من التاريخ

بالصور.. الجمال المصري كما صوره ورسمه المستشرقون

 

بدأ الاستشراق كظاهرة وتيار منذ أوائل القرن الثامن عشر مع ازدياد الاهتمام بالشرق وحضارته في علم التاريخ وبعثات التنقيب عن الآثار وترجمة القرآن والأدب والعلوم والفنون والهندسة والعمارة.

فعلاقة الصراع والاكتشاف بين الشرق والغرب عبر التاريخ لم تنفصل ولم تتراجع حدّتها لأن موقع الشرق الجغرافي كان جسر عبور ومهد الحضارات الإنسانية التي انفتحت أمام المبادلات الثقافيّة والعلمية والدبلوماسية والتجارية ما أثار الصدامات والاحتكاك من خلال الحروب خاصة الصليبيّة والعثمانية ثم حملة نابليون التي كان لها تأثيرها على الشرق وعلى نظرة الغرب لتلك الجغرافيا وثقافتها وتاريخها.

ولعب الرسامون والكتاب المستشرقون الذين رافقوا تلك الحملات، دورا هاما وتأثّروا بالشرق وتأثّر فنهم بمختلف أنماطه الأدبية التصوريّة، فما شاهدوه وسمعوه أثرى خيالهم كما أسّس انبهارا بأجواء الشرق الغامضة وطبيعته ومناظره ومعماره ونسائه “الحريم” التي صوّروها مثل عوالم ألف ليلة وليلة الساحرة بكل ترفها الخيالي.

مصر أبهرت المستشرقين

ولم يترك الفنانون المستشرقون أي منطقة من الشرق من الشام إلى الحجاز والمغرب العربي وخاصة مصر التي أبهرتهم بسحر حضارتها، عاداتها أثارها وتاريخها وتنوع ثقافتها وزخرف بيوتها وهندسة مدنها فقد انعكس كل ذلك على العديد من الرسامين والمصوّرين الفوتوغرافيين الأوروبيين القادمين من فرنسا، انجلترا، إيطاليا والنمسا، في كل مراحل الاستشراق من القرن السابع عشر إلى القرن العشرين من اللوحة إلى الفتوغرافيا.

ويقدّم “متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية” العديد من الأعمال الفنية وآلاف الصور الفوتوغرافيّة التي تندرج ضمن مجموعة المستشرقين ومجموعة أجداد العرب وهي مجموعة غنيّة توثّق لهذه الظاهرة وتخلّد مرحلة هامة من مراحل تاريخ الشرق كما تبرز عدّة جوانب هامة منها تختلف فيها النظرة لظاهرة الاستشراق بين فعلها التنويري والتزويري الممهّد للغزو والاحتلال والدافع للانفتاح والتثاقف، ولكنها في النهاية تبسّط تاريخا وتظهر فنّا إنسانيا تجدّد بتغيّر المشهد والجغرافيا والشخوص عتّقه الزمن ليتحوّل لوثيقة ذات قيمة جمالية فنية مهما كانت غاياتها واختلفت الأيديولوجيا التي شجعت عليها.

تصوير البيئة بدقة

كانت مصر عبر كل العصور المنطقة الأغنى ثقافة وحضارة وتاريخا بجغرافيا استراتيجية جمعت شرق القارتين إفريقيا وآسيا سبقت التاريخ لتسرد تفاصيلها “هبة لنيلها” تأسر زائرها بحضارتها القديمة والعربية الإسلامية، وهو ما أثر على عدّة فنانين ومصوّرين غرب استلهموا من عبقها سحر لوحاتهم فخلّدت كما تخلّد الأسطورة ومن بينهم “رودولف أرنست” و”أنطونيو سيموني” و”لويس كوريا”.

وتتميّز لوحات الفنانين بدقّة لا متناهية وبثراء المضمون والوضوح والتجديد إذ ركّز الفنّانون على المعمار والهندسة والزخارف العربية الإسلامية في المساجد الكنائس والبيوت والمدن العتيقة كما الآثار الفرعونية المميّزة لمصر القديمة إضافة إلى الأشخاص والملامح والأعمال اليدويّة بالمناطق الشعبية والأزقة والاحتفالات والعادات وتقاليد والأزياء والأحجبة والأباريق التي أبرزت الحياة اليوميّة بأدق تفاصيلها وتنوعها وكثافتها المادية والمعنوية التي أثرت على قيمة العمل الفني بكل زخم التاريخ والطبيعة والأجواء.

كما صوّر البعض من الفنانين رؤى فردية سمعوا عنها أو نقلت إليهم عكست تخيّلاتهم مثل عالم الحريم الغامض المستور الذي يأسر المرأة الشرقيّة سحر وجاذبيّة تحجب عالمها عن الغرباء الأمر الذي أثار المستشرقين فتفجّر في لوحاتهم ألوانا وخطوطا وزركشة تنطق بعمق البيئة الشرقية بالحرير والجسد المثالي مع مثالية تجيد نحت أجساد النساء وتبشع صورة الرجل كمستبد وحشي في تناقضات جمالية ولونية وتشكيلات تحاكي فكرة راسخة في ذهن المستشرق عن عالم الشرق الذي هو عبارة عن نساء جواري كنوز وحروب وقطاع طرق.

غير أن هذه النظرة سرعان ما تحوّلت في مفاهيمها منذ اعتماد الصور الفتوغرافية التي نقلت الواقع كما هو بكل تفاصيله بكل تلوناته المختفية في الظلال والضوء في الأبيض والأسود في عتمة التاريخ التي تحاول الصور أن تسقط الضوء عليها وهو ما أسس لجيل ثان من المستشرقين الرسامين له رؤيته الواقعية.

إن مصر في نظر الغرب وعلى امتداد حقب كانت أرضا نسجت حولها حكايات وخيالات وأساطير نقلها المستشرقون فنيّا وجماليا بميزات مختلفة قدّمت لوحات حالمة خيالية كثيرة الألوان والأشكال،

جعلت للاستشراق معان متعددة الأبعاد ومختلفة المحاور والخلفيات السياسيّة والاجتماعية والثقافية.

*رودولف ارنست

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى