تقارير وتحليلات

واشنطن بوست: ترامب أهم من الإرهاب

كتب الأكاديمي والي ناصر معلقا على حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سحق قوى تنظيم الدولة  مقدما رؤية أخرى.

وقال ناصر في مقاله بـ “واشنطن بوست”: “قال ترامب إن تنظيم الدولة قد سحق تقريبا، هنا ماذا حدث في الحقيقة”. وجاء مقال ناصر المتخصص في الشؤون الدولية بجامعة جون هوبكنز وخدم كمستشار في الخارجية الأمريكية للشؤون المتعلقة بأفغانستان وباكستان بعد كلمة الرئيس ترامب أمام الكونغرس عن حالة الإتحاد والتي أخبر فيها الشعب الأمريكي أن تنظيم الدولة الإسلامية هزم ولم يبق منه سوى “بقايا” والتي سيقوم حلفاؤنا بتدميرها “وهذا كلام لا يشير للحقيقة بقدر ما يعبر عن رغبة لكي يدخل التاريخ على أنه الرئيس الذي أنهى التورط العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط وأفغانستان” فترامب يعتبر هذه الغزوات مكلفة وعبثية وربما اكتشف أن هناك حالة تعب أمريكي من الحروب المفتوحة، وهو بالضرورة يقوم بما يقوم به الساسة قبل الإنتخابات، أي أن الرئيس عينه على عام 2020.

وربما كانت تصريحاته تعبيرا عن موقفه من حرب يجب على الدول الإقليمية خوضها وهذا ما يفسر قبوله تأكيدات تركيا أنها قادرة على إنهاء تنظيم الدولة. وعلى اية حال، يقول والي إن المعنى الحقيقي لزعم الرئيس أننا “حررنا تقريبا كل المناطق” هو أن الإرهاب في الشرق الأوسط لم يعد ذريعة الولايات المتحدة للحرب في الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق يبدو ترامب وكأنه يقامر. صحيح أن تنظيم الدولة الإسلامية خسر مناطقه الشاسعة في العراق وسوريا وذهبت الخلافة التي كان مركزها الرقة وتدفق إليها المتطوعون من كل أنحاء العالم الإسلامي إلا أن تلاشي التنظيم لا يعني نهاية تهديد المنظمة الإرهابية بل على العكس لا تزال قوة يحسب لها حساب. فهي كما يقول “جرثومة عولجت بالمضادات الحيوية”. ولكنها لا تزال حية ومستعدة للقتل لو قطع عنها الدواء. ويقول إن مقاتلي التنظيم الذين يهربون لا يزالون ينتظرون الفرصة للعودة كما فعلوا الشهر الماضي بالهجوم على منبج والتي يفترض أنها منطقة محررة وكان من بين القتلى جنود أمريكيون. وكان الرئيس قد تحدث قبل أسابيع معلنا سحب القوات الأمريكية من أن الجهاديين لم يعودوا تهديدا. ففي العراق التي خسر فيها التنظيم مناطقه إلا إنه لديه الكثير من المقاتلين هناك. وذهب آخرون إلى أفغانستان، وهي أول موجة من المقاتلين الأجانب تصل منذ هزيمة القاعدة. بشكل دفع حركة طالبان لتصعيد عملياتها خشية أن يسيطر على الساحة منتج مستورد من الشرق الأوسط. وكثمن للإنسحاب الأمريكي يقول ترامب إن على طالبان سحق تنظيم الدولة. ولكن الحركة الأفغانية ليست في حجم القوات التركية التي تحاول الوفاء بنفس الوعد في سوريا. وهناك تاريخ للحركة يشير لتأثرها بالمقاتلين الأجانب خاصة العرب.

ويقول والي إن السياسة الخارجية التي يتبناها ترامب لا تسهم في تخليص أمريكا من صداعها العسكري في الشرق الأوسط. فالرئيس ليس مهتما بالأسباب التي أدت لصعود تنظيم الدولة: الدولة المنهارة وتلك التي تعاني من حروب أهلية دون أي أمل للسلام. فقد غسلت أمريكا يدها من الحل الدبلوماسي للحرب في سوريا وليس مهتما بالعراق إلا بقدر ما يمنحه البلد له لمراقبة إيران. والرئيس مستمر في دعم الحرب السعودية في اليمن والتي دمرت البلد وحولته إلى منطقة تفريخ للجهاديين والمتطرفين أو الجيل المقبل لتنظيم الدولة. وبهذا المعدل فقد تجد أي إدارة في المستقبل صعوبة في نشر قوات بالشرق الأوسط لوقف نيران جديدة من التطرف والإرهاب. وتمثل استراتيجية أمريكا لحلفائها بالمنطقة على أنها محاولة للهروب من أجل تقليل الخسائر، وهو مدخل لا دفة له يعمق من الفوضى. ويحذر الكاتب من أن إعلانات مثل تلك التي قدمها ترامب في خطابه الأخير لا تسهم في رفع مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة وجنوب آسيا. ويفهم أصدقاء أمريكا وحلفاؤها أن تهديد القاعدة وتنظيم الدولة باق ولا يمكن لأي تباه من رئيس أن يغير هذا الواقع.

ويعلق والي أن ترامب بطريقة أو بأخرى كان ناجحا، ففي أثناء حكم جورج دبليو بوش وباراك أوباما كانت ذاكرة هجمات أيلول (سبتمبر) حاضرة في الذاكرة ورأى الناخب الأمريكي الإرهاب كتهديد وجودي. وحاول أوباما تخليص أمريكا من حروبها ضد التشدد الإسلامي إلا أن الهوس المحلي الذي أثاره الكتاب والإعلام والساسة، معظمهم يقف مع ترامب، منعه من تحقيق ما يريد. وما قام به ترامب هو أنه خرق الهوس الأمريكي المتضخم بالإرهاب وحول التركيز الوطني نحو قضايا أخرى بشكل سمح له بأن يعلن عن هزيمة تنظيم الدولة. ويخشى الأمريكيون اليوم على حال ديمقراطيتهم ومن مدى التدخل الروسي في مؤسساتهم والصعود الصيني الذي يلوح في الأفق ويهدد تفوقهم العالمي. وحدد التقييم الدفاعي القومي الصين وروسيا كتهديد استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة لا تنظيم الدولة. ومع انحراف تركيز واشنطن لسياسة القوى العظمى لم تعد حتى هوليوود تجد في الإرهاب موضوعا مهما ومقنعا لصناعة أفلام، وهو ما فتح المجال السياسي لترامب كي يعلن نهاية تنظيم الدولة والخروج من أفغانستان. وفي النهاية يقول والي إن هذا لا يعد انتصارا في ساحة المعركة ولكنه انتصار في الجبهة الداخلية، وهو انتصار حدث لأن الأمريكيين باتوا يرون في فوضى رئاسة ترامب خطرا أكبر من الإرهاب. وهو الإنتصار الذي يحق لترامب إعلانه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى