عالمنا الآن

إمام ينقذ مئات المسيحيين من مجزرة على يد مسلحين في نيجيريا

أنقذ إمام مسجد في نيجيريا مئات المسيحيين، من الموت المحقق، بعدما هجم عليهم أكثر من 300 مسلح، بهدف قتلهم، لكنهم لاذوا بقرية الإمام الذي أدخلهم المسجد وتوسل إلى المسلحين أن يتركوهم. عندما رأى الإمام مئاتٍ من العائلات المسيحية المذعورة واليائسة تركض إلى قريته أمس السبت 30 يونيو 2018، قرَّر أن يخاطر بحياته في سبيل إنقاذهم، بسبب معروف قدموه للمسلمين قبل 40 عاماً، بحسب تقرير لشبكة BBC البريطانية.

 

وقال النازحون إنَّهم تعرَّضوا للهجوم على يد نحو 300 رجل مسلَّح، ويُشتَبَه في كونهم من رعاة الماشية وأغلبهم مسلمون، بدأوا يطلقون النار عليهم بشكلٍ عشوائي ويحرقون منازلهم. بعض هؤلاء ممَّن استطاعوا الهرب من الهجوم ركضوا في اتجاه الحي المجاور ذي الأغلبية المسلمة حيث يعيش الإمام، ووصلوا إليه بعد ساعات. هبَّ الإمام لنجدتهم فوراً، وخبَّأ مجمل 262 رجلاً وامرأة وطفلاً في بيته ومسجده.

 

وقال الإمام لشبكة BBC: «في البداية اصطحبت النساء إلى منزلي الشخصي لأخبئهن. ثم أخذت الرجال إلى المسجد».

كانت هذه آخر موجة عنفٍ ضربت المنطقة الوسطى بنيجيربا حيث غالباً ما تتصادم المجتمعات الزراعية مع رعاة الماشية الرحَّالة، ويحدث هذا عادةً في نزاعٍ على حقِّ دخول الأراضي ورعي الماشية من حشائشها. والمنطقة نفسها عرضةٌ لاندلاع التوتُّرات الدينية، إذ ينتمي الرعاة لشعب الفولاني وأغلبهم مسلمون، بينما المزارعون معظمهم مسيحيون من جماعة البيروم الإثنية.

وقد قُتِل المئات منذ مطلع العام الجاري 2018 إثر هذه الاشتباكات، وقد استمر العنف والثأر بين الجانبين لسنواتٍ عدة حتى الآن. وأشار تقريرٌ صدر عام 2016 أنَّ ذلك النزاع الريفي الدائر في نيجيريا كان سبباً في وفياتٍ فاقت ذلك العام ما قامت به جماعة بوكو حرام المتطرفة.
تدخل الإمام منع كارثة

قُتل المئات في هجمات سابقة بما في ذلك والدا هذه الفتاة الصغيرة التي أُصيبت وتعتني بها الآن عمتها
وبحسب الشبكة البريطانية لولا تدخل الإمام لكانت الحصيلة ارتفعت كثيراً، فيما اجتاح الرجال القرية ذات الأغلبية المسلمة بحثاً عن الفارِّين من القرية المسيحية المجاورة. ووصف أحد سكَّان القرية مشهد الذعر وقتها، قائلاً: «هاجموا قريةً أخرى أولاً فجرينا إلى مركز الأمن». وتابَعَ قائلاً: «لكنَّهم بدأوا بإطلاق النار في اتجاه المركز ففررنا جميعاً منه، حتى أفراد الأمن».

عندما سمع المهاجمون أنَّ السكَّان قد فروا إلى المسجد، طالبوا الإمام بتسليم مَن يخبئهم. لكنَّ الإمام الأعزل رفض الامتثال لهم، ورفض أيضاً السماح لهم بدخول المسجد. بدأ الإمام يستعطف الرُعاة، إذ كانوا يُهدِّدون بإحراق المسجد ومنزله. ثم أخيراً، طلب هو آخرين من سكان قريته، وهم يتوسلون للرعاة من أجل ترك القرية. وفي دهشةٍ من السُكَّان، غادر الرُعاة فعلاً، لكنَّهم أحرقوا كنيستين مجاورتين في طريقهم.
رد الجميل
ولاحقاً أخبر الإمام شبكة BBC أنَّه أراد مساعدة الفارين لأنَّه منذ أكثر من 40 عاماً، سمح مسيحيو المنطقة للمسلمين ببناء هذا المسجد. وقال إنَّهم قد تنازلوا عن الأرض طواعيةً للمجتمع المسلم. وأخبر زعيمٌ مسلمٌ آخر في المنطقة شبكة BBC: «منذ عشنا جنباً إلى جنب مع البيروم، لم نشهد قط حادثةً بشعة كهجوم يوم السبت الفائت». وعبَّر هؤلاء ممَّن أنقذ الإمام حياتهم عن امتنانهم وارتياحهم بعد النجاة. وقال زعيم القرية المسيحية: «منذ استقبلونا في المسجد، لم يطلبوا منَّا المغادرة ولا مرة واحدة، ولا حتى كي يقيموا الصلاة». وأضاف: «قدَّموا لنا طعام العشاء والغداء ونحن ممتنُّون لهم».

قتل أقارب هذا الرجل في هجوم رعاة الفولاني

مكث سُكَّان القرية في حماية الإمام لمدة خمسة أيام، وانتقلوا بعدها إلى مخيمٍ للنازحين. يعيش الآن ألفا شخصٍ منهم في المخيم، فيما يعيش آخرون مع أقاربهم وأصدقائهم. لا يستطيع هؤلاء الذين فروا إلى المسجد العودة إلى قريتهم، إذ أنَّه ليس فيها أي حضورٍ أمني وقد دُمِّرت بيوتهم. وقال زعيمٌ من شعب الفولاني لشبكة BBC: «عددٌ من الفولانيين الذي نفَّذوا هذا الهجوم غرباء عن المنطقة». وأضاف: «عندما حاولنا منعهم عند المسجد، ضرب رجالٌ منهم أحد شيوخنا». وكانت القرية مهجورة تماماً عندما زُرتها. رأيتُ كنيسةً تعرَّضت للهجوم، حُطِّمَت جميع المقاعد وحُرِق منزل القس. ومات القس في حريق منزله.

أكثر من هجوم في وقت واحد
تقول السلطات إنَّ خمسة مجتمعاتٍ ريفية قد استُهدِفَت يوم السبت الفائت، في هجومٍ استغرق أكثر من خمس ساعات. لكنَّ المحليون يعارضون تقديرات السلطات، ويقولون إنَّ 11 مجتمعاً قد هوجمت يومها. وقال رجلٌ يبلغ من العمر 70 عاماً لشبكة BBC: «قتلوا أربعةً من أولادي، والآن ليس لدي من يطعمني». ويقول الشهود إنَّهم هلَّلوا بصيحات «الله أكبر» وهم يداهمون المباني. لم تتدخَّل قوات الأمن إلا بعد ساعات، وعندما وصلت عناصر من قوةٍ عسكرية خاصة تُسمَّى «الملاذ الآمن» ليُخلوا المُتضرِّرين من الهجوم، وخاصةً النساء والأطفال. وقال أدامو عمر، المُتحدِّث باسم القوَّة العسكرية إنَّ عدة هجماتٍ قد نُسِّقَت كي تقع في الوقت ذاته، وقال إنَّ هذا ما جعل إحباطها صعباً على الجنود. والآن فُرِض حظر تجوالٍ على ثلاث مناطق من ولاية بلاتو عقب أحداث العنف. بكى أحد سكَّان القرية وهو يشير لقبرٍ جماعي، ويصف الدمار الذي حلَّ بقريته. قال: «مات 83 شخصاً في هذه القرية وحدها، انظر كيف دُفِنوا». وأضاف: «وُلِدنا هنا. إلى أين يريدون منَّا الفرار؟».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى