منوعات

طبيب وجد كنزاً في فضلات الأفعى

في عام 1862، نشر جون هاستينغز، الذي كان طبيباً متدرباً آنذاك في العاصمة الأسكتلندية إدنبرة، كتاباً صغيراً عن دواء من الأفعى من أجل علاج مرض السل وغيره من أمراض الرئتين.

وأيَّد في كتابه استخدام مواد قد يعتبرها الكثير من الأطباء علاجات غير تقليدية.

واعترف في مقدمة كتابه قائلاً:«قيل إنَّ الصفة الغريبة لتلك المواد ربما تشكل عائقاً أمام استخدامها لأغراض طبية».

ثم توقَّع هاستينغز اعتراضاً محتملاً آخر متثملاً في أن «الدواء» الذي يوصي به يصعب الحصول عليه.

رحلة البحث عن علاجات عجيبة في مملكة الحيوان

لكن لا داعي للقلق، إذ أوصى ببعض الموردين قائلاً: «قد يكون من المفيد إضافة أنَّ تلك المواد الجديدة يمكن شراؤها في الأساس من حدائق الحيوان في لندن وإدنبرة وليدز وباريس وغيرها من المدن الكبرى.

يمكن أيضاً الحصول عليها من تجار الزواحف، ويقيم اثنان منهما، وهما جامراك ورايس، في طريق راتكليف الرئيسي، بينما يقيم اثنان أو ثلاثة آخرون في ليفربول».

وهنا قد يتساءل المرء ما نوع الدواء الذي لا يمكن شراؤه إلَّا من حديقة الحيوان أو أحد متاجر الحيوانات الأليفة.

أوضح هاستينغز أنه قضى سنوات عدة يحاول العثور على مواد علاجية جديدة في الطبيعة، لكنَّ محاولاته باءت بالفشل.

ونظراً إلى أن الصيدليات كانت بالفعل «تعج بالأدوية المستخلصة من عالم المعادن والأعشاب»، عزم هاستينغز على البحث عن علاجات عجيبة محتملة في مملكة الحيوان.

  دواء من الأفعى .. وجد الكنز

من روث هذه الأفعى عالج السعال

وقال في كتابه: «ليس الهدف من هذا الكتاب هو ذكر تفاصيل عن مختلف الحيوانات التي استعنت بها في هذه الرحلة الاستقصائية، أو منتجات الحيوانات التي فحصتها عبر استكشاف مطول.

يكفي القول إنني عثرت في فضلات الزواحف على مواد ذات قيمة علاجية عظيمة للكثير من الأمراض التي كانت تحتاج إلى الكثير من المجهود».

أجل، كان علاج هاستينغز السحري عبارة عن براز الزواحف. وعنوان كتابه هو An Inquiry Into the Medicinal Value of the Excreta of Reptiles. قد تتساءلون أي زواحف يقصد؟

إذ قال في كتابه: «أجريت أولى تجاربي على فضلات أفعى البواء العاصرة، التي وضعتها على جسم أحد المرضى أول مرة بعد أن أذبتها ببساطة في الماء.

لا يمكن لغالون من الماء إذابة حبيبتين من الفضلات، ومع ذلك، وبقدر ما يبدو هذا الكلام غريباً، فإن تدليك صدر مريض مصاباً بالسل بنصف ملعقة صغيرة من هذا المحلول من شأنه أن يخفف من صعوبة التنفس على الفور».

لم يقتصر هاستينغز في بحثه على أفعى البواء العاصرة فقط.

بل قدم قائمة من الفصائل التي تفحَّص فضلاتها: وهي 9 أنواع من الثعابين (بما فيها أفعى الكوبرا الإفريقية، وأفعويات أسترالية، وأفاعي النهر الهندي)، و5 أنواع مختلفة من السحالي، وسلحفتان. وبعد اكتشافه المذهل ذلك، تطلَّع الطبيب الجريء إلى إدخال مواد علاجية جديدة في الممارسة السريرية، ومن ثَمَّ، بدأ يصف براز الزواحف علاجاً لمرضاه.

ونظراً إلى أن مجال تخصصه كان مرض السل، فإن معظم ممن ذهبوا إليه كانوا مذعورين وبائسين. ففي عام 1860، لم يكن هناك علاجاً لمرض السل، ومع أنه لم يكن مرضاً فتاكاً على مستوى العالم، فإنَّ حوالي نصف من كانوا يُصابون به كانوا يموتون، ومعظمهم في غضون عامين.

وأدرج الطبيب عدداً من تقارير الحالات

التقرير الأول كان يخصُّ عازفاً عمره 28 عاماً ذهب إلى الطبيب ليستشيره في سعال حاد. لكنَّ نقصان وزنه بلا سبب آل في النهاية إلى تشخيص إصابته بمرض السل.

وتحدَّث هاستينغز عن ذلك المريض في كتابه قائلاً: «وصفت جزءاً مقداره 1/200 من حبيبة فضلات الورل النيلي مذابة في ملعقة كبيرة من الماء، يتناولها المريض ثلاث مرات يومياً، وأوصيته بوضع المحلول مباشرةً على الجزء المصاب من الخارج.

وسرعان ما تحسَّنت حالة المريض كثيراً في نهاية الأسبوع، وبعد أسبوع آخر من العلاج، لم أر المريض مرةً أخرى لاعتقاده أنه قد شُفي».

وذهب أحد القساوسة كذلك إلى الطبيب سعياً للحصول على العلاج بعدما بدأ يسعل دماً، وهي علامة واضحة على الإصابة بمرض السل.

وقد عالجه الطبيب بنوعين مختلفين من براز السحالي.

إذ قال في كتابه: «وضعت على يسار صدره مستحضراً من براز البواء العاصرة بتركيز 1/96من الحبيبة مضافاً إلى نصف أونصة (0.02 كجم) من الماء.

وفي ظل خضوعه لذلك العلاج، تحسَّنت صحته سريعاً، حتى شهر مايو/أيار، عندما وصفت له محلولاً من براز الورل النيلي، يتكون من تركيز 1/200 من الحبيبة مضافاً إلى ملعقتين كبيرتين من الماء والجرعة ثلاث مرات في اليوم، وأوصيته بوضع المحلول نفسه على الجزء الخارجي من جسمه».

ثم شهدت حالة القس تحسُّناً كبيراً، وبعد بضعة أسابيع كان قادراً على السير مسافة تتراوح بين 8 و10 أميال (12.8 و16 كيلومتراً تقريباً) بكل سهولة.

لكنَّ الحالة المفضلة لديَّ هي حالة إحدى الفتيات التي وُصِفت بأنها «مُغنية عامة»، والتي أحاطت تلك الفقرة الرائعة من الكتاب بها:

«هذه الحالة مثيرة للاهتمام، وذلك لأنني أعطيتها براز كل أفعى فحصتها، وقد أدت جميعها دون استثناء بعد أيام قليلة من استخدامها إلى إصابتها بالصداع أو الإعياء، مع الإسهال إلى درجة اضطرتني إلى عدم إدراجها الوصفات العلاجية مرةً أخرى. وعند استخدامها فضلات السحالي لم يعتريها أي إعياء.

وهي تُعالج الآن بفضلات الحرباء الشائعة التي لديها فوائد عظيمة، وهي في أفضل حالاتها على الإطلاق منذ ثلاثة أعوام».

البعض اعتبر الأمر سخيفاً للغاية

لكنَّ الأمر برمته سخيف للغاية، وهي حقيقة ذكرتها بعض المجلات الطبية آنذاك. إذ ذكر تقرير نشرته المجلة الطبية البريطانية British Medical Journal في عام 1862 ملاحظة ممتازة حول طبيعة الأدلة العلمية، مشيراً إلى أنَّ النتائج «الإيجابية» التي حققها لم تمت إلى شيء من هذا القبيل:

وجاء في تقرير المجلة آنذاك: «مع الأسف، يطبق هذا الطبيب نموذجه على حالاته ليثبت نظريته، ويجب علينا في الواقع إبلاغهم بأنَّهم دعاماتٌ فاشلة مؤسفة لنظريته.

ونؤمن دون شك، ونقولها بكل أمانة، أنَّ هاستينغز لو كان قد دلَّك مرضاه بجزءٍ مقداره 1/200 من إحدى حبيبات قشارات الجبن، أو استخدم 1/200 من حبيبات التبن، وعالجهم بطرق أخرى وداخله اليقين نفسه الذي عالجهم به، لحقق النتائج الإيجابية ذاتها».

إذا كانت مجلة British Medical Journal من المجلات الانتقادية، فقد نشرت مجلة The Lancet نقداً لاذعاً بشكل إيجابي. إذ أشار محرر المجلة إلى أنَّ هاستينغز نشر قبل 20 عاماً  كتاباً آخر ادَّعى فيه أنه قادرٌ على شفاء السل باستخدام هيدروكربون قابل للاشتعال يدعى النفثا. وبعد 12 عاماً من ذلك، قرر أن علاج السل هو «حمضي الفلوريك والأكساليك» (وكلاهما يصبح ساماً عند تناوله بجرعات زائدة»، إضافة إلى «ثنائي كبريت الكربون» (وهو سام أيضاً). أي أنَّ لم هاستينغز لم يكتشف في الواقع علاجاً واحداً بل خمسة. وأضاف المحرر بقدر لا بأس به من السخرية:

«يظن الرجال العاديون أنَّ آوان راحتهم من جميع المصاعب التي يُسببها مرض السل الذي يستعصي علاجه قد حان.

لذا قد يهرع الناس إلى هاستينغز وكلهم ثقة بأن الشفاء أخيراً بين يديه».

لكنَّه احتفظ بالجزء الأفضل من كلامه إلى النهاية قائلاً: «قد نتساءل فيم يفكر الناس حين يدعمون تلك الأفعال المنافية للعقل ويناصرونها؟ هل سيبقى هناك أشخاص على استعداد ليسمحوا لأصدقائهم باستخدام مستحضرات مصنوعة من روث الثعابين؟».

أحسن القاضي قولاً

شعر هاستينغز بالاستياء كثيراً من تلك المقالة فحاول مقاضاة الناشر في مجلة The Lancet بتهمة التشهير. لكن عندما عُرضت المسألة على رئيس القضاة ألكسندر كوكبورن، رفض القضية وقال في حُكمه: «ربما يكون قد اكتشف علاجاً، وإذا كان الأمر كذلك، فستتضح الحقيقة في النهاية، لكن ليس هناك ما يدعو إلى العجب حيال تعامُل الأشخاص مع المسألة بسخرية حين يعرفون أنَّ مرض السل يمكن أن علاجه بروث الثعبان».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى