تقارير وتحليلات

نهاية اتفاق الصخيرات وترسيخ سيطرة حفتر.. نتائج لقاء باريس تخيب آمال الليبيين في الخروج من الأزمة

الاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية العام الحالي أبرز ما خرج به الفرقاء الليبيون المجتمعون في باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة حضره  ممثلو 20 دولة معنية بالملف الليبي، بينها دول الجوار، وإيطاليا، والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وبإشراف رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة.

مسودة الاتفاق التي لم يوقع عليها أحد من الأطراف الليبية الحاضرة، شهدت جدلاً كبيراً عليها خاصة من طرق المشير خليفة حفتر كما تؤكد مصادر “عربي بوست” الذي أصر على تغيير النقطة المتعلقة بإلحاق المؤسسة العسكرية بحكومة الوفاق في طرابلس وتعويضها بعبارة “بناء مؤسسات عسكرية وأمنية محترفة وموحدة، خاضعة للمحاسبة وتشجيع محادثات القاهرة لتوحيد المؤسسة العسكرية”.

وكانت الرئاسة الفرنسية صرحت قبل أيام أنها سعت إلى “توفير الظروف الملائمة للخروج من الأزمة” في ليبيا، وذلك من خلال “إشعار الفاعلين الوطنيين والدوليين كافة بمسؤولياتهم” باريس وإن نجحت وللمرة الأولى في جمع أبرز أطراف الأزمة الليبية (رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج، والمشير خليفة حفتر، ورئيس البرلمان عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري) إلا أن الأمر لم يخلُ من وجود بعض المعارضين.

عضو المجلس الأعلى للدولة أحمد لنقي يرى من أن المبادرة تصب في مصلحة فرنسا بالدرجة الأولى، وهي تحاول ضمان مصالحها الاقتصادية في ليبيا و تطويرها وحمايتها واستمرار مزاياها النفطية إضافة إلى حاجتها الملحة إلى منطقة تجارية تربطها بمستعمرتها جنوب ليبيا وسط القارة الإفريقية.

وطالب لنقي السلطة التنفيذية في حال توحيدها بإعداد برنامج اقتصادي وصناعي وتجاري بمقتضاه تستوعب طموحات الحكومة الفرنسية وشركاتها الخاصة التي يمكن عن طريقها  الضغط على مصدر القرار في قصر الإليزيه “بتحييد الحكومة الفرنسية عن الصراع القائم بين الأطراف السياسية والعسكرية في ليبيا”.

المعارضون يرونها خطوة إلى الوراء

لنقي أعرب في حديثه لـ”عربي بوست” عن أمله في نجاح المبادرة لتوحيد السلطة التنفيذية وبقاء السراج “رئيساً للحكومة الموحدة إلى حين إجراء انتخابات تشريعية جديدة” مع بقاء الاتفاق السياسي المتضمن في الإعلان الدستوري هو الإطار القانوني والمرجعية الدستورية الذى ينظم العلاقة بين الأجسام السياسية المنبثقة عنه وربما أكثر من ذلك في حال توحيد الجيش الليبي وإشراك القادة العسكريين في غرب وجنوب البلاد في مفاوضات لوضع تصور للمؤسسة العسكرية الموحدة.

وشدد على أبرز ما جاء في المبادرة أي إجراء انتخابات تشريعية جديدة في 9 ديسمبر راهناً الأمر برمته بالمجتمعين في باريس وعلى حسن التواصل والاتصال بين مجلس النواب  والمجلس الأعلى للدولة.

وعلى العكس تماماً ترى عضو المجلس الانتقالي السابق انتصار العقيلي أن اجتماع باريس لم يأت بجديد “إلا تثبيت مجرم الحرب خليفة حفتر في المشهد السياسي والدعاية الانتخابية للرجل الذي أُريد لحضوره أن يكون قوياً” مبدية استغرابها بختام الاجتماع بالدعوة إلى الانتخابات والتأكيد عليها رغم أنها ذاتها دعوة بعثة الأمم المتحدة التي أعلنت كل الأجسام السياسية على الساحة موافقتها عليها سابقاً.

السياسية والحقوقية المخضرمة أعربت عن قلقها لـ”عربي بوست” كون البيان الختامي للقاء باريس لم يحدد ما إذا كان هناك استفتاء على الدستور قبل الانتخابات أم أن الأخيرة ستجرى دون قاعدة ومرجعية دستورية.

نهاية اتفاق الصخيرات وتقوية لحفتر

واعتبرت العقيلي أن اجتماع باريس جاء ليقول أن اتفاق الصخيرات انتهى والذي كان يُصر موقعوه على أن حفتر خارج بنوده ومن ثم خارج المشهد السياسي برمته “أما اليوم فحفتر هو أحد ركائز اجتماع باريس وبحضور عشرين دولة وبرعاية بلد بحجم فرنسا”.

العقيلي لم تر أي جديد في الاجتماع وبيانه الختامي في باريس ليس سوى تنازل المجلس الأعلى للدولة عن أحد ثوابته الأربعة لحضور المؤتمر  قبل أيام، حيث غاب ملف درنة التي تحاصرها قوات المشير خليفة حفتر منذ سنوات ويهدد باقتحامها في أي لحظة مؤكدة أن اجتماع باريس “يبقى خطوة مهمة للرجوع بالبلد بعد فبراير الى الوراء”.

مخاوف عبر عنها أيضاً عدد من نشطاء المجتمع المدني في ليبيا لـ”عربي بوست” تمثلت في عدم تحديد مرجعية دستورية للانتخابات القادمة وتركها مفتوحة لأكثر من خيار عبر عملية تفاوضية يخشون أنها قد لا تنتهي في الموعد المحدد  16 سبتمبر\أي مشبهين الأمر بلغم (مقصود) أمام خارطة باريس.

وتخوفوا من كلمة “سيخضع للمحاسبة”  التي وردت في أكثر من موضع من إعلان باريس دون الإفصاح عن المقصود بالمعاقب وهم المعرقلون المحتملون غير أن الإعلان لم يحدد ما العقوبة ولا الجهة المعاقبة هل هي الأمم المتحدة أو فرنسا أو الأطراف الحاضرة أم الأطراف الليبية التي ستلتزم بتنفيذ الاتفاق.

ما موقع الجيش؟

الصحفي المختص في الشأن الليبي صالحين الزروالي يرى أن مجرد لقاء الفرقاء الليبيين (الأربعة) في باريس بعد تعسر اللقاء في ليبيا في حد ذاته خطوة جيدة لكسر الجمود، “وإزالة  حواجز التخوين والتخوين المتبادل ويسقط الكثير من الهالات التي يغلف بها الخصوم في ليبيا أنفسهم بشعارات تتساقط كل يوم”.

واعتبر الزروالي أن باريس نجحت في كل ذلك، وأن فرص نجاح المبادرة تأتي من النقاط التي تم الاتفاق عليها وأهمها الانتخابات حيث أن ذلك من شأنه إزالة كل الأجسام المتصارعة اليوم شرط التزام الأطراف المختلفة باحترام نتائج الانتخابات، وقبل ذلك تهيئة الأجواء حتى الوصول للحدث الأهم من شأنه أن يعطي متنفساً لليبيين وأن تترافق مع حلول تدريجية للأمور المعيشية ومن شأن ذلك ضمان قدر من المشاركة من الشعب الليبي حيث الخوف من ضعف المشاركة في الانتخابات.

الزروالي قال في حديثه لـ”عربي بوست” إنه في حال صدق الرباعي الحاضر  للمؤتمر فإن حجم معارضي الاتفاق سيتقلص وستعود الأطراف إلى قواعدها لإقناعهم وأخذ رأيهم وإشراكهم ضمن المشهد القادم.

أما الجدل المتوقع فسينحصر في  نقطة هل سيتم الانتخاب وفق الإعلان الدستوري وتعديله أم وفق الدستور الذي تم التصويت عليه وإقراره من قبل هيئة الدستور “إعلان باريس بدا وكأنه مفتوح وغير محدد المسار”، متسائلاً أين سيكون موقع الجيش ضمن ذلك كله وهو الأمر المشكل منذ الاتفاق السياسي بالصخيرات ما نوه إليه عدد من المراقبين منذ اللحظات الأولى للبيان الختامي للمؤتمر الذي رعاه الإليزيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى