، في أغسطس/آب 2017، أعلنت الحكومة عن إحباط محاولة تمرد بقيادة بعض العسكريين في جنوبي البلاد، قالوا إنهم انتفضوا ضد «طغيان قاتل»، قبل أن يجري اعتقالهم جميعاً.

محاولة تمرد واغتيال؟

بينما كانت أبرز محاولات اغتياله وأقربها في شهر أغسطس/آب 2018، عن طريق طائرة مسيّرة من دون طيار (درون)، أثناء عرض عسكري. لاحقاً صرَّح وزير الإعلام أنَّ ما حدث كان «بسبب انفجار طائرتين من دون طيار، تحملان متفجرات بالقرب من المنصة الرئيسية».

محاولة اغتياله 4  أغسطس 2018

 

لكن هل تفيد مادورو شعاراته وخطبه الرنانة؟

جاء التأييد الأمريكي للانقلاب على مادورو في وقتٍ تزايدت فيه الاحتجاجات الشعبية عليه، فبينما كانت فنزويلا هي أول ديمقراطية في أمريكا الجنوبية منذ أواخر الخمسينات، إلا أنّ الرجل صاحب الشعبية الكبيرة «شافيز» هو الذي بدأ سلسلة الانقلابات، التي لم تتوقّف حين حاول الاستحواذ على السلطة بانقلاب عسكري فاشل.

ليتجرّع صديقه مادورو من نفس الكأس، ليس فقط انقلاباً عليه، وإنما يواجه مظاهرات شعبية عارمة، فقد بلغت نسبة التضخّم نسبة خيالية، وأصبحت النقود الفنزويلية بلا قيمة، حتى إنّ الفنزويليين أصبحوا يصنعون منها مشغولات يدوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى