مؤسسة الديوان

إسرائيل مهوسة بحقيبة GPS الإيرانية التي تحول قذائف حزب الله إلى صواريخ موجهة

لا يبدو أنَّ مؤتمر وارسو للسلام في الشرق الأوسط والأمن، الذي عُقد الأسبوع الماضي، قد قدم الكثير فيما يخص السلام أو الأمن للدول المتوائمة التي حضرته. كان هناك، بالتأكيد، الكثير من الكلام القاسي ضد إيران، في الوقت الذي اجتمع فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وعدد من كبار المسؤولين العرب بغرفة واحدة. ومع ذلك، فبعيداً عن الأضواء الساطعة لهذه القمة التي نظمها ترامب، في الجزء العملي من المعركة ضد إيران، لدى المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين شاغل وحيد: الحقائب.

 

إذ عرض كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، في مقابلات مع موقع The Daily Beast الأمريكي، تفاصيل جديدة عن خطط إيران لتحويل ترسانة واسعة من الصواريخ «الغبية»، أي غير الموجهة، نسبياً في سوريا ولبنان، إلى مجموعة قاتلة من الصواريخ الموجهة بدقة. ومفتاح تحقيق ذلك الأمر، بحسب إسرائيل، يكمن في «جهاز» لمنظومة التموضع العالمي (GPS) متنقل بحجم حقيبة مسافر صغيرة، بحسب موقع The Daily Beast الأمريكي.

نقلة في ساحة الصراع السوري

وقد تطورت حرب الظل بين إسرائيل وإيران بسوريا (وسمائها) وفي البلدان المجاورة خلال السنتين الأخيرتين. فبحلول أوائل عام 2017، وعلى الرغم من الحرب الأهلية المستمرة، فقد كان بقاء الرئيس السوري بشار الأسد مضموناً، نسبياً، بفضل تدخل روسيا وإيران وحزب الله اللبناني وميليشيات أخرى عديدة تدعمها من إيران. وبعد أن أصبح حليف إيران أكثر أمناً، شرعت في خطة ضخمة تهدف إلى زيادة نفوذها بهذا البلد الممزق.

وكما قال الفريق غادي إيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي المتقاعد مؤخراً،لصحيفةThe New York Times الأمريكية: «تمثلت رؤيتهم في… بناء قوة تصل إلى 100 ألف مقاتل شيعي من باكستان وأفغانستان والعراق. بنوا قواعد استخباراتية وقاعدة جوية داخل كل قاعدة جوية سورية، وجلبوا مدنيين لتلقينهم». وفي نهاية المطاف، حاولت إيران تقديم أنظمة مضادة للطائرات وقذائف وصواريخ وبرنامج للطائرات من دون طيار.

واستمرت المحاولات الإيرانية لنقل أسلحة متطورة إلى حزب الله عبر سوريا، واعتبرتها إسرائيل «خطاً أحمر».

وقال إيزنكوت إنه بحلول منتصف عام 2017، كان الجيش الإسرائيلي يضرب داخل سوريا عدة مرات في الأسبوع، لإيقاف ما يصفه المسؤولون الإسرائيليون بـ «التحصين» الإيراني عبر حدودها الشمالية. وقيل إنَّ مئات من الغارات الجوية قد نُفذَّت. وقال إيزنكوت إنَّ 2000 قنبلة قد أُسقطت في عام 2018 وحده.

كان تأثير ذلك حاسماً، إذ قال نتنياهو لوكالة VOA Persian الأمريكية، الأسبوع الماضي، إنَّ الإيرانيين «لا يزالون هناك، لكنَّ وجودهم كان سيكون أعظم بكثير ما لم نفعل ذلك. وفي الواقع، لقد تضاءل وجودهم إلى حد ما».

وضربات جوية من السماء

وبداية من العام الماضي (2018)، بدأت القوات الإيرانية بسوريا في القصاص مباشرة من إسرائيل: إذ أدى توغل بطائرة من دون طيار مسلحة، في شهر فبراير/شباط، إلى ضربات جوية إسرائيلية استهدفت برنامج الطائرات من دون طيار سالف الذكر؛ وأطلق وابل من الصواريخ في شهر مايو/أيار؛ وفي شهر يناير/كانون الثاني 2019، استهدف هجوم بصاروخ موجَّه منتجعاً إسرائيلياً للتزلج في مرتفعات الجولان. ويُعتقد أنَّ هذا الصاروخ هو أول صاروخ من نوعه يُطلَق على إسرائيل من سوريا، وقد اعترضه منظومة القبة الحديدية.

ومع ذلك، فقد كانت إسرائيل تفوز في حرب الظل -وهي نقطة لم يتوقف القادة السياسيون والعسكريون بإسرائيل عن التصريح بها في الأسابيع الأخيرة. وبطريقة شخصية غريبة، عادة ما يتحدث أولئك القادة مباشرة عن المنسق والمدبر الغامض لهذا الجهد الإيراني: قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، قوة النخبة في الحرس الثوري الإيراني.

إيران تتوقف عن تحريك الأسلحة الثقيلة

إذ قال إيزنكوت في إشارة إلى سليماني: «كان خطؤه اختيار ساحة هو فيها ضعيف نسبياً. فلدينا تفوق استخباراتي كامل في هذه المنطقة، ونتمتع بتفوق جوي كامل، ولدينا ردع قوي ومبرر للتصرف».

وبالنظر إلى أنَّ كثيراً من أنظمة الأسلحة، والرجال، كانوا يذهبون سدى باستمرار، فقد أُجبرت إيران على تغيير اتجاهها بسرعة. وكذا فقد اختفت حاويات نقل العتاد الحربي -وضمن ذلك الصواريخ الدقيقة- التي تُنقل إلى سوريا. وعند نقطة ما، اعتبرت أجزاء الصواريخ المفككة هي الأخرى أكبر من أن تنقل.

وقال أحد كبار ضباط الجيش الإسرائيلي: «ما الذي تظن أننا نضربه في سوريا؟ منذ فترة طويلة، الآن لم يحركوا أسلحة ثقيلة».

حسناً، ما الذي كانت إسرائيل تضربه في سوريا إذن؟

يبدو أنَّ ما كانت إسرائيل تستهدفه بالضربات الجوية، في غالب الأمر، مكونات لنظام تموضع عالمي بحجم حقيبة صغيرة، يمكن أن يتحول بالقدرة التقنية المناسبة -والتي يمكن تثبيتها في أي صاروخ (غبي) غير موجَّه- إلى صاروخ (ذكي) موجَّه بدقةٍ، قادر على الهبوط على بُعد أمتار من الهدف.

ثمة الكثير لتزكية هذا النهج من وجهة نظر إيران. فأنظمة الأسلحة الأكبر يسهل تعقبها وتدميرها، أما الحقائب فيمكن نقلها بسرية من إيران على الأرض (عبر العراق)، أو من جواً إلى سوريا أو لبنان.

إنها الحقيبة الخطيرة

في الواقع، ذكرت شبكة Fox News الأمريكية، في شهر أكتوبر 2018، أنَّ مكونات نظام التموضع العالمي هذه أحياناً ما كانت تُنقل مباشرة إلى بيروت على متن طائرات مدنية إيرانية. (وربما يكون هذا التقرير، الذي يعد واحداً من التقارير القليلة خلال العامين الماضيين عن موضوع نظام التموضع العالمي هذا، قد سربته الاستخبارات الإسرائيلية، لتسليط الضوء على هذه الممارسة).

المتغير الوحيد في هذا النهج هو، ببساطة، عدد الصواريخ وأجهزة نظام التموضع العالمي المتاحة. فهناك مخزون معروف من الصواريخ المتبقية في سوريا، ومن الواضح أنَّ هناك صواريخ أكبر، كما ظهر من إطلاق الصواريخ الشهر الماضي (يناير 2019). لكنَّ زعيم العالم بهذا المضمار هو حزب الله في لبنان، بعدد من الصواريخ يقدَّر بـ100  إلى 150 ألف صاروخ من جميع النطاقات والحمولات الموجهة إلى إسرائيل. والميزة الإضافية للبنان أنَّ إسرائيل لا تقصف هناك، بخلاف سوريا، وذلك تحديداً بسبب هذه الترسانة الرادعة الضخمة.

بلد صغير وأسلحة صارت دقيقة التوجيه

وكما لا يسأم المسؤولون هنا في إسرائيل من الإشارة، فإنَّ هذا البلد صغير وضيق. وكذا، فمن شأن الضربات على حفنة من الأهداف الاستراتيجية -مطار بن غوريون الدولي، ومفاعل ديمونة النووي، وعدد قليل من محطات الطاقة والقواعد الجوية- أن تكون مدمرة. وأظهر أحد الفيديوهات الدعائية الأخيرة لحزب الله، التي كانت حافلة بصور الأقمار الاصطناعية والإحداثيات، هذه المواقع ومواقع أخرى بوضوح. وكذا، فمن شأن جعل المقذوفات أكثر دقة أن يزيد من مستوى التهديد، وهو ما يزيد بدوره من تقدير إسرائيل المخاطر.

تكنولوجيا إيرانية في أيدٍ لبنانية

وقال أحد كبار الضباط، متحدثاً من قاعدة في وسط إسرائيل لموقع The Daily Beast: «يمكنهم ضبط صاروخ على المبنى الذي نجلس فيه الآن. هناك قدرة غير محدودة لوضع نظام تموضع عالمي على هذه الصواريخ، يعتمد الأمر فقط على عدد الأجهزة التي يمتلكونها».

في الحقيقة، فإنَّ وجود كل من الأجهزة والصواريخ أمر مهم، لكن القدرة التقنية وموقع تنفيذ هذه التحديثات مهمان بالقدر ذاته. ومعروف أنَّ هذه البراعة التقنية موجودة بفضل التقدم الإيراني في البحث والتطوير، كما أنَّ الشبكة العسكرية الواسعة للحرس الثوري الإيراني التي تنقل المعرفة (والمكونات) إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن راسخة.

وبحسب تقرير مفصل أصدره حديثاً مركز الأبحاث والاتصالات البريطاني الإسرائيلي (BICOM)، فإنَّ التركيز، على الأقل في لبنان، منصبٌّ على تحديث المخزون الحالي لحزب الله والبالغ عدده 14 ألف صاروخ من صواريخ «زلزال-2» طويلة المدى.

غرف صغيرة لكنها مدمرة

أما المواقع، فهي قصة مختلفة، إذ استغل نتنياهو فرصة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، العام الماضي (2018)، للكشف علناً عن 3 مواقع بالقرب من مطار بيروت الدولي، زعم أنها استُخدمت لتحويل القذائف إلى صواريخ موجهة.

ووصفت بعض التقارير الصحفية هذه المواقع بأنها «مصانع» للصواريخ، لكنَّ ذلك كان خطأ في التسمية بحسب الضابط الكبير الذي قال، مشيحاً بيده: «ليست هذه حظائر طائرات ضخمة كما يتخيل البعض، بل قد تكون غرفة صغيرة مثل غرفتنا هذه».

لعبة القط والفأر

وأكدت مصادر الجيش الإسرائيلي أنَّ حزب الله أغلق هذه المنشآت بعد تسمية نتنياهو إياها وفضح مكانها. ومع ذلك، فالأمر، كما وصفه الضابط الكبير: «لعبة قط وفأر معهم، وهم يقومون بعمل جيد في تغطية مساراتهم. يمكنهم فتح مكان آخر غداً».

يتحول الصاروخ إلى صاروخ ذكي موجَّه في 3 ساعات

وقيل إنه ما إن تتوافر مكونات جهاز التموضع العالمي والصاروخ، فسوف يستغرق الأمر ساعتين إلى 3 ساعات ليتمكن فريق مدرب في أحد هذه المرافق من تحويل صاروخ «زلزال» إلى صاروخ موجَّه، من خلال إزالة جزء أوسط يقع بين المحرك ورأس الصاروخ، ووضع نظام تحكم داخلي في التوجيه والملاحة بدلاً منه.

وقال الضابط الكبير: «أدخِل إحداثيات نظام التموضع العالمي (للهدف المقصود)، ثم أطلِق وانس». ليس ثمة أي قيادة وتحكُّم لتصيب الهدف النهائي، «الأمر يشبه تطبيق الملاحة Waze».

الدقة الصاروخية للحزب تتصاعد

يصر المسؤولون الإسرائيليون على امتلاك حزب الله، في الوقت الحالي، حفنة صغيرة فحسب من الصواريخ الموجهة، وهو زعم نازعهم فيه الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله. لو صدقنا الرواية الإسرائيلية، فإنَّ جهود إطلاق النار الحر للجيش الإسرائيلي في سوريا قد آتت أكلها. لكنَّ القلق في بعض الأوساط من أنَّه لهذا السبب، فإنَّ إيران سوف تتحرك بقوة أكبر في الفضاء اللبناني الذي يبدو محصناً، لتعزز برنامج الدقة الصاروخية.

ووعد إيزنكوت في مقابلة مع القناة الأولى الإسرائيلية، الشهر الماضي (يناير 2019)، قائلاً: «لو جرى تمترس عسكري إيراني في لبنان، فسوف يكون هدفاً للفعل».

وفي غضون ذلك، فقد زادت إسرائيل، منذ الخريف الماضي، من الاهتمام الإعلامي بهذا التهديد؛ على أمل أن يطبّق المجتمع الدولي ما يكفي من الضغوط على إيران وحزب الله والحكومة اللبنانية لإحباط مثل هذه الاحتمالية. هذه هي الفكرة على الأقل، من أجل تجنب حرب هائلة، لا يريدها أحد على الأرجح. وفي الوقت الحاضر، يبدو أنَّ كل شيء يتوقف على ما إذا كانت إيران سوف تختار المضي قدماً في مناورة الصواريخ الدقيقة.

وقال المسؤول الإسرائيلي لموقع The Daily Beast: «نحن نطارد حقائب. لا يمكننا السماح بحدوث ذلك، ولن نسمح به».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى