كتب ودراسات

دراسة إسرائيلية تحذر من انهيار المناعة الاجتماعية لدى مستوطني “غلاف غزة”

تحذر دراسة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، من تراجع المناعة الاجتماعية لدى الإسرائيليين في المستوطنات المحيطة بقطاع غزة؛ جراء “حرب الاستنزاف” مع المقاومة الفلسطينية وإطلاق الصواريخ والبالونات الحارقة المتصاعدة منذ انطلاق مسيرة العودة في ربيع 2018.

وتعتبر الدراسة الإسرائيلية أنه لا يوجد جواب قاطع للسؤال: هل يؤذي مسلسل التصعيد في المنطقة المحيطة بالقطاع بالمناعة الوظيفية العالي هناك؟ ومع ذلك ترى أن تجربة الماضي تدلل على أنه مقابل “تشويشات” من الطبيعة، ومن صنع الإنسان، من الممكن تعايش الكرب النفسي والمناعة الاجتماعية العالية بحال توفر شرطين، خصوصا في الحالة الإسرائيلية: الشرط الأول بنظر هذه الدراسة هو تزويد خدمات أساسية من قبل القيادة المحلية، إلى جانب بناء وتذويت مشاعر التكافل والانتماء.

أما الشرط الثاني والمفقود فهو تأمين الأمل من قبل الحكومة باحتمال تسوية دائمة تمنع أو تقلص كثيرا التشويشات الأمنية المتكررة. وتتابع: “حاليا فإن الدمج بين فقدان الحل للتهديد المستمر من جهة غزة، وبين الضبابية التي تلف العلاقات بين إسرائيل وحماس، ينتج فراغا يمس بالمناعة الاجتماعية لدى الإسرائيليين في منطقة غلاف غزة”، مؤكدة أن حماية هذه المناعة تشكّل مصلحة إسرائيلية قومية عليا من الدرجة الأولى.

وتوضح الدراسة أن المناعة الاجتماعية من الزاوية الوظائفية تعبر عن قدرة النظام القائم على مواجهة تشويشات قاسية بمرونة، واستعادة الأنفاس، والعودة بسرعة لأداء الوظائف كالمعتاد، بل بشكل أفضل.

وقالت الدراسة إن دراسات سابقة عاينت “المناعة الاجتماعية” في مستوطنات “غلاف غزة” في الفترة 2016-2006، قد وجدت لدى سكانها مناعة اجتماعية بمستوى عال. المعايير التي اعتمدت، ومن بينها قيادة وثقة اجتماعية، قد أظهرت أن سلوك هذه المستوطنات في الماضي قد دلل على أداء وظائفي عال في الأزمات والنزاعات، وعلى ارتفاع الزيادة الطبيعية، وعلى نمو اجتماعي واقتصادي لافت لمدة طويلة بين الأزمات وبعدها. وكل ذلك، حسب الدراسة، رغم التهديدات المتواصلة في تلك المنطقة، والتي بلغت أوجها في ثلاث جولات مسلحة شهدتها، ومن بينها “الجرف الصامد” في 2014، وهي حرب استمرت 51 يوما وتميزت بتشويشها لمجرى الحياة اليومية.

بداية التراجع

في المقابل، تشير الدراسة الإسرائيلية إلى أنه بدء من مارس 2018، شهدت هذه المستوطنات تغيرات في مميزات التشويشات الأمنية النابعة من قطاع غزة، وفي هذا السياق تتوقف عند السؤال عن المناعة الاجتماعية التي تردت، وفق دراسات ووجهات نظر أخرى.

وتقول إنه بعد نحو أربع سنوات من الهدوء نسبيا عقب “الجرف الصامد”، شهدت المستوطنات في “غلاف غزة” سلسلة ضغوط متواصلة عليها. وبدأت هذه الضغوط بـ”مسيرات العودة” في ربيع 2018 في المناطق الحدودية، وتبعها إطلاق بالونات وطائرات حارقة أشعلت حرائق كثيرة وأضرارا بيئية واسعة وتشويش مجرى الحياة اليومية: إحراق أكثر من 50 ألف دونم وتشمل مزارع وكروم ومسّا بالنبات والحيوان في مناطق طبيعية.

وتتابع الدراسة: “يضاف لهذه إزعاج متواصل ومثابر لسكان المستوطنات في “غلاف غزة”، ومواجهات عسكرية قصيرة لكنها خطيرة، تتميز بإطلاق متصاعد للصواريخ والقذائف بأعداد كبيرة، تشمل صواريخ مضادة للدروع أيضا، وبالمقابل قام الجيش الإسرائيلي باستهداف ثكنات عسكرية لحماس والجهاد الإسلامي، وتقليص مساحة صيد السمك ووقف تزويد القطاع بالوقود أحيانا.

وتضيف الدراسة الإسرائيلية: “هذه الأحداث غير المتوقفة زعزعت وتزعزع بشكل دائم ومتطرف الحياة الاعتيادية لسكان المستوطنات في غلاف غزة، وتنتج أحيانا حالات نفسية قاسية”.

وفي ظل هذه الظروف، تسمع في الآونة الأخيرة أصوات متنوعة من قبل السكان ومن قبل مسؤولين وقيادات محلية في مستوطنات “غلاف غزة”، حول مؤشرات لبداية مسيرة انهيار المناعة لدى سكانها كأفراد وكجماعات، وذلك نتيجة “حرب استنزاف لا تتوقف”.

تسمع في الآونة الأخيرة أصوات متنوعة من قبل السكان ومن قبل مسؤولين وقيادات محلية في مستوطنات “غلاف غزة” حول مؤشرات لبداية مسيرة انهيار المناعة لدى سكانها جراء استمرار “حرب الاستنزاف” مع غزة

وتقول الدراسة إن هذه الشكاوى تعزز عودة الخوف ومشاعر عدم الاستقرار لتهيمن داخل هذه المستوطنات ونتيجة لذلك هناك أقوال عن مغادرة بعض السكان خاصة العائلات مع أطفال وبالتزامن انخفاض في عدد المهتمين بالانتقال للسكن فيها من بقية أرجاء البلاد.

وتتابع: “يدلل ذلك على أن مراكز ومكامن المناعة لم تعد قادرة على مجابهة الضغوط، خصوصا أنه لا يوجد أمل بالهدوء أو التسوية السياسية طويل الأمد بين إسرائيل وبين حماس تتيح حياة اعتيادية طبيعية في هذه المستوطنات”.

وتشير الدراسة إلى أن قدرة تحمل السكان في هذه المستوطنات قد نفدت، ولم تعد قادرة على امتصاص المزيد من الضغوط، رغم أن أجهزة الدولة المدنية من المساعدات النفسية إلى مصلحة الإطفاء تعمل بشكل ممتاز داخلها. كما تقول إن هناك تفهما لمغادرة بعض سكان مستوطنات “غلاف غزة” من أجل تجديد طاقاتهم وتعبئة “بطارياتهم”.

ومع ذلك، تزعم الدراسة أن النمو الديموغرافي والاقتصادي لم يتضررا جراء هذه “التشويشات”، وربما بفضل الدعم السخي جدا لهذه المستوطنات، لكنها تحذر من مستقبل المناعة الاجتماعية في ظل استمرار هذه “التشويشات” وحالة الطوارئ في المستوطنات المذكورة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى