عالمنا الآن

اكتشاف رسائل وإشارات من أول نجوم أضاءت الكون

 

علماء فضاء، للمرة الأولى، من رصد إشارات تتصل بتشكّل أقدم النجوم على الإطلاق في الكون قبل 13.6 مليار سنة، بعد وقت ضئيل نسبياً على نشوئه، في اكتشاف أثار حماسة عارمة بالأوساط العلمية.

وتشير إشارات الراديو الخافتة إلى أن الكون ظل في ظلام دامس ما يقرب من 180 مليون سنة بعد الانفجار الكبير، في مرحلة التحول الكوني التي تُعرف بالفجر الكوني، وفق ما ذكرته صحيفة “الجارديان” البريطانية.

 

ثاني إنجاز في علوم الفضاء

ويبدو أن الأثر الخافت الذي خلّفه وهج النجوم الأولى، يحتوي أيضاً على أدلة جديدة وغير متوقَّعة على وجود وطبيعة المادة المظلمة، وهو ما إن ثبتت صحته، وأكدته مراصد مستقلة، فسوف يكون ثاني إنجاز هائل في مجال علوم الفضاء.

وقال جود بومان، من جامعة ولاية أريزونا، والذي استغرق فريقه البحثي أكثر من 10 سنوات للتوصل إلى هذا الاكتشاف: “إن العثور على هذه الإشارة الضعيفة، فتح نافذةً جديدة على الكون المبكر”. وأضاف: “من غير المتوقع أن نستطيع الحصول على أي رؤية أبكر لتاريخ النجوم في حياتنا”.

بعد الانفجار الكبير، كان الكون في بادئ الأمر بارداً تماماً، وكان عبارة عن امتداد فسيح بلا نجوم، من غاز الهيدروجين المُشبَّع بالإشعاع، والذي عُرف باسم “إشعاع الخلفية الكونية الميكروي”.

 

كيف توصلوا للاكتشاف؟

هذا الإشعاع ما زال ينتشر في جميع أركان الفضاء إلى يومنا هذا، وقد بدأ علماء الفضاء دراسة هذه الخلفية الكونية؛ من أجل تتبع الأحداث التي وقعت بالماضي السحيق.

خلال الـ100 مليون سنة التالية -وهي الفترة المعروفة باسم العصور المظلمة- تمكنت الجاذبية من سحب مجموعات كثيفة من الغاز بشكل بطيء، لتتكدَّس بعضها إلى جانب بعض، وتنهمر بعضها داخل بعض، مشكِّلةً في نهاية المطاف النجوم الأولى بالكون، والتي كانت ضخمة الحجم، وزرقاء اللون، وقصيرة العمر.

وكانت هذه النجوم متوهجةً بفعل الغاز المحيط بها، فقد كانت ذرات غاز الهيدروجين نشطة جداً، ما ساعدها على امتصاص إشعاع الخلفية الكونية الميكروي وفق طول موجي استثنائي.

قاد ذلك، العلماء إلى التنبؤ بأن الفجر الكوني كان لا بد من أن يترك أثراً ما في إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، على هيئة عتمة وسط السطوع في نقطة محددة على التردد الطيفي، وهو ما أصبح حقيقة ملموسة اليوم بعد أن كان طرحاً نظرياً فيما سبق.

من الناحية العملية، كان تحديد هذه الإشارة يمثل تحدياً كبيراً، ولم يستطع علماء الفلك تحديدها بشكل دقيق لأكثر من عقد من الزمان. فهذه البقعة المعتمة غارقة وسط غيرها من موجات الراديو المعتادة.

كما أن اتساع الكون يشير إلى أن الإشارات “تحولت إلى اللون الأحمر”، بعيداً عن أطوالها الموجية الأصلية المميزة، حسب دقة نشأة النجوم الأولى. لذا، كان العلماء غير متأكدين من أين يبدأون البحث في التردد الطيفي على وجه التحديد، وتوقع البعض استحالة إتمام هذه المهمة.

 

إبرة في كومة قش

قال أندرو بونتزن، المتخصص بعلوم الكون في كلية لندن الجامعية: “يتعين على فريق البحث أن يتلقى موجات الراديو، ثم يبحث عن إشارة نسبتها 0.01% من فوضى موجات الراديو الكونية القادمة من مجرتنا”. وأضاف: “إنها كالبحث عن إبرة في كومة قش”.

من الملاحظ أن بومان ورفاقه استطاعوا التغلب على هذه العقبات باستخدام أداة صغيرة ذات مظهر بسيط، في حجم طاولة صغيرة؛ إذ ثُبِّتت حافة مُستشعر هوائي في منطقة نائية غرب أستراليا، حيث تنخفض مصادر موجات الراديو البشرية، التي تتداخل مع الإشارات القادمة من الكون السحيق. ويشير الطول الموجي لهذه البقعة المعتمة إلى بزوغ الفجر الكوني بعد قرابة 180 مليون سنة من الانفجار الكبير، أي منذ 13.6 مليار سنة، وقبل 9 مليارات سنة من ولادة الشمس.

أشارت هذه الإشارة إلى ثاني حدث رئيسي بعد 250 مليون سنة من حدوث الانفجار الكبير، فعندما طُمست النجوم والثقوب السوداء الأولى، أدت الانفجارات النجمية وغيرها من الآثار المترتبة، إلى ارتفاع حرارة الهيدروجين المُنبعث المتبقي مع الأشعة السينية.

 

تفاصيل خطوات التجربة

وأوضح بومان ورفاقه، من خلال ورقة بحثية نُشرت في مجلة Nature، تفاصيل خطوات التجربة التي اتخذوها لإثبات أن هذه الإشارة حقيقية، وما استغرقته من تكرار على مدار سنوات عديدة، وتغيير زاوية المستشعر الهوائي، وتعديل الإعدادات.

يقول بومان: “لا يمكن للتلسكوبات أن ترصد صور هذه النجوم القديمة البعيدة بشكل مباشر، بشكل جيد، لكننا رأيناها عندما تحولت إلى موجات راديو قادمةً من الفضاء”.

ووصفت إيما تشابمان، زميلة الجمعية الفلكية الملكية في كلية لندن الملكية، النتائج بـ”الإنجاز المذهل، الذي يُعد الاستكشاف الأول لعصر النجوم الأولى”. وأضافت أن الأهمية الكبيرة لهذه النتائج تقتضي ضرورة تكرارها من خلال تجربة مستقلة.

 

مفاجأة كبيرة

تضمن الكشف أيضاً مفاجأةً كبيرة. كان حجم البقعة المعتمة ضعف ما كان مُتوقعاً. وهو ما يشير إلى أن غاز الهيدروجين الأوليّ كان يمتص إشعاع الخلفية الكونية أكثر مما كان متوقعاً، وهو ما يشير بدوره إلى أن الكون كان أكثر برودة مما كان يُتوقع من قبلُ، عند درجة حرارة 270 درجة مئوية تحت الصفر.

وفي ورقة بحثية أخرى نُشرت بمجلة Nature، لرينان باركانا، أستاذ الفيزياء الفلكية في جامعة تل أبيب، يُطرح تفسيرٌ آخر؛ وهو أن غاز الهيدروجين كان يفقد حرارته لصالح المادة المظلمة. حتى الآن، يستند وجود المادة المظلمة -المادة الغامضة التي يُعتقد أنها تشكل 85% من مادة الكون- فقط إلى استنتاجات غير مباشرة ترتبط بالآثار الجاذبية الخاصة بها. إذا تأكد ذلك، فإن هذه النتائج تشير إلى شكل جديد من التفاعل بين المادة العادية والمادة المظلمة، من خلال قوة أساسية غير معروفة حتى الآن.

تشير النظرية أيضاً إلى أن جزيئات المادة المظلمة، التي لا تزال خصائصها مجهولة تماماً، إلى أنه لا بد من أن تكون خفيفة الوزن وليست ثقيلة، وهو ما يستبعد أحد الافتراضين المتوقَّعين للمادة المظلمة، المعروفة بالجزيئات الضخمة ضعيفة التفاعل.

وقال لينكولن غرينهيل، عالِم الفلك البارز بجامعة هارفارد: “إذا تسنى التأكد من صحة ما اكتُشف عن المادة المظلمة، فسوف يكون ذلك كشفاً ثورياً”، وأضاف: “إننا نعرف القليل جداً عنها، وهناك العديد من النظريات عن ماهية المادة المظلمة”، مستدركاً: ” لكن، ربما يمكن استبعاد الكثير منها قريباً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى