تقارير وتحليلات

ما مدى جدية مزاعم إيران حول بناء نظام الدفاع الصاروخي إس-300 الروسي محلياً؟

أعلنت إيران  منذ سنوات، أنها تحاول تصنيع نظام محلي للدفاع الجوي يضاهي المنظومة الروسية إس-300، ومؤخراً قالت طهران إنها نجحت بالفعل في ذلك، فما مدى جدية هذا الأمر؟ وكيف يمكن أن يؤثر في أي حرب قد تشتعل بالمنطقة؟

 

ونشرت مجلة ذا ناشيونال إنتريست الأمريكية تقرير بعنوان: «هل تحاول إيران بناء منظومة دفاع جوي محلية تضاهي المنظومة الروسية إس-300؟

يقولون إنها الأقوى عالمياً

كشفت إيران النقاب، في 22 أغسطس، عن منظومة صاروخية جديدة للدفاع الجوي بعيدة المدى محلية الصنع، أطلقت عليها اسم «باور-300» (Bavar-373)، وذلك خلال احتفالات اليوم الوطني للصناعات الدفاعية، بحضور الرئيس الإيراني حسن روحاني. وقد أوضح روحاني، في خطاب ألقاه، الأساس المنطقي وراء تسمية هذا النظام الدفاعي الجديد، من خلال مقارنته بمنظومة الصواريخ الروسية إس-300 (S-300).

تعتبر منظومة الدفاع الإيرانية الجديدة أقوى من المنظومة الروسية إس-300 وقريبة جداً من اللاحقة لها إس-400. ورغم أنَّ منظومة صواريخ إس-300 تحظى باحترام كبير، يمكن القول إنَّ إس-400 أفضل منظومة دفاع صاروخية بعيدة المدى في العالم.

نشرت إيران أيضاً لقطات لإطلاق صواريخ معروفة باسم صياد-4 (Sayyad-4) من منظومتها «باور-373» الصاروخية المتنقلة، التي يُفترض أنَّها قادرة على مواجهة أهداف تتراوح بين قاذفات قنابل نفاثة وطائرات مقاتلة وطائرات شبح وطائرات من دون طيار وصواريخ كروز وأخرى باليستية. زعمت طهران أنَّ الظروف الجوية لا تؤثر إطلاقاً في فاعلية منظومة «باور-373″، التي عُزِّزت أيضاً ضد التشويش والتهديدات النووية والبيولوجية والكيميائية.

يتمثَّل التهديد العسكري الرئيسي بالنسبة لإيران في احتمالية تعرُّضها لضربات جوية وصاروخية من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهذا يفسر سبب تلك الضجة التي حظيت بها منظومتها الدفاعية الجديدة.

متى بدأت القصة؟

بالعودة إلى عام 2007، سعت إيران، للمرة الأولى، لاستيراد خمس بطاريات صواريخ «إس-300 بي إم يو-1» (S-300PMU-1) الروسية، التي يمكنها الاشتباك مع طائرات حتى مسافة 93 ميلاً (149 كيلومتراً). لكن بينما كان الفنّيون الإيرانيون يتدربون على تشغيل هذا النظام الدفاعي، اتَّخذ الرئيس الروسي آنذاك، ديمتري ميدفيديف، قراراً قضى بحظر البيع في عام 2010، في إطار حملة العقوبات الدولية المفروضة على طهران بسبب برنامجها النووي.

بعد مرور عام، أعلنت إيران أنَّها ستطور بدلاً من ذلك نظاماً دفاعياً محلي الصنع مستوحىً من منظومة S-300 الروسية، وأطلقت عليه اسم «باور-373″، وهي كلمة فارسية تعني «الإيمان». وقد أفادت طهران، بصورة دورية، بالاختبارات الناجحة ومدى التقدّم المحرز، وأظهرت للعيان بطاريات الصواريخ الجديدة لأول مرة في أغسطس/آب 2016.

ومع تخفيف العقوبات في وقتٍ سابق من العام نفسه، بموجب توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة (المعروفة بالاتفاق النووي) عام 2015، مضت روسيا قدماً وسلَّمت إيران أربع بطاريات من منظومة «إس-300 بي إم يو 2 » (S-300PMU2)، كل واحدة مكونة من أربع مركبات حاملة لمنصات إطلاق الصواريخ واثنتين من المركبات المزودة بالرادار.

ومع ذلك، واصلت إيران تطوير منظومتها الصاروخية المحلية «باور-373». وأوردت تقارير أنَّها تنوي شراء ما يصل إلى 12 بطارية جديدة. كانت إسرائيل قد شنَّت غارة جوية في 18 مايو/أيار على قاعدة حماة الجوية السورية، نجم عنها انفجار هائل، في حين أفادت وسائل إعلام إقليمية بأنَّ الهدف كان شاحنة نقل منظومة Bavar 373 التي نشرها الحرس الثوري الإيراني هناك. ومع ذلك، لم يكن هذا الادعاء يتوافق مع الانطباع العام بشأن أنَّ المنظومة الإيرانية كانت لا تزال في مراحل التطوير النهائية.

تعرَّف على بطارية منظومة Bavar-373 الصاروخية

على غرار منظومة الدفاع الجوي الروسية S-300، تشتمل بطارية منظومة «باور-373» الإيرانية على أكثر من ست شاحنات ثقيلة للطرق الوعرة تحمل منصات إطلاق الصواريخ والرادارات. يجري التنسيق بين هذه الصواريخ والرادارات من خلال نظام «فاكور» القيادي، الذي يُقال إنَّ لديه القدرة على جمع المعلومات من الرادارات ذات الصلة بمنظومة الدفاع الجوي، ونقلها باستخدام نظام اتصالات مشفر يُسمّى «رسول».

يُنقل رادارا منظومة الدفاع الصاروخية الإيرانية على شاحنات ثمانية الدفع طراز»ظافر»: يُستخدم الرادار الأول لتحديد مواقع الأهداف والطائرات عن بُعد ويعمل في النطاق الترددي S-Band. أما الثاني فهو رادار التحكم في النيران، الذي يوجِّه الصواريخ نحو أهدافها، ويعمل في النطاق الترددي X-Band. ورغم أنَّ رادار التحكم في النيران ذو مدى أقصر، فإنه أكثر دقة. يُفترض أنَّ يكون كلا الرادارين ذي مصفوفة مسح إلكتروني نشط، ومن ثمَّ، يتميزان بدقة أعلى، فضلاً عن وجود صعوبة أكبر في كشفهما.

عرضت إيران أيضاً راداراً ثالثاّ ذا مصفوفة طورية يُسمّى «معراج-4» (Meraj-4)، مُثبّتاً على شاحنة ثقيلة ذات عشر عجلات تُدعى «ذو الجناح». وحسبما ورد، فإنَّ رادار «معراج-4» قادر على تتبُّع 100 هدف في آنٍ واحد لمسافة تصل إلى 217 ميلاً (349 كيلومتراً)، أو حتى نحو 300 ميل (482 كيلومتراً)، وفقاً لبعض المصادر. ويُستخدم هذا الرادار «المنطق الضبابي» لتقدير مواقع جهات الاتصال البعيدة، بدرجة أكثر موثوقية. ويُزعم أنَّه يمتلك مجموعة متنوعة من الدفاعات ضد التشويش وغيرها من أشكال التدابير الإلكترونية المضادة.

ورغم أنَّ «معراج -4» لا ينتمي بشكل أساسي إلى بطارية صواريخ منظومة «باور-373» كما يُزعم في بعض الأحيان، فإنَّه مصمَّم للاتصال مع المنظومة الصاروخية؛ لتحسين عمليات الاستهداف.

وفي مضاهاة لمنظومة إس-300 الروسية، زوّدت إيران منظومتها الصاروخية الجديدة بنظام إطلاق عمودي لا يتطلب توجيه الصواريخ نحو أهدافها. ومع ذلك، في حين استخدمت منظومة الدفاع الجوي الروسية نظام الإطلاق البارد (cold lunch) من خلال مضخة غاز تطرد الصواريخ خارج الحاويات الأسطوانية الشكل الخاصة بها قبل أن تبدأ محركات الصواريخ بالاشتعال، تُظهر مقاطع فيديو أنَّ منظومة «باور-2» تستخدم نظام الإطلاق الساخن (hot lunch)، حيث يبدأ فيها محرك الصاروخ بالاشتعال سريعاً داخل حاوية مربعة الشكل.

الصواريخ المعنيَّة «صياد-4» يبلغ طولها سبعة أمتار تقريباً، وهي نسخة مطورة بشكلٍ واضح من صواريخ «SM-1» المضادة للطائرات، التابعة للبحرية الأمريكية، والتي بيعت لإيران قبل الثورة الإيرانية مباشرةً. زعم جنرال إيراني أنَّ صواريخ «صياد-4» زُوِّدت بتقنية الدفع الموجَّه لزيادة قدرتها على المناورة في أثناء اعتراض الصواريخ. ويقال أيضاً إنَّ ثمة نوعين آخرين من الصواريخ تتناسب قدراتهما ربما مع تنفيذ مهام الاعتراض قصير المدى أو متوسط المدى.

برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني مصدر قلق في المنطقة / الصورة من وكالة تسنيم

إجمالاً، يُفترض أنَّ منظومة «باور-373» قادرة على الاشتباك بشكل متزامن، مع ستة أهداف على مسافة تصل إلى 155 ميلاً (249 كيلومتراً)، بإطلاق اثني عشر صاروخاً. ومن المرجح إطلاق عدة صواريخ على هدف فردي واحد؛ لزيادة احتمالية إصابة الهدف.

قد يساعد سقف الاشتباك المزعوم لهذا السلاح الإيراني في اعتراض صواريخ باليستية أو طائرات استطلاع من دون طيار لها قدرة على التحليق فترة طويلة على ارتفاعات عالية مثل طائرات «RQ-4 Global Hawks» التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) والمعروفة بقدرتها على التحليق على مثل هذه الارتفاعات العالية.

لكن هل هذا حقيقي؟

على الورق، تبدو منظومة «باور-373» الصاروخية الإيرانية تتميز بإمكانات كبيرة، لكن تصعب الثقة بمزاعم طهران، بسبب سجلها الحافل من المبالغة الصارخة، أو حتى ادعاءاتها الملفقة الصريحة بشأن أنظمتها العسكرية المبنيَّة محلياً. ومع ذلك، تُمثِّل تلك الصواريخ الإيرانية المطورة المستوحاة من نظيرتها الروسية حلولاً أكثر واقعية وأقل تكلفة بالنسبة للجيش الإيراني من المقاتلات الشبح المدهشة.

ثمة حاجة إلى مزيد من التدقيق في مزاعم طهران بشأن قدرة منظومة «باور-373» على مواجهة أهدافٍ مثل الصواريخ الباليستية وطائرات الشبح. إذ يتطلب إسقاط صواريخ باليستية، مثل صواريخ DF-3 التي اشترتها السعودية من الصين، نمطاً معيناً من الصواريخ الاعتراضية السريعة والدقيقة للغاية. يمكن رصد طائرات الشبح باستخدام رادارات مراقبة تعمل في نطاقات تردد منخفضة و/أو التنسيق بين عدة رادارات ازدواجية. الربط بين رادار «معراج-4» ورادار التحكم في النيران التابع لمنظومة «باور-373» قد يسهل استغلال مثل هذه النقطة.

حتى لو كانت منظومة «باور-373» تمتلك قدرات كبيرة كما تزعم طهران، فإنَّها ستعاني من أجل تحقيق انتصار في مواجهة حملة قصف جوي واسعة النطاق تشنُّها الولايات المتحدة، التي تمتلك خبرة كبيرة، جنباً إلى جنب مع قوات الدفاع الإسرائيلية، بأساليب تعطيل أنظمة الدفاع الجوي وتفكيكها. تتضمن مجموعة أدوات البنتاغون صواريخ AGM-88 HARM المصمَّمة لتتبُّع إشارات البث الإلكترونية القادمة من أنظمة الرادار التي تعمل من الأرض للجو والتوجه إلى استهدافها مباشرة، وهناك أيضاً طائرات الشبح المقاتلة من طراز F-35 والمصممة لاختراق المجالات الجوية المحميَّة، فضلاً عن طائرات الحرب الإلكترونية EA-18G Growler التي تقلّل فاعلية أنظمة الرادار والراديو الخاصة بالعدو.

ومع ذلك، فإن امتلاك إيران أسلحة مثل منظومتي إس-300 أو «باور-373» يزيد من صعوبة تنفيذ مثل هذه الحملة ويرفع تكلفتها بالنسبة للولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنَّها ستستغرق وقتاً أطول، لذا يزداد خطر تكبُّد خسائر، وتزداد صعوبة شن هجمات، على نطاق أصغر. وفي ضوء ذلك، ستضطر الولايات المتحدة إلى استخدام طائرات الشبح عالية التكلفة، وتستنزف مزيداً من الذخائر للمواجهة.

وعلى الرغم من أنَّ تلك الدفاعات الجوية الإيرانية المُحسَّنة تساعد في تحسين قوة الردع التقليدية لطهران من خلال تعظيم حجم مخاطر وتعقيدات وتكاليف اللجوء إلى شن ضربات جوية ضدها، لكنها لا تجعلها قادرة على الفوز بالحرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى