تقارير وتحليلات

مع فوزز المحافظين.. السياسة البريطانية يعاد تشكيلها جذرياً.. ما الذي ينتظر المملكة المتحدة

في إنجاز لم يحققه المحافظون منذ نحو 30 عاماً، فاز رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وحزبه المحافظ بأغلبية ساحقة في البرلمان البريطاني، وهو نصر مذهل يعيد رسم الخطوط السياسية البريطانية، ويمهد الطريق لخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي مطلع العام المقبل.

تغيير جذري كبير

تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إن فوز المحافظين الساحق سيعيد تشكيل الخريطة السياسية البريطانية بشكل جذري. إذ فاز حزب المحافظين بعشرات من المقاعد التي كانت تذهب عادةً لحزب العمال في ميدلاندز والأقاليم الشمالية الصناعية؛ مما أدى إلى تحطيم ما يسمى «الجدار الأحمر» الذي شكَّل قاعدة دعم قوية لحزب العمال لأجيال.

وبالنسبة لجونسون، الذي تميزت فترة ولايته القصيرة بهزائم متتالية في البرلمان، وانتكاسات قانونية واضطرابات مستمرة، يشكِّل هذا الفوز دفاعاً مدوياً. ففي تحدٍ للتوقعات بأنه سيُطرَد من منصبه، ضَمن رئيس الوزراء الآن قيادة بريطانيا خلال أكثر مراحلها الانتقالية أهمية منذ الحرب العالمية الثانية.

أما بالنسبة لبريطانيا، التي تترنح بين أزمات متعاقبة منذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، ويكتنف مستقبلها غموض دائم، فقد وفرت الانتخابات لحظة نادرة من الوضوح الثاقب. ففي هذا الصدد، قال توني ترافرز، أستاذ العلوم السياسية بكلية لندن للاقتصاد: «إنه نصر رائع. أصبح لدى بوريس جونسون الآن خمس سنوات في السلطة. البريكست سيحدث بلا شك. أما حزب العمال فيواجه، مرة أخرى، سؤالاً وجودياً حول مستقبله».

ومع بدء انتشار أخبار فوز المحافظين، ارتفع سعر صرف الجنيه الإسترليني في مواجهة الدولار واليورو؛ مما يعكس الشعور بالارتياح نحو احتمال استقرار السياسة البريطانية، وارتفاع فرص خروج منظم لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

مخاطر على الطريق

ومع ذلك، هناك بعض المخاطر التي تواجه جونسون، الذي سيقود دولة لا تزال منقسمة بشدة حول خروجها من الاتحاد الأوروبي. وتشير النتائج إلى فوز المحافظين بنحو 43% من إجمالي الأصوات.

وتوقعت النتائج الأولية أيضاً فوز الحزب الوطني الإسكتلندي بـ49 مقعداً من أصل 59 مقعداً في إسكتلندا، أي أعلى بأكثر من 10 مقاعد عن الانتخابات السابقة. وعارض الحزب بشدة حملة جونسون للحصول على انفصال سريع من الاتحاد الأوروبي، ويمكن لأدائه القوي أن يجدد الدعوات لإجراء استفتاء على الاستقلال الإسكتلندي، وهو ما يعارضه رئيس الوزراء.

ويمكن أن تؤثر مكاسب حزب المحافظين بين الناخبين من الطبقة العاملة في ميدلاندز والشمال على حرية جونسون في التفاوض على اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي. إذ سيضغط هؤلاء الناخبون من أجل إحياء اقتصاد الصناعات التحويلية في بريطانيا والحماية من الواردات، وهي رؤية تتعارض مع أخلاقيات السوق الحرة غير التنظيمية لجونسون ومساعديه.

وقالت واحدة من كبار مساعدي جونسون، وزيرة الداخلية بريتي باتيل، مساء أمس، إنَّ الحكومة الجديدة ستستحدث تشريعات لإكمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل عيد الميلاد (الكريسماس)، وهو جدول زمني سريع للغاية. لكن من غير المحتمل أن يتم رحيل بريطانيا قبل 31 يناير/كانون الثاني، وهو الموعد المتفق عليه مع الاتحاد الأوروبي.

وكان كثيرٌ من البريطانيين قد أعربوا عن استيائهم من الاضطرار للعودة إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى في وقت قريب، خاصة في الأسابيع التي تسبق الكريسماس، عندما يكون الطقس بارداً وساعات النهار قصيرة.

لكن الرهانات هذه المرة وصلت لأخطر درجة ممكنة. فعلى عكس تصويت عام 2017، أعطت هذه الانتخابات رؤية واضحة عن مستقبل بريطانيا القريب؛ وذلك لأول مرة منذ انتهاء الاستفتاء على «البريكست» في عام 2016 بأغلبية بسيطة لصالح الخروج.

ويقوض فوز جونسون من إمكانية تراجع بريطانيا عن هذا القرار، وهو حلم روج له الملايين الذين يعتبرون الاستفتاء خطأً كارثياً ينبغي تصحيحه. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنَّ أغلبية ضئيلة من البريطانيين يفضلون الآن البقاء في أوروبا، على الرغم من أنَّ الحملات لإجراء استفتاء ثانٍ على الخروج ما زالت مستمرة في البرلمان.

هزيمة مدمرة لحزب العمال

وبالنسبة لحزب العمال، الذي تخلف عن المحافظين في صناديق الاقتراع طوال الحملة الانتخابية، لكن بدا أنه نجح في تضييق الفجوة في الأيام القليلة الماضية، تُشكِّل هذه النتائج هزيمة مدمرة. إذ صارع الحزب خلال الحملة الانتخابية لتحويل التركيز من البريكست إلى القضايا الاجتماعية مثل الرعاية الصحية، التي تخدم فرصه أكثر.

ومع ذلك، أقر أحد كبار المسؤولين في حزب العمال، جون ماكدونيل، بأنَّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هيمن على الحملة؛ مما أبقى حزبه في موقف دفاعي طوال الوقت.

زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربن

زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربن

إذ تعهد حزب العمال بالتفاوض على اتفاقية الانسحاب الخاصة به مع بروكسل، ثم طرحها للتصويت الشعبي. وكانت تلك الرسالة أقل وضوحاً من النداء الذي أطلقه جونسون لحشد أصوات الناخبين: «Get Brexit Done» (أنجزوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي).

وفشل موقف حزب العمال بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبيانه اليساري بقوة بشأن التأميم والزيادات الضريبية على الأغنياء والزيادة الهائلة في الإنفاق العام، في أن يجد صدى لدى الناخبين، الذين بدوا أكثر استعداداً لطي الصفحة، حتى وإن كان مستقبل بريطانيا بعد الخروج يشبه الحقل المُلغَّم بالشكوك.

وما زاد من مشاكل حزب العمال هو افتقار كوربين للشعبية، الذي لم يستطع أبداً استعادة الهالة المبهجة التي بدت أنها تحيطه في عام 2017. ولم يستطع كذلك الرد ببراعة على اتهامات بأنَّ حزبه معاد بشدة للسامية.

وفي وقت مبكر من صباح الجمعة، 13 ديسمبر، قال كوربين إنه لن يقود حزب العمال في «أي حملة انتخابات عامة مستقبلية»، معترفاً بالهزيمة «المخيبة للآمال بشدة». لكنه قال إنه سيبقى في زعامة الحزب للوقت الحالي.

«تفويض بالخروج»

وقع جميع المرشحين من الحزب المحافظ تعهداً بدعم اتفاقية جونسون حول البريكست؛ مما يضمن رحيل بريطانيا عن الاتحاد بموجب شروط تلك الصفقة، في حال فاز حزبه بأغلبية مقعد واحد.

وقال جونسون، في الساعات الأولى من صباح الجمعة، إنَّ حكومته تلقت «تفويضاً جديداً قوياً لإنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».

وفور موافقة البرلمان على اتفاق الانسحاب، فستكون أولى مهام جونسون هي التفاوض على اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبي، وهي مهمة يتوقع العديد من الخبراء أن تكون شاقة، لكن من المستحيل إكمالها قبل الموعد النهائي القادم المُحدَّد لبريطانيا، الموافق 13 ديسمبر 2020.

وهذا يثير احتمالات باندلاع معركة أخرى حول تمديد الموعد النهائي -وهو الأمر الذي أقسم جونسون على عدم القيام به- أو المغادرة دون أية صفقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى