تقارير وتحليلات

نتنياهو يتعرض لتجاهل قادة العالم بعد إخفاقه في تشكيل الحكومة

قالت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية إن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، وعلى مر عشر سنوات، كان يسير على الساحة العالمية مختالاً بصفته تجسيداً متبجحاً لإسرائيل القوية، فكان يتصادم مع بعض الرؤساء الآخرين مثل باراك أوباما ويُشهِر أجندته اليمينية في وجه النقد الدولي.

نتنياهو المتألم يتعرض لتجاهلٍ من قادة دول العالم 

لكن في نهاية الأسبوع الماضي، الذي بدا فيه أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي تولَّى رئاسة الوزراء أربع فترات قد خسر ثقة الناخبين الإسرائيليين أخيراً، وجد نفسه شخصيةً ذات شأنٍ متضائل، سواءٌ في داخل بلاده أو خارجها.

إذ فشل في يوم الثلاثاء 17 سبتمبر للمرة الثانية في العام الجاري في الفوز بولايةٍ خامسة في منصب رئيس الوزراء في إسرائيل، في ظل تخلُّف حزب الليكود الذي يتزعمه عن تحالف «أزرق وأبيض» اليميني الوسطي بمقعدين في الكنيست المؤلف من 120 عضواً. وقد اعترف في وقتٍ لاحق علانيةً لأول مرة بأنَّه لن يستطيع تشكيل الائتلاف اليميني الذي تعهَّد به لأنصاره.

وقال أفيغدور ليبرمان -وزير الدفاع السابق في حكومة نتنياهو، الذي يمكن أن يؤدي دوراً نافذاً في تعيين الوزراء وأصحاب المناصب العُليا في أي حكومةٍ ائتلافية- ساخراً إنَّ قادة المجتمعات العربية في إسرائيل ينبغي لهم إرسال زهور إلى رئيس الوزراء لأنَّه استهان بأنَّ هجماته على أصلهم العِرقي ستؤدي إلى زيادة عدد الناخبين الذين يريدون معاقبته.

حيث خسر الانتخابات وأخفق في تشكيل الحكومة الجديدة 

فيما وصف بن كاسبيت، الصحفي المخضرم والناقد اللاذع لرئيس الوزراء، أداء نتنياهو الانتخابي بأنه أشبه بأداء سائق حافلة مخمور. وكتب كاسبيت في صحيفة Maariv الليبرالية: «المشكلة هي أننا ركاب»، محذراً من أنَّ نتنياهو قد يُفكِّر في إجراء انتخاباتٍ ثالثة، أو حتى دخول حرب، لتأجيل رحيله.

وقال: «إذا تحطَّمت، فسنتحطم معها. من المستحيل أن يتنازل نتنياهو، ولو ثانية واحدة، عن محل إقامته الرسمي في شارع بلفور».

هذا وقد تعرَّض نتنياهو في الأسبوع الجاري لإحراجٍ كبير حين تجاهله صديقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصحيحٌ أنَّ صور ترامب ونتنياهو كانت تملأ جميع أنحاء إسرائيل في الفترة التي سبقت التصويت، لكنَّ الرئيس الأمريكي أدلى يوم الأربعاء بتصريحاتٍ حادة، إذ قال متحدثاً عن نتنياهو: «لم أتحدث إليه. انظروا، علاقتنا مع إسرائيل نفسها».

وفي الأسبوع السابق، بينما كانت استطلاعات الرأي تتنبأ بأداء نتنياهو المُخيِّب في الانتخابات، جعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ينتظر ساعاتٍ قبل اجتماعه معه، وفقاً لمسؤول بوزارة الخارجية الإسرائيلية قال إنَّ الرئيس الروسي كان حذراً بشأن استغلاله كدعمٍ لنتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية.

فيما قال دان شابيرو، الذي كان سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل بين عامي 2011 و2017: «هناك شعورٌ بين الإسرائيليين على الأقل -لكنني أعتقد أنَّه موجود كذلك لدى الأجانب- بأنَّ هذه النتيجة قد أضعفت مكانة نتنياهو بالتأكيد. لقد تعرَّض نتنياهو لجرحٍ بالغ، وقد يكون في طريقه إلى نهاية ولايته».

وقد كان نتنياهو أثناء رئاسته الحكومة شخصاً عدوانياً

يُذكَر أنَّ نتنياهو، حين كان في أوج مكانته، كان هو الشخص العدواني في أبرز نزاعات العالم الشائكة، إذ دخل في نزاعاتٍ مع جيرانه (مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التركي)، وتودَّد إلى زعماء مستبدين (مثل بوتين)، وقام ببادراتٍ غير سرية تجاه رجال عرب أقوياء (مثل محمد بن سلمان في السعودية ومصر عبدالفتاح السيسي)، واتخذ خطواتٍ محفوفة بالمخاطر مع القوميين الهندوس (مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي).

والآن، سيُسفر فقدانه مكانته -إن لم يكن قد فقد سلطته حتى الآن- عن تداعياتٍ حقيقية على السياسة الخارجية الإسرائيلية.

ففي السنوات الأخيرة، شغل نتنياهو كذلك منصب وزير الخارجية، ثم منصب وزير الدفاع، ليستحوذ بذلك على أهم الوزارت المؤثرة من رفاقه في الحكومة الائتلافية، وأقام علاقات شخصية استغلها لتعزيز مصلحته السياسية الخاصة، وأجندته اليمينية التي أفسدت جميع محادثات السلام التي من شأنها أن تسفر عن إقامة دولة فلسطينية.

وقال شابيرو إنَّ نتنياهو ربما سيحاول تشكيل ائتلافٍ تصعب السيطرة عليه في الكنيست المتصدع، لكنَّه صار ضعيفاً بالتأكيد. وهذا يقلل من مصداقيته بين قادة العالم، لا سيما ترامب.

وأضاف شابيرو: «يحب ترامب الارتباط بالأشخاص الذين يعتقد أنَّهم قادرون على الفوز، وقد كان منزعجاً بوضوح من أنَّ نتنياهو لم يشكل الحكومة بعد الانتخابات الأخيرة». غير أنَّ فتور العلاقة قد يمتد إلى بعض القادة الآخرين كذلك.

وقد ألغى نتنياهو زيارته إلى الأمم المتحدة المقررة في نيويورك

إذ ألغى نتنياهو زيارته إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة المقرر إقامتها في نيويورك الأسبوع المقبل، خوفاً من أن يغادر إسرائيل في الوقت الذي تلوح فيه محادثات محتملة بشأن تشكيل ائتلاف. وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذه الفعالية استُخدِمَت طوال العام الجاري 2019 في تشويه صورة طهران والفلسطينيين على الساحة العالمية، في ظل تقديم دلائل ومعلوماتٍ استخباراتية تُطلِق تحذيراتٍ مروعة بشأن أنشطة إيران النووية. ويعني عدم حضور نتنياهو كذلك إلغاء اجتماعه المتوقع مع ترامب.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ حالة الشلل السياسي التي تمر بها إسرائيل -في ظل عدم وجود حكومةٍ تعمل بسلاسة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي- لها تداعياتٌ إقليمية أوسع. صحيحٌ أنَّ بيني غانتز، القائد العسكري المتقاعد الذي يرأس حزب أزرق وأبيض، يعد من الشخصيات التي تفضل السياسات العدوانية ولديه خبرة أمنية كبيرة، لكنَّه لا يحظى حتى الآن بالعلاقات الشخصية التي أقامها نتنياهو على مرِّ عقد من الزمان.

وجديرٌ بالذكر أنَّه روَّج لنفسه على أنَّه نسخةٌ أقل عدوانية من نتنياهو، ولم يُظهر أي اهتمامٍ ديني بأراضي الضفة الغربية التي يطالب الفلسطينيون بإقامة دولتهم المستقبلية عليها.

ولكن إذا نجح في انتزاع رئاسة الوزراء من نتنياهو، سيرث غانتز فوراً حرباً بالوكالة ضد إيران تشهد شنَّ إسرائيل مئات الغارات الجوية في سوريا وفي أماكن أخرى على جنود إيران ووكلائها الإقليميين مثل حزب الله. وهذا إلى جانب عمليات قتالية محتدمة ضد حركة حماس في قطاع غزة، حيث كانت الحرب على وشك الاندلاع في مناسبتين على الأقل في العام الماضي 2018 بسبب الغارات الصاروخية المضادة، واحتمالية الانجرار إلى الصراع الأمريكي الإيراني.

وفي هذا الصدد، قال مسؤولٌ بوزارة الخارجية الإسرائيلية، ذكر أنَّه شاهد نتنياهو يحرم الوزارة من التمويلات ويُحِل سحره الشخصي وكلامه الطنان محل العلاقات المؤسسية العميقة: «من الصعب تكرار هذا الأمر. سيكون هناك رجلٌ جديد، ولن تستمر الشراكات القديمة، لذا يجب أن تبدأ من البداية، وهذا سيستغرق وقتاً».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى