ثقافة وفنون

تجربة التشكيلي السعودي طه الصبان.. تصورات اللون وتجريد الرمز تعبيراً عن ذاكرة الأمكنة

لا يمكننا التطرق إلى التجربة التشكيلية السعودية وحداثة تكويناتها التعبيرية دون التوقف على ملامحها العميقة تلك التي أجاد ترتيبها لونا ومحتوى التشكيلي الرائد طه الصبان الذي يعدّ بنشاطه وحيويته مرجعا فنيا له خصوصياته البحثية وتطويراته التجريبية التي أجاد من خلالها الاحتفاء بالأمكنة وتثبيت أزمنتها مع توظيف خصوصياتها وفق ما يتناسب وقواعد الجمال وهندساتها بانسانية أوصلت مواقفه بتوافقات إبداعية في المناحي اللونية.
حيث عبّر عن بيئته المحلية ومنها انطلق أبعد في التفصيل التشكيلي على الآخر بأطيافه وألوان أرضه وانتمائه وتفاصيل البقاء في ثباته الترابي والطبيعي مهما كان قاسيا أو محتويا لذاته الفاعلة في تشكيلات الرمل والتراب.

جدار النصر: عمل معتقل الخيام 2002
جدار النصر: عمل معتقل الخيام 2002

وطه الصبان رائد حداثي في الفن التشكيلي السعودي والعربي أثّرت في تكويناته التشكيلية والبصرية علاقته بالتشكيلي عبد الحليم رضوي منذ عودته من إيطاليا بزاده الفني ذي التصور الغربي، ما ساعده على اكتساب خبرة وتمكّن حداثي من اللون والتركيب والتمعّن الدقيق في ماورائيات الأمكنة وسردها البصري مع الذاكرة.
ما جعل شغفه ونشاطه وتصوراته تلامس الواقع المتخيّل والتعبير المجرّد في علاقات اللون المتناغمة على إيقاع الموروث الشعبي كما أن مشاركاته العالمية والعربية أثرت مواقفه الفنية ومدى تعبيراته الإنسانية لتمكنه من تأسيس جماليات فنية خاصة وفق سياقاته التأليفية من خلال أسلوبه التعبيري وتوصله إلى منافذ التجريد اللوني والتكعيبية الحديثة التي استوعبت ثقل المكان المشبع بموروثه وتوازن الشخوص الباحثة في انتمائها وهو ما أشبع حركاته التي أجادت التعبير بالتجريد لتحكيم اللون وتوظيف مساحاته المتناغمة مع الذاكرة.

التشكيلي السعودي طه الصبان
التشكيلي السعودي طه الصبان

فمخيلته الفنية مليئة بحلم اللون الذي تعالى به على الواقع ورتّب فيه تناغماته البصرية التي تحدّت الموروث الغارق في محليّته ليتمكن من أن يؤسس علامات رمزية ذات توقعات ماورائية شاملة المعاني والأحاسيس حيث احتلت شخوصه عوالمها وتجردت منها نحو تقمّص اللون دورا صاخب التفاعل في صمت الطبيعة وفضاءاتها المبالغة في اتساعها فيستطع أن يتفاعل معها بحركة روّضت ملامح التصنيف الأسلوبي المتنوع بتدرجات ناضجة ومستويات راقية الوعي الفني.
أثّرت تجربته الإنسانية التي عبّرت عن مأساة معتقل الخيام اللبناني التي شارك فيها ضمن سيمبوزيوم الخيام في سنة 2002 على مدى التطرف التعبيري المبالغ في عواطف الحياة التي تحفر الصخر لتكون، وتثبت أنها جديرة بالحرية رغم مآسيها وعتمتها إلا أنه وهبها دورا صارخ الحياة والقوة كتحفيز لها على أن تعيش بالنضال الباقي الذي يسعى إليها كتجربة ملحمية تصارع من أجل البقاء حرا ومن أجل الإنسانية الحقيقية خاصة وهو يبالغ في تدريج اللون الأحمر ويستنطقه مرة نحو النضال ومرة نحو الحياة والمحبة في صراعات تحاول الانتصار على الفراغات العقيمة والفجوة المحبطة فتكوينه للون يتفاعل بعواطف حسية وبصرية ناضجة قادرة على استفزاز التفاعل والاندماج.
يتقمّص اللون في تشكيلات المساحات الفنية عند الصبان أدوارا متعدّدة تحرص على تفكيك مستواه الإدراكي لطبيعة الأشياء ولتجواله الطبيعي في الذاكرة فهو يرتادها ويتوغل في ثناياها بحرص متكامل على احتواء ترويضها البعدي والضوئي المتداخل فهي تشبه انتماءه لطبيعتها بثباتها على أرضها واتساع أفقها الباحث.

*الاعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى