حوارات

ما الذي يمكن أن تعرفه عن ترامب في حوارٍ مدته 85 دقيقة؟

رغم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعبر عادةً عن غضبه تجاه الكتب، التي يكتبها مساعدوه ومستشاروه السابقون وتُفشي أسرار علاقتهم به. لكنه لا يُكن ضغينةً تجاه كتاب «Let Me Finish»، الذي كتبه كريس كريستي، الحاكم السابق لولاية نيوجيرسي ومديره الانتقالي السابق.

وفقد قال ترامب في حوارٍ معه بالمكتب البيضاوي خلال الأسبوع الجاري: «حسناً، بصراحةٍ، لقد كان ودوداً معي للغاية»، ورغم ذلك فلم يكن كريستي ودوداً تجاه عائلة ترامب، وبالأخص جاريد كوشنر، صهره ومستشاره الذي اُنتزعت أحشاؤه في هذا الكتاب حسبما نشرت “نيويورك تايمز” الأمريكية.

الحوار يكشف شخصية ترامب

وقالت الصحيفة أن الحوار ومدته 85 دقيقة مع الرئيس الأمريكي به وفرة من الأدلة للباحثين المهتمين بفهم شخصية ترامب والطريقة التي يدير بها شؤون الدولة على غرار البلاط البيزنطي -من علت حظوظه لدى ترامب ومن سيسقط من دائرة المقربين منه، ما الذي يهتم به والذي لا يهتم به، ما يعرفه وما لا يعرفه. سواء كان عن قصد أو مصادفة، يرسل ترامب إشارات، تُفحَص وتُحلَّل وحتى أنها تتعرَّض للنقد الساخر.

لم يكن كوشنر الشخص الوحيد في دائرة الرئيس الذي تعرَّض للانتقاد اللاذع خلال حواره مع صحيفة “نيويورك تايمز” يوم الخميس 31 يناير، وبَّخ ترامب مساعديه لعدم إيصاله بالمؤلف بوب وودوارد قبل نشر كتابه. وقال إن محاميه رودولف دبليو جيولياني كان «مخطئاً» بشأن مشروع ترامب في موسكو و»كان مخطئاً» بشأن موضوعاتٍ أخرى.

وتناول الحوار أيضاً موقف ترامب من جيمس ماتيس

لاحق ترامب وزير دفاعه السابق جيمس ماتيس محاولاً إعادة كتابة تاريخ انفصالهما. وبينما استقال ماتيس احتجاجاً على قرار الرئيس بالانسحاب من سوريا، أكَّدَ ترامب أنه هو من أقصى وزير الدفاع من منصبه، إذ قال: «لم أكن راضياً عن الدور الذي يقوم به على الإطلاق. وقلت إن الوقت قد حان لرحيله. لهذا قال في الخطاب الذي كتبه: يجب أن تحظى باختيارك. قال هذا لأنني قلت له: أنت، ببساطة، لست اختياري».

في الواقع، ظهر ماتيس في البيت الأبيض وخطاب استقالته مكتوبٌ بالفعل. قَبِلَ ترامب الاستقالة في البداية ووصفها بأنها تقاعد مشرف، لكنه أصبح هجومياً عندما رأى تقارير تصف الخطاب بأنه توبيخٌ له وأجبر ماتيس على مغادرة منصبه قبل شهرين من الميعاد المحدد سلفاً.

من جهة أخرى، ألمح ترامب إلى عفوه عن ستيفن بانون،  كبير خبرائه الاستراتيجيين السابق الذي طرد من معسكر الموالين لترامب، بعد أن تحدث مع مؤلف آخر لكتاب هاجم الرئيس بضرواةٍ. وقال ترامب عن بانون: «إذا رأيته في حوارٍ على مدار الستة أشهر الماضية، أعتقد أنه لا يوجد أحد يتحدث أفضل منه»، وأضاف أن كليهما لم يتحدثا معاً منذ أكثر من عام.

وتحدث أيضاً عن المرشح لمنصب المدعي العام

كان وليام بار، مرشح ترامب لمنصب المدعي العام، من بين الأشخاص الذين لاقوا استحسانه. رغم  التقارير التي تفيد بأن الرئيس الأمريكي لم يكن سعيداً بشأن شهادة بار خلال جلسة الاستماع بمجلس الشيوخ، التي وصف فيها علاقته اللصيقة بروبرت مولر، المحقق الخاص، قال ترامب إن الشهادة «كانت مقبولةً تماماً بالنسبة له وأن بار سيكون «مدعياً عاماً عظيماً».

ربما كان أبرز الأشخاص الذين استعادوا رضا الرئيس بعد غضبه تجاههم هم مديرو الاستخبارات الأمريكية، الذين وصفهم ترامب في اليوم السابق بأنهم «ساذجون وسلبيون للغاية» وأنهم أشخاصٌ «يجب أن يعودوا إلى المدرسة مجدداً!». الآن، يقول إن كل شيء على ما يرام لأنهم أكدوا له أن تقاريرهم المُرسلة للكونغرس خلال هذا الأسبوع، التي تتعارض مع سياسته الخارجية، أُسيء فهمها من قبل وسائل الإعلام.

 

 

بالإضافة إلى وسائل الإعلام الأمريكية

وتبقى وسائل الإعلام دائماً ضمن الفئة المغضوب عليها لدى الرئيس رغم أن ترامب يستمتع بالحديث مع الصحفيين وتعنيفهم بقدرٍ متساوٍ تقريباً. يوم الخميس الماضي، منح ترامب الصحفيين ثلاثة أضعاف الوقت المحدد سلفاً وتلقى جميع أسئلتهم دون استعجال وطلب منهم الاتصال به شخصياً إذا كان لديهم أسئلة. وقال ترامب: «أتيت من حي جاميكا بمنطقة كوينز وأصبحت رئيس الولايات المتحدة» مستجدياً إيه. جي. سولزبيرجر، الناشر في صحيفة The New York Times الأمريكية، من أجل تقديم تغطية صحفية أفضل عنه. وتابع: «أستحق نوعاً ما أن أحظى بقصةٍ عظيمة -واحدة فقط- من صحيفتي».

يؤكد وصف ترامب للقائه التوبيخي مع مديري الاستخبارات الأميركية كيف يشكل الرئيس «حقلاً مشوهاً للواقع» حيث «يلوي الحقائق تجاهه»، على حد وصف أنتوني سكاراموتشي، مدير الاتصالات السابق في البيت الأبيض وهو مؤلف سيرة ذاتية مفشية للأسرار أيضاً.

وفي تقريرٍ للكونغرس في بداية الأسبوع قال دان كوتس، مدير الاستخبارات الوطنية، ونظراؤه إنه من المستبعد أن تتخلى كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية وإن إيران لا تُصنّع حالياً قنبلةً نووية وإن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لم يُهزم، وتتناقض كل هذه الاستنتاجات مع منهج الرئيس.

وخلال اجتماعهم الخميس قال ترامب إنه تحدى مديري الاستخبارات بشأن هذا الخلاف. وسرد ترامب تفاصيل اللقاء قائلاً: «أحد الأشياء التي قالوها إن إيران مكانٌ رائعٌ. وقلت ليست مكاناً رائعاً إنها مكانٌ سيئ وهم يقومون بأمورٍ سيئة. وقالوا نحن نتفق معك. فقلت لهم ما الذي تعنونه بقولكم أنكم تتفقون معي؟ لا يمكن أن تكونوا متفقين معي. وقالوا إن شهادتهم قد شُوِّهت تماماً».

لكن ربما يكون ترامب هو من شوَّه شهادتهم أو على الأقل أساء فهمها. لم يقل مديرو الاستخبارات مطلقاً إن إيران «مكانٌ رائع» أو أي شيء من هذا القبيل؛ بل قالوا، ببساطة، إنه ليس هناك دليل على وجود برنامج نووي مخالفاً للاتفاق الذي أبرمته طهران للتخلي عن برنامجها. ردَّ ترامب على حجتهم بحجة لا علاقة لها بالموضوع عبر تضخيم شهادتهم وهم قادرون على دحضها دون التراجع عما قالوه بالفعل.

في هذه الحالة، ربما تكون حيلته قد نجحت. كان ترامب سعيداً بما يكفي بتبرير الاختلافات بين روايته ورواية مديري الاستخبارات عن طريق إلقاء اللوم على وسائل الإعلام عبر موقع تويتر -وهي تغريدات نُشرت في الواقع بينما كان يتحدث مع زائريه من صحيفة The New York Times، إذ كان لديه مخزونٌ جاهزٌ من التغريدات لنشرها.

وعندما لوحظ أنه كان في الغرفة عندما نُشرت التغريدات على حسابه، اعترف: «حسناً، أحياناً أملي التغريدة (على آخرين لنشرها)».

 

في حواراته يكون ترامب كصاروخ ليس له وجهة محددة

خلال حواراته، يكون ترامب كصاروخٍ ليس له وجهة محددة، إذ لا يُعرف تماماً ما ستؤول إليه المحادثة. وبينما كان يدافع عن منهجه في الرئاسة، استدعى ترامب روح الرئيس الأمريكي السابق جورج واشنطن، الذي قال عنه إنه أبقى على نشاطه التجاري بينما كان يشغل منصبه وروح الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي، الذي عيّن أخاه في منصب المدعي العام.

ولا يولي ترامب اهتماماً مفرطاً بالدقة، إذ ألمح إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان مبالغاً في رد فعله عندما وظَّف «فريقاً مكوناً من 29 شخصاً يحملون بنادق من طراز AK-27s أو أياً كان ما استخدموه» للقبض على روجر ستون، حليف ترامب منذ وقتٍ طويل. لكن لا يوجد شيء اسمه «AK-27». ويبدو أن ترامب، أكثر المدافعين عن التعديل الثاني للدستور الأمريكي الذي يعطي الحق للمواطنين بحيازة أسلحة، قد خلط بين هذا الاسم و»AK-47″ رغم أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لا يستخدم بالطبع أسلحةً روسية.

قد يكون من الصعب معرفة مواقف محددة لترامب. إذ سُئل عمّا إذا كان هو الشخص المقصود في لائحة الاتهام الموجهة لستون والذي وجه أحد موظفي حملته  للاتصال بستون بشأن المعلومات المدمرة في حوزة موقع ويكيليكس، الذي كشف عن سرقة عملاء روس لرسائل بريد إلكتروني بين الديمقراطيين.

وقال ترامب عن لائحة الاتهام: «هل يمكنني إخبارك؟ لم أرها». لكنه أشار لاحقاً إلى أنه كان على دراية بمحتوى لائحة الاتهام. عندما قال: «إنني أعرف ما كان في لائحة الاتهام، إذا قرأتها، فستعرف أنه لم يكن هناك تواطؤ مع روسيا».

وبالمثل، في إشارة إلى رود روزنشتاين، نائب وزير العدل الأمريكي، قال في بادئ الأمر: «أخبرني رود أنني لست مستهدفاً بهذا التحقيق». لكنه عاد وقال إن محاميه تأكدوا من الأمر. وقال: «سيتحدث إليه المحامون كثيراً عن ذلك».

وقال إنه لم يكن يعلم في البداية عن مذكرة كتبها بار بصفته محامي خاص وينتقد فيها أحد محاور التحقيق التي طرحها مولر، ولم يعرف عنها إلا لاحقاً. وقال: «أعني، لقد قرأتها بعد ذلك»  ثم عاد وقال: «لم أر المذكرة. ولم يسبق لي قراءتها».

والحق يُقال، إنه لم يقرأ كتاب كريستي أيضاً. (عذراً، أيها الحاكم) كان يعلم أن كريستي كتب أشياء لطيفة عنه لأن موظفيه لخصوه له. وقال ترامب: «ليس لدي متسع من الوقت لقراءتها، لكني أعرف كل شيء -هناك شخص- يقرأ لي قليلاً منه، حوالي خمس صفحات، يمكنك قراءتها، أليس كذلك؟».

وبالتالي فإن ترامب سيُكِّن له احتراماً في المقابل. بغض النظر عما قد يفكر به كوشنر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى