منتدى الفكر الاستراتيجي

الخطايا العشر لأمريكا في الشرق الأوسط منذ عهد جمال عبدالناصر

كان هناك مقعد خال في أهم مفاوضات تجرى في منطقة الشرق الأوسط لتسوية ما يمكن اعتباره أسوأ أزمة شهدها العالم في القرن الحادي والعشرين، إنه مقعد واشنطن إنه أوضح الدلائل على حلول خريف أمريكا في الشرق الأوسط.

إذ توشك الحرب السورية الدائرة منذ سبعة أعوام على الانقضاء بانتصار حكومة الأسد بمساعدة روسيا وإيران. وتتسارع وتيرة المحادثات حول وقف الحرب.

من إذن يجلس إلى طاولة المفاوضات هذه؟، إنها روسيا وتركيا وإيران، وسط غياب ملحوظ للولايات المتحدة.

كان غياب الولايات المتحدة في الصور الأخيرة التي التُقِطت لقادة إيران وتركيا وسوريا وهم يتناقشون حول الخطوات المقبلة بشأن سوريا غياباً صارخاً، حسب جوردون أدامز الأستاذ الفخري في كلية الخدمات الدولية بالجامعة الأميركية في واشنطن في مقال نشره موقع The Conversation الأسترالي.

ومع ذلك، فرغم الوجود العسكري الأميركي الهائل في المنطقة وإرث من الانخراط المكثف في الشرق الأوسط، لم تكن الولايات المتحدة من بين الوجوه التي جلست لتقرر مصير سوريا.

إنه نموذج صارخ لكيفية حلول خريف أميركا في الشرق الأوسط.

هل بدأ خريف أميركا؟.. في الشرق الأوسط الحالة تبدو صارخة

يقول جوردون أدامز: بصفتي باحث ومتمرِّس في الشؤون الخارجية، أعتقد أنه ليس ثمة موضع يتجلى فيه تلاشي النفوذ العالمي للولايات المتحدة أكثر من اضطرابات منطقة الشرق الأوسط.

والتحولات في ميزان القوى ليست مؤقتة. إذ لا يمكن إعادة بناء النظام القديم، الذي كانت تشكل الولايات المتحدة في ظله الفاعل الأقوى نفوذاً في المنطقة، وسيتعين على واشنطن أن تتكيف مع هذه المرتبة الأقل، أو ما يمكن أن يسمى مرحلة خريف أميركا.

ولكن متى بدأ التراجع الأمريكي، وهل أوباما هو من يتحمل مسؤولية خريف أميركا؟

يعزو البعض تراجع الدور الأميركي الموازن في منطقة الشرق الأوسط إلى قرار الرئيس باراك أوباما بعدم فرض خطوط حمراء في سوريا عقب استخدام الرئيس بشار الأسد لأسلحة كيماوية عام 2013.

فيما يقول البعض الآخر إنَّ ذلك يرجع إلى خطأ الرئيس دونالد ترمب في الانحيازلصفوف معينة في بعض الصراعات المحورية في المنطقة.

لكن كلا الرأيين مخطئ، حسب الكاتب، ويعدد إضافة إلى العنصرين السابقين، الأخطاء العشرة الرئيسية في تاريخ السياسة الأميركية بالشرق الأوسط والتي أدت إلى ما يمكن أن نسميه خريف أميركا.

لطالما كان نفوذ أوباما في سوريا ضعيفاً، ما لم يكن مستعداً لنشر قوات أميركية برية هناك.

ولم تكن الضربة الصاروخية المنفردة التي كان يمكن أن تشنها الولايات المتحدة في سوريا عام 2013، عقب شن الأسد هجوماً كيماوياً ضد شعبه، لتخلف تأثيراً أقوى على نتائج الحرب من تلك الضربة التي وجهتها إدارة ترمب عقب حادثة مماثلة عام 2017.

ولا تساهم سياسات ترمب سوى بتسريع إعادة تشكيل ميزان القوى في المنطقة، وهو ما قد قطع بالفعل شوطاً جيداً ، في اتجاه خريف أميركا

1-  الأمر بدأ قبل ذلك بزمن طويل.. إليك أولى الخطايا التي وقعت منذ زمن ومهدت لخريف أميركا بالمنطقة

حان الوقت للتحلي بالواقعية. يعد التغير في ميزان القوى إلى حد ما نتيجة مباشرة للسياسات والأفعال الأميركية التي دعمت على مدى 50 عاماً على الأقل الحكام المستبدين وقوضت الجهود الديمقراطية في الشرق الأوسط. ولاتزال هذه الأفعال عالقة في ذاكرة المنطقة منذ زمن.

لم تكن واشنطن وحدها تدعم الحكام المستبدين. إذ دعمت كذلك المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة على مدى عقود الرموز المؤثرة في المنطقة.

2- ولم تكتف بتأييد الاستبداد بل عارضت أيضاً الحكومات القومية حتى لو كانت منتخبة

وعارضت الولايات المتحدة في الوقت ذاته بشدة القوميين المناهضين للاستعمار مثل الرئيس المصري جمال عبد الناصر.

كما وحدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة صفوفهما لإسقاط حكومة محمد مصدق الديمقراطية الإصلاحية في إيران عام 1953. وتتذكر المنطقة كيف ساعدت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في إطاحته، وجاءت بالشاه محمد رضا بهلوي ليكون خلفاً له، والذي كان يعتمد بشكلٍ كبير على الولايات المتحدةلتدير البلاد.

3- وعندما أرادت أن ترث المنطقة ارتكبت أكبر حماقة في تاريخها

مهَّد التخطيط الأميركي للاضطلاع بدور عسكري في المنطقة، والذي كان مستمراً منذ فترة، إلى غزو العراق في 2003. ونشأ عن هذا الدور الجديد، الذي كان يستهدف استعادة النظام أو الإطاحة بأنظمة حاكمة، تنفيذ أعمال عسكرية كانت لها عواقب سلبية على موقف الولايات المتحدة في المنطقة.

ويقول الكاتب: بصفتي باحثاً في السياسات الخارجية، زرت مدينة تامبا في ولاية فلوريدا الأميركية، حيث كان يقع مقر قوة المهام المشتركة سريعة الانتشار في مطلع الثمانينيات لحضور مؤتمر صحفي غير سري.

وعلمت بشأن خطط تأسيس شبكة من القواعد وحقوق التحليق في المجال الجوي لبلدان أخرى والإنزال فيها، ومنشآت التخزين والتدريبات العسكرية التي ستجعل من التدخل الأميركي في المنطقة ممكناً.

ووفقاً لهذه الخطط، ستسمح إسبانيا وليبيا ومصر وبعض دول الخليج لقاذفات القنابل والمقاتلين الأميركيين للطيران إلى قلب الشرق الأوسط. وستوفر كذلك مواقع لتخزين المعدات العسكرية الأميركية والتزود بالوقود استعداداً للعمليات الأميركية والتدريبات المشتركة التي ستسمح لهذه الدول بالعمل مع القوات الأميركية.

وباستخدام هذه الشبكة، تمكَّن الجيش الأميركي من طرد صدام حسين من الكويتفي 1991. وشمل هذا التدخُّل أول انتشار عسكري أميركي في المنطقة.

وأفسحت كذلك شبكة القواعد هذه المجال للغزو الأميركي للعراق عام 2003، والذي أطاح نظام صدام حسين، وتسبب بانهيار موازين القوى في المنطقة.

4- وهكذا فتحت القوات الأميركية الباب على مصراعيه لأسامة بن لادن وإيران

وكانت الدعاية الناتجة عن تدخل القوات الأميركية ووجودها في السعودية بمثابة هدية من السماء للقاعدة، التنظيم الإسلامي الإرهابي الذي تزعمه في البداية أسامة بن لادن.

وأطلق غزو 2003 وتغير النظام الحاكم بالعراق والاحتلال الأميركي الكارثي سيلاً من المشاكل ودمر مصداقية الولايات المتحدة وأفقدها أي إمكانية لديها لوقف هذا السيل.

وكان للفوضى اللاحقة التي انتشرت من العراق إلى سوريا ولبنان الكثير من الرعاة، من بينهم قوات إقليمية ودينية وعرقية قمعها القادة الاستبداديون.

لكن الخطأ الاستراتيجي الفادح المتمثل في غزو العراق وإعلان «حرب عالمية على الإرهاب»، منح إيران وتنظيم القاعدة حافزاً قوياً لتوسيع عملياتها؛ ما أعاد تشكيل موازين القوى في المنطقة.

 5- ثم عادت وارتكبت خطأً مماثلاً في ليبيا

وساعد إسقاط معمر القذافي في ليبيا على خلق مزيد من الفوضى، لن يستطيع وقفها أي قدر من التمويل أو استراتيجية لإعادة الإعمار يتم تبنيها عقب رحيله. وكشفت الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة بالتوازي لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط عن قلة كفاءة السياسات الأميركية وجهلها. إذ أن المنطقة لاتزال تتذكر ما حدث.

6، 7، 8 – إلى أن جاء ترمب فارتكب وحده أخطاء أكثر من أي من أسلافه، إنه يعادي كل هؤلاء

وساهمت سياسات إدارة ترمب في زيادة إقصاء الولايات المتحدة عن دور قيادي في المنطقة.

  • لم يدفع الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني طهران لتغيير سياساتها أو أفعالها، بل شجع فقط المتطرفين.
  • اقتراح تشكيل تحالف يضم السعودية ودول خليجية أخرى وإسرائيل، إلى جانب الولايات المتحدة لمواجهة إيران يفاقم من المواجهة العربية-الفارسية ويبرز السعودية وإسرائيل كقوتين إقليميتين.
  • إثارة نزاعات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبعد الأتراك.

10- والأهم أنه يدفع النظام الإقليمي لنهايته ويعيد تشكيل المنطقة.. وهذه هي القوى الجديدة

تعد السياسات التي يتبناها ترمب بمثابة «المُسرِّع» الذي يزيد من وتيرة تدهور مصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ويحفز مزيداً من إعادة تشكيل موازين القوى.

يندفع النظام الإقليمي القديم نحو نهايته، وأصبحت إيران وتركيا والسعودية وإسرائيل وروسيا هي القوة الصاعدة.

 

أما إيران فليست هناك قيود عليها؛ إذ عزَّز التخلص من صدام حسين نفوذها في المنطقة بشكل واضح.

وأصبحت إيران أحد الأطراف الفاعلة في المنطقة جراء توسيع قواها العسكرية والسياسية عبر سوريا إلى لبنان وحماس، والذي يعد جزئياً رداً دفاعياً على الولايات المتحدة.

وتركيا ابتعدت وانخرطت مع خصوم أميركا، وبوتين استغل الأمر

فيما أبعدت تركيا نفسها، والتي من المفترض أنها حليف للولايات المتحدة، واتخذت موقفاً مستقلاً بشأن سوريا؛ إذ أسست علاقات ودية مع روسيا وخاضت في علاقات أمنية أقوى مع الصين.

ولطالما كانت روسيا فاعلاً قوياً في سوريا. وبرغم التدهور العام في النفوذ الروسي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، نجح بوتين في استغلال ما لديه من فرص ضئيلة وعزز نفوذ روسيا على نطاق أوسع في المنطقة.

نعم خريف أميركا سيستمر إلا إذا اتخذت هذا القرار الجريء

لن تعكس الولايات المتحدة هذه التغيرات برغم أنها لاتزال تحظى بتأثير في المنطقة، حسبما يرى الكاتب.

وتهدد الهجمات الإرهابية الولايات المتحدة والدول الأخرى. وقد أسفر استخدام واشنطن للقوة في التخلص من المنظمات الإرهابية إلى تصعيد هذا التهديد بدلاً من تقويضه.

ولا يزال التدفق المستمر من نفط الشرق الأوسط يُمثِّل هدفاً مهماً، ومصلحة مشتركة بين المنتجين والمستهلكين في العالم. وكذلك يعد منع انتشار الأسلحة النووية مسألة حيوية؛ ولهذا السبب يدعم آخرون الاتفاق النووي الإيراني.

والاستراتيجية الصدامية لترمب إنما هي نهجٌ معاكس لتعزيز هذه المصالح. وأعتقد أن السبيل الوحيد للعودة لطاولة المفاوضات هو بأن تتراجع الولايات المتحدة لموقف أكثر حيادية، وتقلص من تواجدها العسكري في المنطقة، وتُشرِك كافة الأطراف -بما فيهم إيران- وتلتزم باستراتيجياتٍ متعددة الأطراف.

لن يحل السلام قريباً في الشرق الأوسط. وحتى تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ في المنطقة، فهي بحاجة لإجراء تغيير جذري في سلوكها ونهجها. إذ تغيرت موازين القوى وأصبح لأطراف أخرى الآن الحصة الكبرى والدور الأقوى في إحداث تأثيرات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى